حدث عصام الكعبي فقال "لن أمنح صوتي لأي قائمة كلها سواسية، يطلعون علينا كل انتخابات وبمجرد انتزاع أصواتنا يختفون ولا نراهم إلا عبر شاشات التلفزيونات" فردّت عليه صديقته ريم الساحلي بكل جرأة "أنا سأنتخب الجبهة ولن أترك لهم فرصة ثانية". والكعبي (26 عاما) الذي كان يجلس في مقهى مواز بمدينة العوينة شمال العاصمة يعد واحدا من بين 30 بالمئة من الذين لم يسجلوا أسماءهم في لوائح الاستحقاق البلدي المزمع إجراؤه في 6 مايو/ايار رغم جهود الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. أما صديقته ريم خواجة (23 عاما) فهي التي تجاهر باعتزامها منح صوتها لقائمات الجبهة الشعبية تعد واحدة من بين 48 بالمئة من النساء اللواتي سجلن أسماءهن باللوائح الانتخابية وهي تشير بعبارتها "لن أترك لهم فرصة ثانية" إلى كل من النداء والنهضة. وعكست لحظات الجدل بين عصام وريم مدى استماتة المرأة التونسية في ممارسة حقها في المواطنة وانتصارها لليسار رمز الحداثة رغم كل المؤاخذات ولكنها عكست في الآن ذاته عزوف 30 بالمئة من الناخبين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع. وقالت ريم "سأمنح صوتي لقائمة الجبهة الشعبية ولن أمنحه لا للنداء ولا للنهضة شماتة على هيمنتهما على الحكومة وعلى الشأن العام"، مضيفة "أكثرية صديقاتي يشاطرنني الرأي، نساء تونس يتوقون إلى المزيد من الحرية ولا يثقون في اليمين". ولئن كانت ظاهرة العزوف عن الانتخاب ليست بالجديدة باعتبارها مرتبطة شديد الارتباط بالعزوف عن النشاط الحزبي بصفة خاصة وبالنشاط السياسي بصفة عامة إلا أنها تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في مايو/ايار. وتجاهر الأحزاب السياسية بأن "أكبر تحد يواجه قائماتها لا يكمن في مدى استعدادها لأول استحقاق سيركز مؤسسات حكم محلي وإنما يكمن في العزوف عن الانتخاب". وخلال السنوات الثلاث الماضية أخذ عزوف الشباب عن النشاط السياسي نسقا تصاعديا مؤرقا حتى أن نسبة النشاط في صفوف الأحزاب باتت لا تتجاوز5 بالمئة. وفي مسعى جدي لإنجاح الاستحقاق الأول من نوعه ما انفكت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تقود جهودا عبر مختلف وسائل الاتصال الحديثة لتوعية التونسيين بأهمية الانتخابات وحثهم على المساهمة في تعزيز المسار الانتقالي الديمقراطي بالبلاد. وقال عادل البرينصي نائب رئيس الهيئة إن "عدد المسجلين في اللوائح بكامل تراب البلاد يمثل 60 بالمئة من الجسم الانتخابي"، ملاحظا أن ذلك "يعتبر مؤشرا مقبولا". وأضاف البرينصي الجمعة وهو يتحدث لمراسل ميدل ايست أونلاين "الانتخابات البلدية لها خصوصيتها ولا يجب التعامل معها كما لو أنها انتخابات برلمانية لأن دوافع الانتخاب هي دوافع محلية تتداخل فيها عدة عوامل محلية". وتولت الهيئة التمديد في آجال التسجيل في اللوائح الانتخابية بـ52 يوما في مرحلة أولى وبشهر في مرحلة ثانية ثم فتحت الآجال إلى ما قبل الانتخابات بـ4 أشهر وهو نهاية أجال التسجيل وفق ما تنص عليه القوانين الانتخابية بتونس. ووفق البرينصي تستعد الهيئة للقيام بحملات توعوية واتصالية في كامل أنحاء البلاد عبر مختلف وسائل الاتصال الحديثة والتنقل لحث الناخبين على التصويت. وشدد نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على أن "الجهود الاتصالية ليست من مشمولات الهيئة وحدها وإنما هي أساسا من مشمولات الأحزاب السياسية والقوى المدنية وأيضا من مشمولات المواطنين لأن الاستحقاق هو استحقاق وطني بامتياز". ويبدو كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، أن الأزمة الهيكلية ألقت بتداعياتها السلبية على نوايا تصويت الناخبين في ظل تدني الثقة في أداء الأحزاب السياسية. ويقول حمادي بن الردادي المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية "إن التسجيل في اللوائح لا يعني آليا أن كل من سجل سيدلي بصوته بل أبعد من ذلك قد