استمعنا في المركز الثقافي العراقي في لندن إلى محاضرة قيمة قدمها الخبير في الآثار العراقية السيد محمد عبد الرزاق في موضوعه هذا، أي ما تبقى وما خطف وسرق من آثار بلده التاريخية. وتضمن العرض قوائم طويلة ترهق السامع. ولا بد أنها أرهقت الزميل محمد الذي جمعها. وبالطبع انتهت المحاضرة بمناقشة أليمة بشأن مصير هذه الآثار، ولا سيما بعد أن وقع الكثير من مواقعها وكنوزها في قبضة «داعش». ذكر البعض أن هذه العصابة شرعت بتدمير بعضها على اعتبار أنها أصنام وآثار وثنية. وفي غير ذلك باشرت ببيع بعضها للحصول على الأموال اللازمة لقتل العراقيين والرهائن الأجانب ونشر الخرافات والتخلف في المنطقة. طرح السؤال: كيف يمكن صيانة هذه الآثار؟ ذكرنا الزميل سمير إبراهيم بأن الآثار العراقية في المتاحف الغربية في خير. معروضة خير عرض ومصونة أدق صيانة. الآثار الباقية في العراق هي المعرضة للدمار والضياع. اقترح بأن تبادر السلطات العراقية إلى استيداع هذه الآثار في الدول الغربية كودائع لمدة 99 عاما بعد أن يستقر البلد ويوضع حد للبوك (البوك كلمة قديمة- جديدة شاعت مؤخرا على ألسنة العراقيين لتعني النهب والسرقة وشاع تصريفها بصيغ باك يبوك بوكا وبوّاكا... إلخ). اعترضت على اقتراح الزميل سمير لأنه يفترض أن 99 سنة ستكفي لاستئصال البوك في العراق. وهذا ما لا أراه. الأفضل في رأيي أن يبادر المسؤولون لبيع آثار العراق في مزادات عالمية قبل أن يبوكها البواكون ويأخذوا نسخا منها لعرضها في المتاحف الوطنية. سيدر ذلك على العراق مليارات الدولارات. يأخذ البواكون حصة عادلة منها ويصرف الباقي على إنشاء مستشفيات ومدارس ودور عجزة ونحو ذلك. فأنا واثق أن الناس يفضلون مركزا يعالج أمراضهم وإصاباتهم على التفرج في متحف. كما أن أي مواطن من المثقفين العراقيين العاطلين سيفضل الحصول على ماعون كباب من النظر على مسلة حمورابي. وما سيباع من هذه الآثار ستعرضه الدول الغنية في متاحفها بالشكل اللائق ليتفرج عليها ألوف الزائرين والباحثين. وهو ما لا يتحقق في المتاحف العراقية. لا أدري كم من العراقيين يعبأون بزيارة هذه المتاحف ومعاينة معروضاتها. أنا شخصيا لم أزر المتحف العراقي قط خلال وجودي في العراق. وزرته لأول مرة عندما كنت عضوا في وفد من بريطانيا دعينا للاشتراك في مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية. المثقف العربي بصورة عامة مشغول بنظم الشعر ولا يولي الجماليات التشكيلية ما تستحقه من الاعتبار والتذوق. من محنة الآثار في عالمنا الإسلامي أن الأحزاب الإسلامجية التي آلت الأمور بأيديها مع الأسف في الكثير من العالم الإسلامي ووقع الجمهور الساذج بتأثيرها وتضليلها تنظر نظرة دونية لمخلفات وآثار تاريخنا القديم وتعد التماثيل التاريخية أصناما وثنية وخلاعية ينبغي تدميرها أسوة بما فعلته طالبان في أفغانستان. الكثير من هذه الأحزاب تستنكر الأعمال التشكيلية والتراث القديم غير آمن بأيديها.
مشاركة :