أثار قيام الحزب القومي المتطرف في ألمانيا بنشر خريطة إلكترونية عن أماكن وجود مراكز إيواء اللاجئين في العاصمة برلين، استياء الأوساط المدافعة عن اللاجئين، ما دفع غوغل إلى إلغاء تلك الخريطة. فما هي قصتها؟ عندما سمعت هيام البحري عن الخريطة التي نشرها الحزب القومي اليميني المتطرف في ألمانيا عن أماكن مراكز إيواء اللاجئين في العاصمة الألمانية، خافت كثيراً، كما تقول، خصوصاً وأنها ليست فقط عاملة في مجال مساعدة اللاجئين في برلين، بل لأنها نفسها لاجئة قدمت قبل عدة سنوات إلى ألمانيا. تقول البحري لمهاجر نيوز: "أنا كلاجئة وعاملة في هذا المجال خائفة من هذا الموضوع، لأنه دليل آخر على أن كراهية اللاجئين تزداد لدى البعض". فقد قام الحزب القومي الألماني المتطرف بنشر خريطة لمراكز إيواء اللاجئين في برلين، على موقعه الإلكتروني وكتب تحته بأسلوب ساخر: "من خلال هذه الخريطة (...) يمكنك الاستعلام عن الضيوف غير المرحب بهم والذين يمرحون في الجوار، وعمن هو المسؤول عن تسلل الأجانب إلى موطننا (...) وعن كيفية تقديم شكوى محلية". "خلق جو من الخوف" والخريطة التي نشرها الحزب القومي الذي يعرف باسم النازيين الجدد تتضمن بالإضافة إلى مواقع مراكز الإيواء، أعداد المقيمين في مراكز الإيواء تلك، بالإضافة إلى أرقام هواتف العاملين في مجال مساعدة اللاجئين فيها، وعناوين البريد الإلكتروني للمسؤولين. كما توجد على الخريطة الأماكن التي يجتمع فيها المتطوعون الألمان مع اللاجئين لمساعدتهم في الاندماج وأوقات تلك المبادرات. وبالرغم من أن الحزب القومي المتطرف NPD أكد بأن غايته ليست سوى توفير المعلومات للناس، إلا أن هيام البحري تعتقد أن للحزب أهدافاً أخرى، وتقول: "ليست مهمتهم أن يخبروا الناس عن أماكن وجود مراكز الإيواء، فيمكن للباحث على الانترنت أن يجد المعلومات المتوفرة حول ذلك"، وتتابع: "سمعنا عشرات المرات عن هجمات على مراكز إيواء اللاجئين، أو حرقها، ولهذا أخاف لأنني لا أعرف ما الذي يخططون له". أحد مراكز الإيواء، أرشيف وقد شهد العام 2017 ارتكاب 1713 جريمة ضد اللاجئين، منها 264 هجوماً على مراكز الإيواء، 52 منها في برلين، حسبما كشفت المنظمتان الألمانيتان أماديو أنطونيو ومنظمة "برو أزول" "تحريض مستهدِف" وبالرغم من انخفاض أعداد الهجمات ضد اللاجئين في ألمانيا في العام الماضي مقارنه بالعامين الذين سبقاه، حسبما كشفت مؤسسة أماديو أنطونيو ومنظمة "برو أزول"، إلا أن المنظمتان الألمانيان طالبتا السلطات بمزيد من الشفافية وباتخاذ إجراءات صارمة ضد الجناة. وحذرت منظمة بروأزول، المدافعة عن حقوق اللاجئين، من أن قيام الحزب اليميني المتطرف بنشر خريطة عن أماكن مراكز الإيواء يشير إلى وجود استراتيجية أبعد منها، حيث قال مدير الشؤون القانونية في بروأزول بيرند ميزوفيتش إن الأمر لا يتعلق بالإعلام، بل بخلق جو من الخوف، وأضاف: "هذه الخريطة تزيد من خطر الهجوم