العواصف الثلجية سببٌ آخر لوفاة النازحين السوريين في لبنان

  • 2/10/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مخيمات النزوح في البقاع بيروت: فايزة دياب* تفاهم بين النظام السوري و«حزب الله» من جهة والمهربين من جهة أخرى على تسليم المعارضين السوريين إلى «حزب الله». * الأخطر من «نقمة» الطبيعة، «تجارة تهريب البشر» المستمرة منذ عقود والتي راح ضحيتها آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة. مع اقتراب الذكرى السابعة لانطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية، تستمر معاناة الشعب السوري الذي يحاول جاهدا التعلّق بحبال الخلاص علّها تحمله إلى بر الأمان، إلا أنّ الهروب من ويلات الحرب والموت تلاحقهم إلى ما بعد الحدود المضرّجة برائحة الموت. هي رائحة دخان أسود عبقت في شوارع سوريا وسمائها، ورافقت أبناء هذا البلد إلى لحظة «نجاة» أعتقدوا أنّهم فازوا بها في البرّ والبحر ومخيمات النزوح وحدود القارة العجوز، كثيرون استسلموا لنيران الحرب والبراميل المتفجرة وكيماوي النظام السوري، وإرهاب من ادعوا الإسلام، وصواريخ روسيا، ومجازر إيران وميليشياتها، وآخرون حاولوا البحث عن برّ أمان وأمل بيوم خال من صوت الحرب إلا أنّ الموت المحتم كان أقوى من وهم حياة أفضل. ففي لبنان حيث يعاني النازحون السوريون في مخيمات النزوح التي تنتشر خصوصًا في البقاع الأقرب للحدود السورية – شرقي لبنان – من الفقر الشديد والبرد القارس والعواصف الثلجية، ويفتقدون أدنى مقومات الحياة اللائقة، ما زال الكثير من السوريين ينزحون من الداخل السوري إلى لبنان عبر معابر طبيعية غير شرعية، إلا أنّ «شرّ» الطبيعة خذل بعضهم وأرداهم جثثًا هامدة فوق الزائر الأبيض الذي يصلي اللبنانيون لوصوله في كلّ عام! أكثر من 16 جثة لطفل وامرأة ورجل سوري عثر عليها على طريق بلدة الصويري – البقاعية، وهي آخر نقطة حدودية بين سوريا ولبنان في محلة المصنع، انتشلت جثثهم فرق الدفاع المدني والجيش اللبناني على دفعات ابتداءً من ليل الجمعة 19 يناير (كانون الثاني) الحالي بعد العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان، فيما لا يزال مصير أكثر من 10 نازحين غير معروف بعد فقدان أثرهم، وإنقاذ شخصين آخرين. هي صور وثقّت فصلاً جديدًا من معاناة الشعب السوري انتشرت بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي وأعادت بالذاكرة صور نازحين قضوا أثناء عبورهم البحر المتوسط في قوارب مهربين أوهموهم بالأمن والأمان. وعلى خطوط المعابر غير الشرعية بين الحدود السورية – اللبنانية مهربون أيضًا استغلوا نفاد قدرة السوريين على تحمل ظروف الحرب والفقر وأوهموهم بأنّ الطريق الجبلية معبّدة بالخلاص. ولكن لماذا يضطر بعض السوريين إلى عبور المسالك غير الشرعية في ظل وجود معبر شرعي؟ الناشط والصحافي السوري أحمد القصير يشرح لـ«المجلة» الأسباب التي تدفع بعض النازحين إلى اجتياز هذه المعابر، وبحسب القصير فإنّ هناك عدّة أسباب أبرزها «هناك عدد من المعارضين المطلوبين للنظام السوري لا يستطيعون العبور من المعبر الشرعي عند نقطة المصنع، بسبب تمركز نقاط للجيش السوري النظامي عند الحدود السورية – اللبنانية، وأيضا هناك بعض السوريين الذين منعوا من الدخول إلى الأراضي اللبنانية بسبب دخولهم إلى لبنان بداية كلاجئين ومن ثمّ دخولهم وخروجهم من سوريا بشكل طبيعي، وبالتالي ينتفي سبب نزوحهم إلى لبنان كلاجئين، وهؤلاء الأشخاص وضعت الدولة اللبنانية أسماءهم عند نقطة الأمن العام اللبناني ومنعوا من الدخول إلى لبنان فيضطرون إلى الدخول من الطرق غير الشرعية.