طوال وجود بن كيران على رأس الحكومة لم يكن يكف عن الدفاع عن مؤسسات الدولة، ولكنه ينقلب عليها اليوم ويعلن بأن الاتجاه الإخواني بديل عن التدين الرسمي للدولة.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2018/02/09، العدد: 10895، ص(8)] لا يريد عبدالإله بن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي ورئيس الحكومة السابق، أن يخلد إلى الراحة بعد إزاحته من على قمة الحزب في المؤتمر الأخير للحزب، وانتخاب سعدالدين العثماني رئيس الحكومة الحالية مكانه. فبعد أن بدا أن الرجل اختفى عن واجهة الأحداث طيلة الشهور الأخيرة عاد السبت الماضي إلى طريقته المعتادة في مهاجمة مختلف الأطراف السياسية بنفس الأسلوب الشعبوي الذي طبعه طوال السنوات الماضية. فخلال كلمته أمام مؤتمر شبيبة حزبه بالرباط، أطلق بن كيران النار في جميع الاتجاهات، وخص وزير الفلاحة في حكومة العثماني، عزيز أخنوش، الذي هو رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بنصيب الأسد من هجومه، رغم أنه قبل عامين فقط كان يثني عليه حين كان رئيسا للحكومة وكان أخنوش وزيرا للفلاحة في حكومته. وبطريقته التهكمية المعتادة أيضا، قصف العثماني من تحت الحزام، مقللا من كفاءته على رأس الحزب، حين اتهمه بأنه “يختار كلماته جيدا” في تصريحاته السياسية. هذه المواقف المستغربة من طرف الرجل الذي لم تعد له أي صفة تنظيمية داخل الحزب، لا يمكن أن تجد تفسيرها إلا في محاولته دق إسفين التفاهم بين رئيس الحكومة وشركاء حزبه فيها، وزرع جو من عدم الثقة بين مكوناته الحزبية الأربعة، وهذا يظهر بأن الرجل يتصرف وكأنه سلطة موازية لسلطة الأمين العام للحزب، وبأنه يتمرد على الانضباط الحزبي، رغم تصريحاته السابقة في أعقاب المؤتمر الذي حمل العثماني إلى الأمانة العامة، بأنه ينصاع للخيار الديمقراطي داخل الحزب ويسعى إلى أن يحافظ هذا الأخير على وحدته التنظيمية. وقد كشفت تلك التصريحات ازدواجية بن كيران الذي يعيش بشخصيتين بداخله. شخصية الرجل الذي يريد أن يختار الحزب طريقه بناء على الاتجاه الغالب فيه، وشخصية الرجل الذي يخفي في داخله رغبة في الانتقام من الدولة بطريقة مكشوفة، من خلال قلب الموازين داخل حزبه ونشر نوع من التمرد ضد أمينه العام، لأنه لا يستوعب أن يظل خارج الأدوار أو أن يحجبه ظل شخص آخر. هذا التوجه عبر عنه بن كيران بوضوح كبير خلال كلمته المشار إليها، عندما ذكر المبادرة الملكية بفتح المجال لأول مرة أمام النساء لكي يصبحن مأذونات شرعيات (عدولا)، في إطار خطة وطنية شاملة لإصلاح النظام القضائي بالمغرب، كان وزير العدل السابق مصطفى الرميد، من حزب العدالة والتنمية، قد باشرها بتعليمات من الملك محمد السادس. فرغم أن المجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه الملك بوصفه أميرا للمؤمنين، ويعتبر الجهة الشرعية الوحيدة في المملكة في ما يتعلق بالبت في الأمور الدينية، هو من أعطى فتوى يجيز فيها تولية النساء مأذونات، إلا أن بن كيران في معرض حديثه عن المبادرة الملكية استشهد بما سماه “فتوى” لأحمد الريسوني الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح- الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية- وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ذي التوجه الإخواني الذي يرأسه يوسف القرضاوي، حيث قال بن كيران إن فتح مجال العدول أمام النساء لا إشكال فيه لأن الريسوني أفتى بجواز ذلك. والحال أن الريسوني لم يقدم أي فتوى، كل ما في الأمر أنه أعطى تصريحا لإحدى الصحف الأسبوعية المغربية في الأسبوع الماضي يعلن فيه اتفاقه مع فتوى المجلس العلمي الأعلى في الموضوع. ويعد هذا انزلاقا خطيرا يطلقه عبدالإله بن كيران أمام المئات من أنصار حزبه، وهي إشارة لن تُفهم من جانب هؤلاء سوى على أنها عدم اعتراف بالمؤسسات الرسمية في البلاد، وبالأخص تلك التي يقف على رأسها الملك شخصيا. فطوال خمس سنوات هي عمر بن كيران على رأس الحكومة السابقة، لم يكن الرجل يكف عن الدفاع عن مؤسسات الدولة وضرورة صيانتها، ولكنه ينقلب عليها اليوم بطريقة مفاجئة تكشف المخبوء، ويعلن بأن الاتجاه الإخواني بديل عن التدين الرسمي للدولة. ومن شأن هذا الموقف غير المسبوق أن يعصف بالثقة النسبية التي حصلت بين الحزب وبين الدولة خلال السنوات القليلة الماضية، ولكنه فوق ذلك سيعزز من الأطروحة القائلة إن بن كيران رجل غير متوازن ولا يمكن الثقة فيه، وأنه قد يقضي على المستقبل السياسي للحزب إذا استمر في خرجاته الإعلامية غير المضبوطة. كاتب مغربيإدريس الكنبوري
مشاركة :