تعكس الزيارة التاريخية المهمة والناجحة لسلطنة عُمان التى اختتمها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس ، واستغرقت ثلاثة أيام ، قيمة ومكانة مصر وعُمان في المنظومة العربية والشرق أوسطية، باعتبارهما رمانة الميزان في الأمن القومي العربي ، إذ جسدت الزيارة عمق العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، خاصة بعد أن أكد البيان الصادر عن البلاط السلطانى أن زيارة الدولة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطنة، تأتي امتدادا للعلاقات الأخوية الراسخة بين السلطنة ومصر، وتعزيزا لمسيرة التعاون المثمر وحرصا من قيادتي البلدين على دعم المصالح المشتركة بين الجانبين في مختلف المجالات.ووفق البروتوكول الدبلوماسي، تعد زيارة "دولة" هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسمها الخاصة وبرامجها المميزة، وتنطوي "زيارة دولة" على معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية كبيرة - على صعيدي الاستقبال والتوديع - تنظمها الدولة المضيفة للرئيس الزائر.وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال الزيارة ، قوة ومتانة العلاقات المصرية العمانية وما تتمتع به من استقرار على مدار عقود، ساهمت فيها، بشكل رئيسي حكمة القيادة العمانية، التى تحظى بتقدير كبير من الشعب المصرى.شراكة اقتصادية مستقبلًا :حققت قمة السيسي وقابوس "قمة الحكماء" وفق توصيف وسائل الإعلام في سلطنة عُمان، وما ارتبط بها من مباحثات وتفاهمات شهدها الجانبان العُماني والمصري، والأجواء التفاؤلية التي اتسمت بها اللقاءات، نتائج إيجابية على كافة المستويات والأصعدة وتحديدًا على المستويين الاقتصادي والسياسي.وجاء لقاء الرئيس السيسي بوفد ضم أكثر من 40 من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمستثمرين العُمانيين، ليفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين تدفع نحو شراكة مستقبلية، حيث أشار السيسي في هذا اللقاء ، إلى ما يوفره السوق المصرى من فرص استثمارية كبرى، من خلال التقدم المحرز على صعيد الإصلاح الاقتصادي والمالى، وتطوير البنية الأساسية وزيادة مصادر الطاقة، فضلًا عن الإجراءات التي تم اتخاذها لتوفير مناخ جاذب للاستثمارات.وقد عرض الرئيس - خلال اللقاء - ما يجرى تنفيذه فى مصر من مشروعات قومية كبرى، مؤكدًا أن ما تشهده حاليًا مصر من تقدم وتطور يرجع بالأساس إلى رغبة وإرادة الشعب المصرى وإصراره على تحقيق التقدم والنمو والحفاظ على الاستقرار.ويرى المحللون الاقتصاديون أن أساس الشراكة التجارية والاقتصادية بين البلدين الشقيقين ترتكز على قيام رجال الأعمال والصناعة بدور كبير ومحوري في تنمية وتعزيز العلاقات الثنائية من خلال الاستثمار في مشروعات مشتركة تعود بالفائدة على الدولتين وتحفز النمو الحقيقي لاقتصادهما وتوفر فرص العمل للأجيال القادمة.وتتطلع الحكومة المصرية لأن تكون مصر قاعدة للاستثمارات العُمانية في أفريقيا من خلال قيام مجتمع الأعمال العماني بضخ المزيد من الاستثمارات في السوق المصري لإنتاج العديد من السلع تمهيدا لتصديرها إلى أسواق عدد كبير من الدول الإفريقية والعربية والتي تمنح الصادرات المصرية إعفاءات جمركية بموجب اتفاقات التجارة التفضيلية الموقعة بين مصر وهذه الدول خاصة في ظل تنمية محور قناة السويس والذي سيكون نموذجًا يحتذي به لمستثمري دول العالم الراغبين في الاستثمار بمصر.وثمة دعوة للشركات العمانية إلى استغلال الفرص المتاحة في القطاعات الاستثمارية المختلفة والاستفادة من الحوافز والتسهيلات التي توفرها الحكومة المصرية في هذه القطاعات، لأن التواصل المستمر والدائم بين حكومتي البلدين ومجتمع الأعمال سيكون الضامن الأكيد والعامل الرئيسي لتوثيق الروابط الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر وسلطنة عمان لتحقيق المنفعة المشتركة المنشودة.