صور لهاربين ماتوا أثناء العاصفة وأيضا السبب الآخر هو فرض الحكومة اللبنانية شروطا صعبة لدخول النازحين السوريين؛ كأوراق الدخول التي لا يستطيع بعضهم إكمالها أو المبلغ المالي المفروض عليهم كرسوم دخول أو الحجوزات الفندقية بالإضافة لبعض التصرفات الكيفية والفردية لبعض عناصر حرس الحدود». وعن استمرار تدفق النازحين السوريين إلى لبنان ولو بوتيرة أقل يقول القصير: «يرجع السبب إلى التضييق الذي يمارسه النظام السوري على المعارضين خصوصًا فيضطرون إلى الهروب، إضافة إلى القصف والاعتقالات المستمرة خصوصًا من المناطق المنتشرة على كامل الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا، من بلدة تلكلخ شمالا إلى رأشيا جنوبا وهي مناطق يسيطر عليها (حزب الله) اللبناني إضافة إلى النظام السوري، فالنظام السوري و(حزب الله) مستمران في عملية التهجير التي انتهجاها مع بداية الثورة السورية بحق أبناء هذه المناطق الحدودية وسكانها الأصليين». ويضيف القصير: «هذه المجموعة التي قضت بسبب العاصفة الثلجية ليست الحالة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فأسباب الوفاة كثيرة على المعابر غير الشرعية، ولا تقتصر على الموت بسبب الصقيع والبرد القارس، البرد هو أحد الأسباب، فهناك حالات وفاة سجلت بسبب وعورة الطرقات والسقوط عن الصخور، كذلك حالات ضيق تنفس بالنسبة لكبار السن، وقد سجلّت أيضا بعض حالات الوفاة بسبب قتلهم من قبل المهربين أثناء نشلهم ومحاولات سرقة الأموال التي يحملونها بقوّة السلاح، وكثير من الأحيان تنتهي حالة السرقة بقتل المهرب للهارب، كذلك سجّلت الكثير من حالات الاغتصاب التي ارتكبها المهربون بحق النازحات وهناك دعوى قائمة أمام القضاء اللبناني بهذا الخصوص، ودائمًا ترتكب هذه الجرائم بحق النازحين إمّا تحت وطأة السلاح، أو عبر تهديدهم بتسليمهم إلى (حزب الله)». ويكشف القصير أنّ «هناك ملاحقات من قبل الجيش اللبناني للمهربين والهاربين معا عبر تحضير كمائن لهم فور وصولهم إلى الأراضي اللبنانية، وفور إلقاء القبض عليهم تتم إعادتهم إلى سوريا، فهناك نحو 300 إلى 400 مهرب يعملون على تهريب السلع والبشر عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا منهم سوريون ولبنانيون، وهناك معلومات أنّ الدولة اللبنانية باشرت بالتحقيق لملاحقتهم، عبر التحقيق مع من دخلوا عبرهم إلى الأراضي اللبنانية ومحاولة الحصول على معلومات منهم». بدوره يشرح مدير مؤسسة لايف الحقوقية المحامي نبيل الحلبي لـ«المجلة» أنّ «هناك طريقين للتهريب من سوريا إلى لبنان الأول جنوبا عبر قرية الصويري التي وجدت الجثث اليوم فيه ويبلغ طوله ثلاثة كيلومترات والطريق الآخر شمالا عبر قرية مجدل عنجر ويبلغ طوله كيلومترين»، ولفت إلى أنّ «عصابات التهريب هم أنفسهم من كانوا يعملون قبل بداية الثورة السورية في تهريب السلع عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، ولكن بعد بداية الثورة السورية جرى تفاهم بين النظام السوري و(حزب الله) من جهة والمهربين من جهة أخرى على استمرار عملهم بتهريب السلع والبشر بمقابل مادي يدفعونه إلى حواجز الجيش السوري و(حزب الله)، ومقابل تسليم المعارضين السوريين إلى (حزب الله) وقد سجلّت أكثر من حالة شكاوى للأهالي الذين كانوا ينتظرون أبناءهم الآتين من سوريا عبر هذه المعابر، ليتبين لاحقا أنّه تمّ تسليمهم لـ(حزب الله) من قبل المهربين كرهائن مثلا ليتم تبادلهم لاحقا مع معتقلين تابعين لـ(حزب الله)، أو يتم ترحيلهم إلى سجون تابعة للنظام السوري». وختم الحلبي: «يبدو أن اختيار السوريين لهذا المعبر هو بسبب المعارك الدائرة في بيت جن في غوطة دمشق الغربية والتي استولى عليها (حزب الله) مؤخرا مما دفع المدنيين للهروب عبر هذا المعبر، كذلك يلجأ بعض السوريين إلى الهرب من منطقة الغوطة المحاصرة عبر دفع الأموال للحواجز التابعة للجيش النظامي للهروب من الحصار، خصوصا أنهم لا يستطيعون الدخول إلى لبنان عبر المعابر الشرعية بسبب نظام الكفالة، واشتراط احتجازهم لفنادق وأوراق الإقامة». وفي هذا الصدد أصدر وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي بيانا أعرب فيه عن حزنه العميق لـ«مقتل الإخوة النازحين السوريين في الصويري أثناء محاولتهم الدخول إلى لبنان هربا من القتل»، مقدما التعازي لعائلاتهم، مذكرًا أن «58 في المائة من الأسر النازحة الموجودة في لبنان تعيش في فقر مدقع، وبالتالي هي غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية للصمود، إذ يعيشون تحت سقف 2.5 دولار أميركي في اليوم للشخص الواحد، فضلا عن ارتفاع نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر (أي بأقل من 3.84 دولار أميركي للشخص الواحد في اليوم) إلى 