يتوجه الناخب إلى صناديق الاقتراع ليدلي بورقة بيضاء احتجاجا على السياسيين". ويرى الردادي وهو يتحدث لمراسل ميدل ايست أونلاين أن "الناخب التونسي ناخب شرس وواع سياسيا لا يمنح صوته إلا للقائمات التي تتوصل إلى إقناعه بأنها الأكثر قدرة على توفير الحلول لمشاكله التنموية في جهته المحرومة". ويخشى كل من نداء تونس وحركة النهضة أن تتعرض قائماتهما الانتخابية التي غطت كل الدوائر للتصويت الاحتجاجي والعقابي من قبل الناخبات والناخبين على خلفية تدني أداء الحكومة التي يهيمنان عليها واستضعافهما للأحزاب الصغرى الديمقراطية. وتجاهر قيادات من الحزبين المتحالفين في الحكومة والمتنافسين في الاستحقاق البلدي بأن "أكبر تحد بالنسبة إلى قائماتهم يتمثل في عزوف الناخب أو التصويت العقابي". ويرى مراقبون أن عزوف نحو 30 بالمئة عن التسجيل في اللوائح رغم المهل المتكررة والفرص التي أتاحتها الهيئة يمكن تفسيره بأنه شكلا من أشكال الاحتجاج لا يقل أهمية عن موجة الاحتجاجات التي شهدتها تونس على خلفية الترفيع في الأسعار. وتقول فاتن معتوق أستاذة علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية "إن أقسى أنواع الاحتجاج السياسي سواء ضد الحكومة أو ضد الأحزاب هو التصويت العقابي". وأضافت وهي تتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين "صحيح أن 60 بالمئة من الجسم الانتخابي الذين سجلوا أسماءهم باللوائح تعتبر نسبة معقولة، لكن الصحيح أيضا أن عزوف 30 بالمئة عن التسجيل نسبة هامة تستبطن شكلا من أشكال الاحتجاج". وتعكس نسبة الـ30 بالمئة منحى خطيرا بالنسبة لاستحقاق يتيح لأول مرة لأهالي الجهات فرصة انتخاب مجالس بلدية ممثلة لهم لكونها نسبة لا تمثل قواعد انتخابية للأحزاب وهو ما يعني أن العزوف هو الآخر شكلا من أشكال الاحتجاج السياسي. ووفق عادل البرينصي استأثرت المرأة التونسية بنسبة 48 بالمئة من عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية ما بدا مؤشرا على أن المرأة التونسية باتت تعد عاملا حاسما في نتائج الانتخابات باعتبارها عنوان الحرية والتحديث الاجتماعي والسياسي. ويبدو أن الأوضاع المتردية وما يرافقها من بطالة تصل في بعض الأرياف إلى نحو 60 بالمئة تقف وراء تسجيل 36 بالمئة من الشباب فقط أسماءهم باللوائح في مسعى إلى استثمار كفاءاتهم ومهاراتهم في إدارة شؤونهم التنموية المحلية بأنفسهم. ولئن رأى البرينصي أنه "من السابق لأوانه الحديث عن العزوف الانتخابي وإنما يمكن الحديث عن نوايا التصويت" فإن مراقبين يقولون إن "العزوف هو نتيجة آلية للنوايا". ويشدد حمادي الردادي على أن نوايا عدم التصويت التي تبلغ 30 بالمئة وهي ظاهرة تسبق عملية الاقتراع تترجم بعد عملية الاقتراع بالعزوف الذي قد يفوق هذه النسبة". ويلفت الردادي إلى أنه ليس كل من سجل اسمه على اللوائح سيدلي بالضرورة بصوته وبالمقابل فإن كل من لم يسجل لن يسمح له القانون بالانتخاب وهو ما يعني عمليا أن نسبة العزوف مرشحة إلى أن تتجاوز 30 بالمئة من الجسم الانتخابي. وفي ظل تحولات المشهد السياسي وما يرافقها من أزمة يرى مراقبون أن الاستحقاق البلدي ستدور رحى منافسته الشديدة بين قائمات القوى العلمانية الديمقراطية من جهة وبين قائمات الإسلاميين من جهة أخرى خاصة في الجهات الداخلية المحرومة. وترى فاتن معتوق أستاذة علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية أن "نتائج الانتخابات البلدية لن تعكس فقط مدى أوزان الأحزاب وإنما ستمهد لخارطة جيوسياسية جديدة في تونس تمهد بدورها للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة". وتوقعت معتوق أن "نتائج الاستحقاق ستحسمها المرأة التونسية مستحضرة هنا تصويت نحو مليون امرأة في الانتخابات الرئاسية الماضية لصالح الباجي قائد السبسي عنوان المشروع الوطني الحداثي على حساب الرئيس السابق منصف المرزوقي مرشح الإسلاميين آنذاك".
مشاركة :