ومن أجل تفعيل التعاون الاقتصادي والاستثماري المشترك مستقبلًا، يعد الجانبان المصري والعماني لعقد مؤتمر اقتصادي لرجال الأعمال من البلدين قريبًا في مسقط، بحضور وزراء التجارة والصناعة والمالية المصريين لتذليل أية عقبات أمام الاستثمار العماني في مصر. كما يجري إعداد اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين البلدين، لإبرامها خلال اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة القادمة.وهناك رغبة مصرية ـ عُمانية مشتركة لتنشيط اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين لتعقد خلال العام الحالى سعيا إلي توقيع عدد من الاتفاقيات وتفعيل الاتفاقات القائمة بالفعل والعمل على زيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة، وتم الاتفاق المصري العُماني على دراسة إنشاء صندوق استثماري مشترك بين الجانبين لهذا الغرض.الجدير بالذكر أن اللجنة المصرية - العُمانية المشتركة تمثل آلية مهمة ضمن آليات تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ، وكانت اللجنة قد عقدت اجتماعها الرابع عشر في مسقط خلال عام 2017، ومن قبل اجتماعها الثالث عشر في القاهرة في عام 2016، الأمر الذي يمثل نقلة أخرى مهمة في خطوات تنشيط وتفعيل أطر ومجالات التعاون بين مصر وسلطنة عمان بشكل أكبر وفي كل المجالات وبما يدعم جهود التنمية في الدولتين، ويعود بالخير على شعبيهما.ثبات المواقف السياسية:شهدت المباحثات المصرية العُمانية ثباتًا في الرؤى والمواقف وتوافقًا في وجهات النظر تجاه الأوضاع والعلاقات الإقليمية فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية وخاصة الوضع فى اليمن وليبيا وسوريا، ويرجع هذا الثبات إلي الانسجام في المواقف والسياسات تجاه تطورات الأوضاع في المنطقة، حيث يدعو البلدان دائما إلى حل جميع مشاكل وقضايا المنطقة بالحوار.وأكدت زيارة السيسي على موقف مصر الثابت بشأن ضرورة الحفاظ على التضامن العربي في مواجهة التحديات المختلفة التي تشهدها المنطقة وتأثيراتها المحتملة على الأمن القومي العربي، فضلا عن التأكيد على سياسة مصر الثابتة والراسخة التي تدفع دائما بالحلول السياسية للأزمات وضرورة تجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر أو الاستقطاب وعدم الاستقرار.وقد أكدت الدبلوماسية العُمانية دعم مصر ومساندتها في حربها ضد الإرهاب، لأن مصر تقف حجر عثرة أمام جماعات الإرهاب والتطرف، ومخططات ونزعات التقسيم والتفتيت للمنطقة، وتؤمن سلطنة عُمان بأنه في قوة واستقرار مصر أمان لعُمان، وأن في قوتها حفظ لأمن واستقرار المنطقة برمتها.وقد أحسن يوسف بن علوي الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العماني، التعبير عن هذا المعنى عندما قال: "إن علاقتنا بمصر صافية بلا مشكلات أو عقبات وتخلو من الشكاوى"، مؤكدًا أن مصر بالنسبة لسلطنة عمان هي كل شيئ في العالم العربي وهو أمر واضح و مؤكد وأثبتته التجارب" ، وأضاف " إن زعامة مصر في المنطقة أزلية وأبدية لا ترتبط بتوقيت ولا تعرف التقلبات، وأن السلطنة تنظر الى مصر على أنها "عكاز الأمة العربية" وهي "المنصة" التي تجمع الأمة العربية ودورها مشهود ويتعاظم".مجمل القول ، فإن زيارة الرئيس السيسي لسلطنة عمان، تمهد لبدء مرحلة جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين ، وتحقق نقلة نوعية في مسار التعاون المشترك بينهما على المستويين الثنائي والإقليمي وفي مختلف المجالات، وتؤكد ضرورة المضي قدما في تعزيز منظومة العمل العربي المشترك وتسريع وتيرة مشروع التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق الاستفادة القصوى من الميزات التنافسية لكافة الدول العربية.
مشاركة :