76 في المائة من أسر النازحين، ما يعني أن استقبال أعداد إضافية من الإخوة النازحين سيزيد من افقار النازحين الموجودين أصلا»، لافتًا إلى أن «40 في المائة من اللبنانيين في المناطق النائية، يعيشون تحت خط الفقر، وهم يستضيفون الغالبية الساحقة من النازحين السوريين، حيث تنعدم البنى التحتية، ويزداد الضغط على الخدمات العامة في حال توفرها، وتنعدم فرص العمل للمجتمعين النازح والمضيف». ولفت المرعبي إلى أن «الحالات الإنسانية الاستثنائية التي تسمح بدخول النازح السوري في الوقت الراهن تشمل: الأطفال غير المصحوبين بذويهم والمنفصلين عن ذويهم (الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة) والذين أكد أهاليهم أو الأوصياء القانونيون أنهم نزحوا إلى لبنان، الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعتمدون على أسرهم وأقاربهم النازحين إلى لبنان، الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج غير متوفر في سوريا، والأفراد الذين يسعون إلى إعادة التوطين أو الانتقال عبر لبنان إلى بلد ثالث مع إثبات السفر إلى خارج لبنان».صور لنازحين ماتوا بسبب الثلج ومن المعابر الحدودية إلى الداخل اللبناني حيث تنتشر القصص المأساوية للنازحين السوريين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مرورا بالبقاع وبيروت، ومن بين هذه القصص الموت بسبب العواصف الثلجية. فلم يعد يمرّ فصل شتاء على لبنان منذ دخول النازحين السوريين إلا وتسجل فيه حالات وفيات لرضّع ونازحين سوريين يموتون من البرد والصقيع خصوصًا في المناطق البقاعية، فباتت كلّ عاصفة ثلجية تحطّ رحالها على لبنان تحمل معها آلامًا وماسي لنازحين لا يملكون سوى خيمة بلاستيكية تعجز عن حمايتهم من ثلج يناير. الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين نوال مدللي أكّدت أنّ «أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وفاة أطفال سوريين بسبب العواصف الثلجية في مخيمات النزوح، هي قلّة المساعدات وعدم قدرة النازحين على تأمين تدفئة تحميهم من شدّة العواصف، فهناك الكثير من النازحين يعيشون في المخيمات ولكنهم غير مسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان التي عمدت في الآونة الأخيرة على شطب أسماء كثيرة لنازحين يعملون في لبنان، على الرغم من أنّ الكثير منهم يعملون مقابل أموال زهيدة فلا يستطيعون تأمين كافة مستلزماتهم وخصوصًا مادة المازوت للتدفئة في الشتاء. أمّا النازحون الذين لا يزالون مسجلين في المفوضية فهم يحصلون فقط على 26 دولارا كمساعدة للفرد الواحد شهريا، كذلك يتم منعهم من مزاولة أي عمل، وبهذا المبلغ الزهيد هم لا يستطيعون تأمين ما يكفيهم من الحاجات الأساسية». ولفتت مدللي إلى أنّ «الاندفاع للتضامن ومساعدة اللاجئين السوريين خفتت كثيرا في لبنان بين بداية النزوح السوري والوضع الراهن، فهناك توافق بين اللبنانيين على عودة النازحين إلى مناطق آمنة في سوريا، كذلك يؤكّد دائما وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أنّ الأموال التي تصل إلى لبنان من المنظمات الدولية والدول الداعمة لمساعدة النازحين في لبنان غير كافية لتأمين مستلزماتهم وتغطية كافة النازحين. إضافة إلى أن عدم التنظيم منذ بداية تدفق النازحين إلى لبنان، أدّى إلى وجود خلل في عدالة توزيع المساعدات على النازحين. هذه الأسباب وغيرها إضافة إلى إهمال بعض الأهالي بصحة الرضّع والأطفال أدّت إلى تكرار حادثة وفيات النازحين خصوصا الأطفال عند كلّ فصل شتاء». هي مآسٍ من نوع آخر حلّت على نازحين قرروا الهروب من جحيم الحرب وويلاتها، في لبنان هي العواصف الثلجية التي تحلّ سنويًا بنعمها على اللبنانيين ونقمتها على النازحين، أمّا الأخطر من «نقمة» الطبيعة فهي «تجارة تهريب البشر» المستمرة منذ عقود والتي راح ضحيتها آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة، ها هي تلعب بمصير مئات السوريين الذين يحاولون رمي ويلات الحرب خلفهم، إلا أنّ الموت يأبى أن يتركهم، فيلاحقهم إلى أبعد الحدود. هي قصة حرب يبدو أنّ من أشعلها يصرّ على رفض كتابة نهاية فصولها قبل قتل الأمل عند شعب الثورة العنيد.

مشاركة :