ما الذي يحكم قرار مقاطعة فيلم ما، هل عدم توافق المحتوى الذي يُقدمه مع توجهنا القومي ومناهضة دولة الاحتلال، أم جنسية المخرج وانتماؤه؟ إذا كان المخرج إسرائيلي الجنسية وقدّم فيلماً ينتصر للقضية الفلسطينية ويهاجم الصهيونية، هل نشاهد عمله لأنه ينحاز إلينا أم نقاطعه لأنه ينتمي إلى دولة الاحتلال؟ هذه وغيرها من تساؤلات أثارتها حالة من الجدل والخلاف مع قرار المنتجين غابي وماريان خوري عرض فيلم «القضية رقم 23»، الذي بحسب البعض يتضمن تحاملاً على القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد اتهام المخرج بالتطبيع مع الكيان الصهيوني بعدما زار دولة إسرائيل وصوَّر أحد أفلامه في تل أبيب. يؤكد المنتج د. محمد العدل أنه يستند في قراره مشاهدة فيلم ما من عدمها إلى المحتوى الذي يقدّمه العمل الفني وما يطرحه من أفكار لأنها الأبقى والأسهل في الوصول إلى المشاهد. أما جنسية المخرج وانتماؤه، فلا تهم المشاهد عندما يبدأ العمل الفني، كما يقول العدل، مضيفاً أن الكاتب علي سالم أحد أكثر المتحمسين للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني وأعلن ذلك كثيراً، ومع ذلك لم يطالب أحد بمقاطعة مسرحية «مدرسة المشاغبين» ولا نغلق التلفزيون عندما تُعرض وننسى معها توجهه أو أفكاره. كذلك المخرج الراحل حسام الدين مصطفى أحد دُعاة التطبيع، وهو صرح أن لو كان في إسرائيل مهرجان فني ما تردد في المشاركة والذهاب إليه، ومع ذلك أفلامه الكبيرة «السمان والخريف، والطريق، والنظارة السوداء، والشيماء، والأخوة الأعداء، وآدهم الشرقاوي، وكلمة شرف» وغيرها التي صنِّف بعضها ضمن أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما موجودة ونشاهدها باستمرار ولم يطالب أحد بمنعها أو حذفها من تاريخ السينما بسبب أفكار وآراء المخرج. في السياق نفسه، ترى الناقدة ماجدة خير الله أنها مع مشاهدة الأعمال الإسرائيلية من باب «اعرف عدوك»، فمن غير المنطقي أن أجهل إلى أين وصل المجتمع الإسرائيلي وكيف ينظر إلينا مع هذه العداوة التاريخية، فيما هو يتابع كل ما نقدمه. وتضيف: «لا تعني هذه المتابعة تغير موقفنا تجاه إسرائيل، ولكنها فقط مشاهدة للتعرف إلى الأعمال وتوجيه النقد إليها التي قد تلتبس على غير المثقفين، لذا لا بد من أن تكون المتابعة من النُخبة والمثقفين فحسب، ومن خلال المشاهدة الفردية أو المراكز الثقافية من دون العرض التجاري أو المشاركة في المهرجانات التي تستضيفها مصر». وتتابع خير الله أنها شاهدت أحد الأفلام الإسرائيلية «الفرقة الموسيقية» في مكتب الراحل أنيس منصور، ثم كتب عنه ووجّه النقد إليه وإلى أفكاره. رفض قاطع ترى الفنانة تيسير فهمي أنها ضد مشاهدة أي عمل فني يحمل جنسية دولة الاحتلال مهما كان توجهه أو حتى مع انحيازه التام إلينا وإلى القضية الفلسطينية. وتشرح وجهة نظرها قائلة: «ربما يكون الانحياز بداية لمد جسور التواصل التي حاول العدو كثيراً وصلها بعد كامب ديفيد وفشل». وتضيف: «إذا شاهدنا أعمالهم سنعتاد مناقشتها ثم التفاعل معها وربما الانحياز إليها. ولكن لست ضد مشاهدة الأفلام الأميركية لمخرج أو منتج يهودي الديانة، فهي تختلف عن مشاهدة عمل فني لمخرج يحمل جنسية دولة الاحتلال». فهمي ضد عرض فيلم «القضية 23» لأنه، في نظرها، ينحاز إلى الكيان الصهيوني بشكل غير مباشر من خلال التحامل على الشخص الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وهي ليست المرة الأولى التي يتناول مخرج العمل هذا الأمر، من ثم من حقي أن أعترض على المحتوى حتى مع جنسيته اللبنانية. بيان مقاطعة يرى الناقد نادر عدلي أن هذا الأمر حُسم منذ سنوات طويلة عندما أصدرت النقابات الفنية في أواخر السبعينيات، وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، بياناً بمقاطعة كل ما ينتمي إلى دولة الاحتلال ورفض أية صورة من صور التطبيع الفني والثقافي وهذا الأمر مستمر حتى الآن. ويضيف عدلي: «في أواخر التسعينيات عُرض فيلم ينتمي وكل فريق عمله إلى دولة الاحتلال ولكنه ينتصر للقضية الفلسطينية، في أحد الفنادق الكُبرى وحضرته مجموعة من السينمائيين. حدث آنذاك انقسام بين هؤلاء وانتهى الأمر برفض الفيلم طبقاً للقرار الذي أصدرته النقابات الفنية رغم توجهه المختلف». محتوى الفيلم، أي فيلم، بحسب عدلي، يخضع لوجهات نظر من حق المخرج طرحها ومن حقنا الاختلاف والرفض والنقد، مؤكداً أن ثمة أموراً أخرى تتعلق بالمقاطعة تحتاج إلى إعادة مراجعة من النقابات الفنية. يتابع: «مثلاً تدعو السلطة الفلسطينية الفنانين المصريين والعرب إلى زيارة فلسطين ونقل مُعاناة الشعب الفلسطيني، ولكن يحول دون ذلك رفض الجميع الدخول عن طريق سلطات الاحتلال، وهنا لا بد من مناقشة الأمر، هل نتجاوز الشكليات وندعمهم أم نستمر في الموقف نفسه، أي المقاطعة بالشكل ذاته؟».
مشاركة :