بسبب الصداقة التي تجمعني مع رجا الصيداوي منذ 51 عاما، التقيت في منزله ذوي أسماء عالمية كثيرين على مرّ السنين: مرشحون للرئاسة الأميركية مثل السيناتور جورج ماكغفرن وسواه، ونجوم مثل روجر مور (والد زوج ابنته)، وشون كونري، وغريغوري بك، وصحافيون مثل ساي هيرش، وديفيد إغناتيوس، وأكاديميون مثل أمين مكتبة الكونغرس مدى الحياة، ويليام بيلنغتون، ورجال أعمال كثيرون. كان لي لقاء سنوي - وأحيانا أكثر - مع كريستيان دو مارجري، رئيس الشركة الفرنسية العملاقة «توتال». على الرغم من هذا المنصب المالي في عالم النفط، فإن دو مارجري لم يكن بالنسبة إلي سوى رجل ضاحك له شاربان مثل نبلاء القرون الوسطى، الذين يتحدر منهم. وتقيم «شركة رجا صيداوي للإعلام النفطي» (لعلها الأكبر في العالم) مؤتمرا سنويا يكون دو مارجري أحد خطبائه. لكن حتى عندما يتحدث في قضايا تقوم عليها اقتصادات العالم، كان يحرص على أن يُضحك سامعيه الغارقين في دنيا الأرقام والنِسَب. على الرغم من منصبه وعلى الرغم من كوني صحافيا، فإنني لا أذكر أنني طرحت عليه مرة سؤالا أو سألني مرة عن أمر في العالم العربي. كان يناديني من بعيد: «يا قاتل»؛ «Assassino» بالإيطالية، وأرد عليه: «يا قاتل»، وبعد ذلك أحاديث عادية ومفاكهات صاحب الشاربين الضاحكين. عندما تسلم رئاسة «توتال» قبل نحو عقدين، قالت له زوجته إنه لم يعد يليق به أن يترك شاربين معقوفين مثل فرسان الروائي ألكسندر دوماس، فكان التنازل الوحيد أن قلَّمهما قليلا عند العقفتين. عندما سمعت أول من أمس نبأ مقتل دو مارجري بتحطم طائرته الخاصة في موسكو، رأيت كيف يمكن للدنيا أن تكون مأساوية تراجيدية حتى مع الهازئين بها وبمناصبها وإغراءاتها. في الجانب الجدّي من شخصيته، كان دو مارجري رجلا عمليا يعرف القضايا العربية معرفة واسعة ويتخذ منها مواقف عملية وإنسانية. وقد جعلت منه معرفته في شؤون النفط مرجعا للعاملين في سائر حقوله. ولا شك أنه من موقعه، كان له رأي مرجعي في مصالح فرنسا، خصوصا في العالم العربي. من المحزن أن يدرك المرء أن الضحكة الدائمة تلقى هذا الموت الحزين.
مشاركة :