هل ننكر أن أي حوار لابد أن يكون هناك ما هو مختلف عليه، اختلاف لا يفسد ودَّ ومحبة المتحاورين، إذا أحسنا الظن والنية في هدفنا من الحوار والتحاور، لأن الأغلب والأعم هو طغيان لغة الاختلاف الذي يؤدّي للخلاف والصراع، خلاف تتبدى فيه ظاهرة العنف المبطّن، بسوء الفهم وسوء الظن، والمصادرة المتعمدة لآراء الآخرين وتأويل أقوالهم وأفكارهم وتحميلها من الأغراض والمعاني مالا يحتمل، فهذا ما يُعاب عليه حقاً في حواراتنا، تتجلّى في خــفاياها صــور إثارة الكراهية، وخلـق أجـواء المشاحنة، ونحن نعلم أن هناك فئة من المثقفين، أجهل نسبتهم، ونأمل أن تكون هذه النــسبة قليلة، ترفض التعددية الفكرية، ولا تؤمن بالحوار الفكري الخلاق، تهوى إشاعة العنف، وإثارة أطراف الحوار بالآراء والأفكار المستفزة. لا ضرر أن نختلف فهي سُنَّة من سُــنن الحياة (..ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر)، لكن علينا ألا ننقاد وراء ما يدفعنا للاخــتلاف من أجل الصراع. وكما قلت سابقاً إن الحوار والجدل يستوجب أن نكون متفقين على أسسه وأخلاقياته، ونحن على قناعة تامة أننا لن نتوصل لحــل قضــايانا مالم نحترم آراء الطرف الآخر، وتنازلنا عن نقاط الخلاف يحقق لنا الوصـول إلى رؤية موحدة وقراءة مسـتنيرة نتفــق عليها، لأن نظرية المثاقـفة تقوم أسـاساً على قدرة المثقــفين في الــتواصل والتفاعل مع مختلف الثقافات، شريطة أن نضع الثقافة المنتجة، بعد تأكدنا من سلامة مصدرها، وإخضاع أفكارها لما يُسمّى بنقد ثقافة الذات، ويإمكاننا الفرز واختيار الأمثل، وانتقاء الصالح، وإعادة صياغة كثير من الأفكار المعوقة المعقدة، بشكل عقلاني يأخذ بفرضيات التجديد وتحديات الإصلاح، بحيث لا نكون خارج التاريخ، ولا يتعارض مع المناهج التي تشجع على الاجتهاد، والأخذ بمبدأ عدم الإلغاء أو الإقصاء لمجرد التعصب والوقوف ضد فكرة حتمية التطوير. لأن ذلك، كما أكدنا سابقاً يعد من أبرز معوقات المثاقفة الواعية، والحوار الحضاري مع أنفسنا ومع الآخرين. كان من أبرز الخــلافات التي، حـالت دون الوصول إلى صيغ متفق عليها في توصيات لقاءات الحوار الوطني، وكان آخــرها لقاء حائل، الاتفاق على مفهوم الخصوصية ومصطلح الثوابت، في خطاب الثقافة السعودية. ولا تنكر الأطراف المتحاورة، وجود هذه الخلافات، وهي تعكس ما تعج به الساحة الثقافية وتزخر بنقاشات محتدمة، ناتجة عن الحوارات التي أفرزت خلافات حادة بالفعل بين المتحاورين، في المواضيـع المطروحة للنقاش في القضايا المحددة كعناوين لدورة كل حوار أو القــضايا الفكرية والثقافية المختلفة. وهو مناخ طبيعي بل وصحي أيضاً، خاصة وأننا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بعالمنا العربي، وتعصف بثوابته الثقافية والدينية، نعيش أزمات تزيدنا تفرقاً، واختلافاً في الرأي والـرؤى. لسنا بحاجة لتكثيف عدد دورات الحوار، وإنما المهم ألا تبقى التوصيات والنتائج المتفق عليها حبراً على ورق. خصوصاً أن الحوار نتحدى به الأحداث بعنوان عريض هو (محاربة التطرف والإرهاب)الذي لابد أن نكون جادين فيه وواثقين من نجاحنا في تنفيذ ما نتوصل إليه من رؤى وأفكار تحاربه وتقضي عليه.
مشاركة :