أشعر دائما بأن الصحافة هى المهنة الأهم فى هذا العصر , بل فى كل العصور السابقة والقادمة , وهى مهنة البحث عن المتاعب والشقاء , لأن الصحفى دائما معرض للمصائب والنكبات التى تحل على رأسه بفضل هذه المهنة , كما أن الصحفى فى هذا العصر بالتحديد بعيدا عن كل العصور يعمل ويتعب ويكد ويجتهد ثم لا يجد قوت يومه لأن ما يتقاضاه من أجر ضئيل ليس بقدر ما يقدمه وليس بقدر ما يحتاجه , لدرجة أن معظم الصحفيين لا يستطيعون أن يكفوا إحتياجاتهم الأساسية من الملبس والمأكل والمشرب , بل إن كثيرا من الصحفيين حياته الشخصية هُدمت لأنه فضل الصحافة على زوجته وأولاده تارة , وتارة أخرى لأن ما تقدمه الصحافة للصحفى ليس بقدر ما يقدم هو لها .هذه المقدمة مقدمة إستثنائية أبدأ بها سلسلة مقالات متتالية عن " مهنة البحث عن المتاعب " , ورحلتى فى بلاط صاحبة الجلالة بإيجابياتها وسلبياتها وما هو العائد المادى والمعنوى لصحفى قضى نصف عمره بين السطور يدقق ويكتب ويحلل ويستنتج ويطرح الرؤى على العامة وينصح الناس ولايجد له ناصح , وسنسلط الضوء على حياة الصحفى أمام الناس وحياته بينه وبين نفسه , وهل وصل الى حالة الرضا الكامل بالتبحر فى عالم الكتابة والنقد والتحليل ؟ , وإجابات سأطرحها لأسئلة كثيرة لا يستطيع أحد أن يجاوب عليها إلا شخص متصالح مع نفسه ومع الأخرين لأقصى درجة , وأظن أننى وصلت منذ فترة بسيطة الى درجة التصالح الكامل مع نفسى قبل الأخرين , ولهذا سأطرح كثير من الأسئلة الشائكة التى أغلق الصحفيون عيونهم عنها وإعتبروها من الممنوعات التى لا يجب الإقتراب منها أو التصوير , حتى لا تطرح فتجرح القلوب وتضيق الصدور.وعالم الكتابة به متناقضات كثيرة , بل يعتبره كثير من الكتاب عالما سريا يصعب فهمه إلا من خلال عقولهم التى يعتبروها أنها عقول مفضلة ومميزة موزونة عن عقول باقى البشر , لايدركون أنهم بشر وكل ما فى الأمر أنهم إستطاعوا أن يعبروا بأقلامهم عن دواخلهم , وسيكون لنا وقفة مع دواخلهم وضمائرهم فى مقال كامل يكمل مقالات هذه السلسلة التى أبدأها بهذا المقال التمهيدى لباقى المقالات القادمة , كما سنسلط الضوء على المواطن الصحفى والصحفى المواطن.ولأن الصحفى هو ضمير الأمة فسيكون لنا وقفة عن المهمة الأساسية للصحفى والتى تتلخص فى خدمة البشرية والإنسانية والمجتمع الذى نعيش فيه والواقع الإقتصادى والإجتماعى والسياسى الذى يشارك الصحفى فى صنعه , كما سنتطرق فى الكتابة عن إرتباط الصحافة بالصناعة والتجارة , وكون الصحافة ظاهرة إجتماعية لا أتصور الحياة بدونها , لكونها حاجة ضرورية , وملحة للبشرية , ولبناء الحضارات والمجتمعات , وتكوين الرأى العام , ومعالجة قضايا المجتمع , وتأريخ الواقع الذى نعيشه وسنتحدث عن الدلالات المعنوية والمادية لكلمة صحفى.كما أن الصحافة لها دلالات كثيرة بداية من كونها حرفة وصناعة , مرورا بتوزيع أدوارها والحصول على فنونها وأساليبها وإخراجها شكلا ومضمونا وكونها مرأة تنعكس عليها صورة المجتمع وكونها رسالة كما ورد فى القرآن الكريم " إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ " ولهذا سيكون لنا وقفة لنتحدث عن ماهية الصحافة والممارسات الصحفية وخصائصها وأنواعها وكونها وسيلة إتصال وطبيعتها كصناعة ذات بعد فكرى وثقافى وفنى وإرتباطها بالمسئولية المجتمعية وعلاقة الصحافة بالسلطة بإعتبارها رقيب للشعب على السلطات الثلاث الأخرى .ياسادة .. للأسف أن الصحافة بشكل خاص والإعلام بشكل عام يجب إعادة بنائه من جديد لأنه لا يقوم بالدور الوطنى الحقيقى من أجل الشعب والوطن , كما أن حالة الجمود الذى يقف عندها الإعلام يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونناشد جميع المسئولين فى الحقل الإعلامى أن يبدأوا فى تطوير الألة والأداة الإعلامية التى تبث ما يخدم المجتمع والفرد , كما أناشد السادة الإعلاميين والصحفيين بوقف الحرب المستمرة بين بعضهم البعض من أجل النجاح المبنى على " الركوب فوق أكتاف الأخرين " والمبنى على الفضائح .
مشاركة :