على مراكز إيواء اللاجئين وعلى الناس"، حسبما أفاد موقع دي فيلت. وقد أثارت مسألة نشر هذه الخريطة الاستياء في الوسط السياسي أيضاً، حيث اعتبرها مفوض شؤون الاندماج في برلين أندرياس غيرميرزهاوزن تحريضاً مستهدِفاً، وقال لموقع دي فيلت إنه سمع عن الخريطة في أواخر كانون الثاني/يناير، وأضاف: "بعد معرفة ما تتضمنه الخريطة، قمت مباشرة -كمفوض للاندماج في برلين- بمطالبة الجهات الأمنية بتولي الموضوع"، مؤكداً أنهم أبلغوا شركة غوغل عن الخريطة. وقد كان الحزب قد استعان ببرنامج الخرائط على غوغل لرسم الخريطة. غوغل تلغي الخريطة وقد قامت غوغل بإلغاء الخريطة بعد ذلك، وقالت الشركة في جواب على سؤال وجهه له موقع دي فيلت إن "إقفال الخريطة جاء بسبب انتهاكها السياسة الخاصة بنا". وتعتقد هيام البحري، العاملة في مجال مساعدة اللاجئين، أن أفضل طريقة لحماية العاملين في مجال الإغاثة من محاولات الهجوم هذه هي عدم نشر معلوماتهم التفصيلية على مواقع الشركات التي يعملون فيها، وتوضح: "بعض الشركات المسؤولة عن مراكز إيواء اللاجئين تنشر معلومات تفصيلية عن المسؤولين والعاملين فيها، وبذلك تعرضهم للخطر ولو بشكل غير مباشر"، وتتابع: "الشيء الذي يخفف من مخاوفي المباشرة فيما يتعلق بموضوع الخريطة، هي أن شركتنا المشرفة على 3 مراكز لإيواء اللاجئين لا تنشر تفاصيل العاملين فيها على الانترنت وتحافظ على خصوصيتهم". لكن هيام تبدي قلقها في الوقت نفسه من إمكانية تعرض أنصار الحزب القومي المتطرف للاجئين في مراكز إيوائهم، وتضيف: "الآن وأنا أتحدث معك، أخاف أن يتعرض الأطفال الذين يلعبون في مركز الإيواء هنا لأي مكروه". حجب التمويل الحكومي للحزب ويأتي نشر الحزب القومي لهذه الخريطة في وقت تسعى فيه الولايات الألمانية لحجب التمويل الحكومي عنه، ووافق مجلس الولايات (بوندسرات) في برلين يوم الجمعة (الثاني من شباط/فبراير 2018) على تقديم طلب بهذا الخصوص للمحكمة الدستورية العليا في ألمانيا. وقد كانت المحكمة الدستورية العليا قد رفضت طلب حظر الحزب الذي تقدم به مجلس الولايات وقتها قبل عام، إلا أنها صنفت الحزب في الوقت ذاته بأنه معاد للدستور الألماني. وكان سبب رفض حظر الحزب هو اعتبار المحكمة الدستورية أنه حزب يبدو بلا أهمية، إلا أن قضاة المحكمة أشاروا إلى إمكانية تعديل آلية تمويل الأحزاب الألمانية، وبناء على ذلك صدر في 2017 تعديل متعلق بهذا الأمر في الدستور الألماني، وهو ما سيتم الآن إعادة صياغته وتبريره من جانب المحكمة الدستورية الألمانية، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. تؤكد هيام البحري على أن المزاج العام من اللاجئين في ألمانيا كان أفضل من الآن عندما وصلت لاجئة قبل خمس سنوات، وتتابع: "كان هناك استغراب ولكن لم تكن هناك كراهية كتلك الموجودة حالياً"، وتضيف: "آمل أن تتحسن الأوضاع ويعيش الجميع بسلام". محي الدين حسين- مهاجر نيوز
مشاركة :