يعود الفنان نهاد طربيه اليوم إلى مسقط رأسه في بلدة صوفر في جبل لبنان، ويوارى الثرى في فيء وطن غناه إلى رمقه الأخير، وودّعه قبل ساعات من رحيله عن الدنيا، عائداً إلى منفاه القسري في فرنسا حيث لفظ أنفاسه الأخيرة فور وصوله إلى المطار هناك، هو الذي أطرب الجمهور أينما كان في لبنان والعالم العربي بأجمل الأغنيات التي أثرت المكتبة الموسيقية وشغفت بها الأذن واقتحمت القلب والعقل معاً. وقد نعته وزارة الثقافة في لبنان ونقابة الفنانين المحترفين ونقابة محترفي الموسيقى والغناء وبلدية صوفر. توفي نهاد طربيه في 26 يناير الفائت، إثر أزمة قلبية ألمّت به في مطار باريس وكان عائداً من لبنان بعد زيارةٍ قام بها لِرُؤية أهله وأصدقائه، فتعرض لارتفاع في ضغط الدم، ونُقل إلى إحدى المُستشفيات لكنه سرعان ما فارق الحياة. عانى طويلاً من مرض السكري الذي أفقده بصره، وأقام في آخر سنوات حياته في العاصمة الفرنسية لتلقي العلاج. اليوم يعود جثمان طربيه إلى لبنان بعد تأخر أكثر من عشرة أيام بسبب الإجراءات القانونية، التي تنفذها السلطات الفرنسية، لا سيما أنه يحمل الجنسية الفرنسية. وقد أثار هذا التأخير لغطاً بين الأوساط الفنية واستنكاراً، ما دفع وزارة الخارجية إلى إصدار بيان أكدت فيه أنها «تتابع من خلال جهازها القنصلي، منذ لحظة وفاة المطرب الكبير نهاد طربيه، مسألة نقل جثمان الفقيد إلى لبنان. وهي بعد عزائها لعائلته، ظلّت على تواصل معها، كما ومع السلطات الفرنسية المختصة». أضاف البيان: «بذلت السفارة والقنصلية في باريس كل ما يمكن في هذه المرحلة، علماً بأنها بانتظار إنجاز الأوراق اللازمة من السلطات الفرنسية لنقل الجثمان إلى بيروت في أقرب فرصة حتى يعود الراحل إلى تراب وطنه». فعلاً، بعد إنجاز الترتيبات نقل الجثمان إلى بيروت، يدفن الراحل بعد ظهر اليوم في بلدته وسط حضور مهيب من أهل الفن وأبناء بلدته ومحبيه. بيت فني أبصر نهاد طربيه النور عام 1950 في بيت فني، وترعرع على أنغام الموسيقار فريد الأطرش الذي كانت تربط عائلته به صداقة متينة، فتأثر به، وحاول في بداياته الفنية تقليد أسلوبه الغنائي. خطواته الأولى على الساحة الفنية كانت من خلال إعادة تسجيل بعض أغنيات الأطرش، وإحياء حفلات في منطقته، ومُنح على هذا الأساس أوسمة وألقاباً باعتبار أنه خليفة فريد الأطرش، لكنه في ما بعد خرج من عباءة الأخير وانتهج لنفسه أسلوباً خاصاً وبرز على الساحة الفنية اللبنانية والعربية مطرباً يتمتع بصوت هادر وحضور محبب... أغنيته الأولى «أنا فلَّاح وأبويا فلَّاح» وبعدها «بدنا نتجوز عالعيد»، ثم «يا أميرة يا بنت الأمراء»، و{مشوار الحياة»، حققت له كلها انطلاقة قوية في الإذاعة اللبنانية، وسرعان ما اشتهر بالطرب والطرب الشعبي. بعد ذلك أطلق طربيه أغنيات ناجحة تعاون فيها مع كبار الملحنين، أبرزها: «القمر مسافر»، و{حبيبي» لبليغ حمدي، و{طيب جداً» لشاكر الموجي، و{بحبك» لرياض النبك وغيرها. كذلك أصدر أغنيات باللون البدوي من بينها: «وينا زينة، وبعز الليل، وتريد تروح وتنسانا، ووين الخيل، وعابوابكم دقيت، ووردة ليكم والنبي تضحكي»... جمعته صداقة بفنانين وشعراء ومُلحنين، وأثنى على موهبته فريد الأطرش ومُحمَّد عبد الوهَّاب ووديع الصافي وجورج يزبك الذي لحَّن أغنيات له من بينها «بدنا نتجوز عالعيد»، كذلك شاكر الموجي وحسن أبو السعود الذي لحن له «مشوار الحياة»، و»خلاص حسيبك» وغيرهما. والد شاعر كان والد نهاد طربيه مؤلفاً وشاعراً له ديوان «معلقة الحياة» من أربعمئة بيت شعر وكتاب «أيائل الصحراء»، وقد غنَّى طربيه من قصائد والده أغنية «والله يجمعنا والصبر جميل» و{مال الهوى ومالي»...
مشاركة :