ألمانيا المسالمة تسبح عكس التيار القومي في أوروبا

  • 2/10/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كان هناك وقت اعتقدت فيه أوروبا أنها قد تصالحت مع التاريخ. دول شرقي آسيا - اليابان، والصين، وكوريا - قد تُغذي جذور الصراعات الماضية، لكن أوروبا حررت نفسها من ذلك الإرث، مع إنشاء الاتحاد الأوروبي. لا يجب أن تكون معجبا متحمسا لأوروبا لترى أن التكامل الاقتصادي كان بمثابة عامل مُساعد للمصالحة ما بعد الحرب. كل هذا كان قبل قيام حكومة بولندا الاستبدادية بإعادة فتح ملف مطالب بدفع تعويضات الحرب من جارتها ألمانيا، وسعي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى إصلاح سمعة زعيم فترة الحرب الفاشي في بلاده ميكلوس هورثي. حزب القانون والعدالة الحاكم في وارسو يُريد الآن تجريم أي مقترح من أن أي من البولنديين، كان متواطئاً في تشغيل معسكرات الاعتقال النازية. تحتفل الأمم في الغالب بالتاريخ من خلال تمييز الانتصارات على الصعوبات، أو في بعض الأحيان، الاستحمام في حنين أمجاد الماضي "نوستالجيا". في لحظة إنكارها، فإن بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا يُمكن أن تحصل على ما يكفي من ذكريات تشرشل بشأن البقاء وحدها. القومية الجديدة باتت متجذرة في معظم المظالم المتصورة. أوربان لم يتصالح تماماً مع فقدان الأراضي المجرية بموجب معاهدة تريانون في عام 1920. ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم حزب القانون والعدالة، يرى أن هناك مؤامرة ألمانية أو روسية أو من البلدين، في كل زاوية، مجتراً بكثافة التاريخ. اليمين القومي يُراقب الأعداء بحرص. الآن يضمون إلى الخصوم القدامى من اللاجئين المسلمين من الشرق الأوسط، إلى الخصوم المباشرين من اليهود. أوربان ليس وحده في مأخذه التحريفي عن الديكتاتوريين في الثلاثينيات. في الدوائر الإيطالية اليمينية المتشددة غالباً ما نسمع أن التاريخ "أساء فهم" الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني. الأصعب فهمه كان المظاهرات الغاضبة في أثينا ضد حق مقدونيا، الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، في أن تحمل ببساطة اسم مقدونيا، المرتبطة بمجد الإسكندر الأكبر. دولة البلقان الصغيرة مُتهمة بالسعي للاستيلاء على الإرث اليوناني. على أن السؤال هو: هل هوية اليونان فعلاً هشة إلى هذه الدرجة؟ بالتأكيد بعد صعوبات الأعوام السابقة يُمكن أن يجد القوميون حقدا أكثر حداثة من الحجة عن نسل فيليب المقدوني والد الإسكندر المقدوني. هناك دولة أوروبية واحدة لم تسع قط إلى نسيان تاريخ القارة خلال النصف الأول من القرن العشرين. يبقى الألمان تماماً غير مرتاحين إلى الحديث عن الماضي، لكنهم مصممون على مواجهته. بهذه الطريقة بإمكانهم إضفاء الشرعية على الحاضر. عند المشي في شوارع برلين لن تجد مهرباً من تشويه سمعة هتلر - من اللوحات التذكارية الصغيرة والذهبية المرصعة في الأرصفة لتمييز أماكن تم قبض اليهود الأفراد فيها، إلى النصب التذكاري المُحبط والمُلهم بجانب بوابة براندنبورج، والرواية الكئيبة لصعود النازية في متحف التاريخ الألماني. في الأسبوع المقبل، سوف يجتمع قادة سياسة الخارجية والدفاع من كافة أنحاء الديمقراطيات الغربية المتقدمة من أجل مؤتمر الأمن السنوي في ميونيخ. اثنان من استنتاجات مداولاتهم يُمكن كتابتها مسبقاً. تنصّل دونالد ترمب من القيادة العالمية لصالح قومية "أمريكا أولاً"، يترك أوروبا لتبذل المزيد من الجهد لحماية أمنها. لا مراء في أن الدولة الأكثر قدرة على تحمّل المزيد من عبء الدفاع الأوروبي، هي ألمانيا. لا يمكن للمضيفين الشكوى. لقد كان في ميونيخ يوم أن قدّمت أنجيلا ميركل الصيف الماضي تقييماً لاذعاً لترمب باعتباره شريكاً غير موثوق به. الشهر الماضي في دافوس، دعت أوروبا إلى "وضع مصيرها بين يديها". عند التحدث مع صناع السياسة في برلين ستحصل على نفس الرسالة: ألمانيا ستلعب دورها، باعتبارها أقوى دولة في أوروبا. أنا أتساءل. قد تُخبر ميركل الجماهير الدولية بأن ألمانيا ستدفع ثمن الدفاع والأمن، إلا أن مسودة اتفاق الائتلاف التي ناقشها حزبها الحزب الديمقراطي المسيحي مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي تقول قصة مختلفة نوعاً ما. باستثناء بعض الملاحظات المبتذلة فإن "السياسة الخارجية الألمانية مُكرّسة للسلام" - لا تقول المسودة أي شيء عن دور ألمانيا في الحفاظ على نظام دولي مفتوح. أما بالنسبة للدفاع، حسناً، "يبقى الدفاع الفيدرالي الألماني عنصرا لا يُمكن الاستغناء عنه من سياسة الأمن الألمانية". النقاد يدعون هذا بالاستفادة المجانية. وهناك شيء من ذلك. ألمانيا مجتمع مستقر مزدهر واكتسب مواطنوها الثراء لأن الآخرين دفعوا مقابل أمن أوروبا، على أنه لا ينبغي أن يُقلل أي أحد من شأن أهمية التاريخ. بُنيت مقبرة إنفاليدين في برلين منذ أكثر من 250 عاماً بناءً على أوامر فريدريك العظيم لترسيخ ذكرى أبطال الحرب في بروسيا. ضمن القبور، هناك قبر المُحارب جيرارد فون شارنهورست، لكن لا تتوقع العظمة - فالآثار تقبع على خردة صغيرة من أرض غير مصانة، مُحاطة بكتلة سكنية وقناة خلف محطة سكك حديدية رئيسة في المدينة. شارنهورست يتشارك الأرض مع مؤلفي عملية فالكيري، المحاولة الفاشلة من قِبل الضباط العسكريين لاغتيال هتلر. في مكان ما، في قبر غير مميز، يوجد راينهارد هيدريش، ضابط من الحرب العالمية الثانية ترأس مؤتمر وانزي سيء السمعة. هذه مقبرتنا على غرار "أرلنجتون"، كما أخبرني وزير الخارجية الألماني السابق باقتضاب. إنها طريقة أخرى للتعبير عن الأمر وهي القول إن السلام العنيد في ألمانيا يجعل التاريخ مفهوماً. هذا أمر غير ملائم بالنسبة للذين يعتقدون أن أوروبا تحتاج في الواقع إلى بذل المزيد من الجهد للدفاع عن نفسها. ألمانيا على الأقل، تظل متمسكة بالروايات الحقيقية للأحداث التي يتظاهر القوميون الغاضبون، بأنهم قد نسوها.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: فيليب ستيفنز من لندنpublication date: السبت, فبراير 10, 2018 - 20:30

مشاركة :