في كتاب «أساسيّات الذكاء الاصطناعي»، يلفت كاتبه الدكتور عادل عبد النور إلى صعوبة أن يتمكن عامة الناس من تحسّس الأخطار التي ترافق الطريقة التي يسير فيها الذكاء الاصطناعي وتقنيّاته حاضراً. ويدلّل على ذلك بالإشارة إلى أنّ تسارع التطورات في ميدان الذكاء الاصطناعي لم يرافقها سوى قليل من النقاش عن أخطارها مستقبلاً. ويُرجِع الكاتب ذلك إلى سببين مهمين. أولاً، كون الإنسان العادي يتعامل مع تلك الأشياء من بعيد، ويعتبر نفسه غير مسؤول عن تفاصيلها وآثارها ومستقبلها ولا يشغل نفسه بذلك. «لو أخذنا الهندسة الوراثيّة وتعاملها مع أقرب الأشياء للإنسان ألا وهو الغذاء، جاء ذلك الميدان ليحدث ثورة في الميدان الزراعي بتطوير عشرات الآلاف من المحاصيل الجديدة عبر التلاعب بجينات المحاصيل الطبيعيّة. وعلى رغم ما في ذلك من تعدٍ على نواميس الطبيعة، فإنّه لم يثر نقاشًا ولا بلبلة. وعلى عكس ذلك، وافقت وزارة الزراعة الأميركيّة على 50 محصولاً زراعياً معدلاً وراثيّاً، إضافة إلى كون ما يزيد على نصف المحصول العالمي من فول الصويا وثلث محاصيل الذرة تحتوي على جينات غير طبيعيّة. حين كان الخطر مبدأً في المقابل، عندما جاءت قضية الاستنساخ والنعجة «دوللي»، تصدر الحدث الصحف وصار حديث الناس واعتبره كثيرون توظيفاً لا أخلاقيّاً للتقنية والعلوم. أين الفرق؟ دفعت الولادة الاستنساخيّة لـ «دوللي» الناس ليحسّوا بخطورة ميدان الهندسة الوراثيّة، على رغم أنّ النعجة لن تمس أحداً بسوء، لكن رفض مبدأ تطبيق الاستنساخ على البشر بحد ذاته. وكما هو الحال غالباً، لا نعرف عن الشيء وخطورته إلا بعد ما يصبح حقيقة ماثلة. هل ننتظر حتى نقرأ في الصحف عن ظهور أول رجل آلي يفوق الإنسان ذكاءً؟ أغلب الظن أن الأمر سيكون كذلك! واستطراداً، من الصعب على الإنسان العادي إدراك مدى الخطورة التي ربما سبّبتها الآلات الذكيّة على حياة البشر، هو التعوّد على قبول الاكتشافات الجديدة بسهولة. إذ أدّت كثرة الاكتشافات في القرن العشرين إلى جعل قبولها والترحيب بها أموراً روتينيّة لا تستدعي التفكير. «ما يجهله (معظم الناس) أن اكتشافات القرن الواحد والعشرين ليست من النوع الكلاسيكي. إذ يشكّل الذكاء الاصطناعي والرجل الآلي والهندسة الوراثيّة خطراً أكبر من الاكتشافات التي سبقتها. ومن المحتمل جداً أن تكون لها القدرة على الاستيلاد الذاتي والتضاعف الاستنساخي. وربما يصبح الروبوت مستقبلاً بداية لنسل من الروبوتات. لم لا؟ حصل ذلك مع الجينات. ولنا في فيروس «إيبولا» أبلغ درس. ونحن ما زلنا في طور كتابة هذه السطور بلغ إلى أسماعنا عملية استنساخ أول جنينين بشريين (أحدهما برازيلي) والبقية ربما تأتي مع أملنا بألا تأتي»! كان القرن العشرون قرن أسلحة الدمار الشامل، وربما يكون القرن الواحد والعشرون قرناً لـ «معلوماتية الدمار الشامل» أو «تقنية الدمار الشامل». أليس من المتوجّب الاستفادة من دروس الزمان؟
مشاركة :