د. محمد الصياد بالتوازي مع الحرب الشعواء التي بدأت الولايات المتحدة شنها على الشعب الفلسطيني وعلى القيادة الفلسطينية منذ أن أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعده للمحتلين «الإسرائيليين» في مساء الأربعاء الموافق السادس من ديسمبر بنقل مقر السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس بعد اعترافه بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، وتزخيماً لهذه الحرب بأشكالها وتداعياتها المختلفة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، بناء على تعليمات البيت الأبيض، عن تعليقها مبلغ 65 مليون دولار من إجمالي 125 مليون دولار تمثل حصتها في ميزانية «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، وعدم صرف مساعدات غذائية قيمتها 45 مليون دولار كانت قد تعهدت بتقديمها لل «أونروا» كمساهمة طارئة وعاجلة لمعالجة الأوضاع الإنسانية الطارئة التي تواجهها، في ضوء ذلك، ظل السؤال عن رد الفعل العربي الرسمي، معلقاً، وباحثاً عن إجابة عما إذا كانت هنالك بلدانٌ عربية ستتطوع لإبداء استعدادها لتغطية النقص في موارد «الأونروا».العمل الذي تقوم به «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، هو عمل إغاثي وإنساني، أرادت به الأسرة الدولية أن تعوض خذلانها للشعب الفلسطيني بعد تشريده من أرضه، وتمكينه معيشياً وإنسانياً من مجابهة حياة اللجوء في مرحلة، تم إيهامه وإيهام الشعوب العربية قاطبة، أنها ستكون مرحلة انتقالية عابرة، سوف تنتهي بعودة اللاجئين إلى ديارهم التي شُرِّدوا منها. بالمقابل، فإن واقع اللجوء الفلسطيني الذي تضخم وتكرس على مر السنين، ينهض دليلاً مادياً صارخاً على استمرار إمداده القضية الفلسطينية بإكسير الحياة الذي تعمل «إسرائيل» ورعاتها، على كسر قنينته. وبهذا المعنى يصبح استمرار عمل الوكالة، أمراً حيوياً ومصيرياً ليس للشعب الفلسطيني فقط وإنما للعالم العربي قاطبة، بما في ذلك الأطراف العربية التي تحاول إنهاء الصراع العربي - «الإسرائيلي» عبر صفقات هي أقرب إلى الصفقات التجارية منها إلى الصفقات السياسية التي تكون الأرض والموارد موضوعها الأساس. لقد كان منتظَراً في أعقاب قرار الولايات المتحدة القاضي بخنق الشعب الفلسطيني من طريق دفع وكالة «الأونروا» لحالة الإعسار المالي الحاد توطئة لإعلان الوكالة تقليص ثم تعليق أعمالها الإغاثية، أي تصفية أحد مرتكزات القضية الفلسطينية المتمثل في حق عودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم التي شُِّردوا منها بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194- كان منتظَراً أن تفزع العواصم العربية، من باب الإغاثة الإنسانية الطارئة، كي لا نقول من باب النخوة والأخوة العربية، ومن باب حسابات الربح والخسارة السياسية، للتعبير عن استعدادها للمساهمة في تغطية النقص الذي أحدثه القرار الأمريكي في الموارد المالية لل«أونروا». ودرءاً لتقليب المواجع فإننا سوف نستثني الجامعة العربية من هذا العتب، نتيجة لما آل إليه حالها الذي لا يسر أحداً بطبيعة الحال. ولذا بات الأمل اليوم معقوداً على المؤتمر الدولي الذي بشَّر بانعقاده قريباً مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور لبحث الأزمة المالية لوكالة الأونروا، الناجمة عن تقليص المساعدات الأمريكية للوكالة الدولية، وعلى زخم ومدى استمرار الاتحاد الأوروبي في الوفاء بالتزاماته، في ضوء ما تمخض عنه الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته «المجموعة الدولية المانحة من أجل فلسطين» في بروكسل برئاسة النرويج الأربعاء 31 يناير 2018، وإعلان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي لشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موجيريني، عزم الدول المانحة تقديم ما يزيد على 42 مليون يورو كمساعدات للفلسطينيين. لكن مثل هذه المساهمات المالية المتواضعة وهذه المواقف الأوروبية الضعيفة، لن تحل أزمة «الأونروا» ولن تساعد الفلسطينيين على الصمود في وجه سيف العقوبات الذي بات مسلطاً عليهم لإخضاعهم للمشيئة الأمريكية والتراجع عن موقفهم الرافض لاستمرار الدور الحصري والاحتكاري للولايات المتحدة في «لعبة» المفاوضات الهزلية. alsayyadm@yahoo.com
مشاركة :