الفنانة الفرنسية لوسي بيكانديت تستخدم مخيلتها ورغباتها الدفينة، لتحويل جسدها إلى موضوع فنيّ يتحرر من قيود الواقع ومن شبكة العلاقات التي تكون أناها الاجتماعيّة.العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/02/11، العدد: 10897، ص(14)]بيكانديت في رحلة الوعي داخل الجسد تستضيف صالة فالواز في باريس معرضا للفنانة الفرنسيّة لوسي بيكانديت والتي سبق للصالة أن أفردت لها معرضا فرديا عام 2016، وهذا العام تحضر مجموعة أوسع من لوحاتها ومنحوتاتها بعنوان “أنا الآن” أو “يوم لي الآن” وهو تحوير لكلمة aujourd’hui الفرنسيّة التي تعني اليوم، ويأتي هذا التحوير كجزء من مشروع فنيّ تعمل عليه بيكانديت منذ عام 2004 بعنوان “تلك التي هي أنا” بهدف اكتشاف وعيها الآن وهنا، وعلاقة هذا الوعي مع جسدها بوصفه وحدة بيولوجيّة، إلى جانب توظيف مخيلتها كوسيلة لاكتشاف هذا الجسد وتفكيكه ضمن عوالم المخيّلة التي تحول جسدها إلى كيان منفصل عن وعيها حسب تعبيرها. لكن ما الذي حدث عام 2004؟، ما حصل أنه وبينما كانت بيكانديت ذات الـ22 عاما تمشي في أحد أسواق باريس، وجدت بطاقة بريديّة تحوي صورة فوتوغرافيّة، وإثر هذا الاكتشاف قررت أن تجعل من هذا الحدث بداية لفهم علاقة وعيها بجسدها وعلاقته بالعالم من حوله، بعد ذلك قامت برحلة إلى جمهورية التشيك لتجد الحي القوطيّ الذي التقطت فيه الصورة. وأثناء عودتها إلى باريس بدأت تدون سلسلة من النصوص ترافقها مجموعة من الرسومات التي بطلتها “أنا أو D’hui” حسب تعبيرها، وفي هذه النصوص واللوحات تحاول بيكانديت، باستخدام مخيلتها ورغباتها الدفينة، تحويل جسدها إلى موضوع فنيّ يتحرر من قيود الواقع ومن شبكة العلاقات التي تكون أناها الاجتماعيّة.مشروع خيالي حول العلاقة بين الوعي والجسد والعالم في القسم الأول من المعرض نشاهد اللوحات التي تشكل سلسلة “الاكتشافات” التي تقوم بها بيكانديت عبر سلسلة من الصور التي يتداخل فيها جسد الفنانة مع أجزاء منه أو مع محيطه، كما تحضر موضوعات من العلوم الكميّة وعلوم الذرة، وكأن الفنانة تحاول أن تغوص في تكوينها الذريّ وتكتشف طبيعة الانقسامات الخلويّة التي تشكل وعيها بذاتها وبالعالم، وكأننا أمام رحلة مايكروسكوبيّة في هيولى جسدها والماكينات والعجلات التي تجعله “حيا”، إذ تعود بنا إلى عام 2004 عبر ثلاث لوحات مرتّبة زمنيا تشكّل كل منها “story-board” تحكي عبرها قصة البطاقة البريديّة التي وجدتها، وكيفية سقوطها داخل جسدها منذ تلك اللحظة، وكأن وعيها فيروس تسلل إلى داخلها ليتعرف على سرّ وجوده ويعيد تكوين الفنانة مع كل اكتشاف جديد، وكأنها تغيّر ذاتها بمجرد اكتشاف خباياها، أشبه بقوانين فيزياء الكم التي تجعل من المراقب مشاركا ومؤثرا في سير التجربة. في القسم الثاني من المعرض تحضر مجموعة من الشخصيات الوهميّة التي ابتدعتها الفنانة في سبيل أن تفهم ذاتها، كالعميل هولور، والذي اكتسب اسمه هذا نتيجة لتحوير لكلمة فرنسية بمعنى يتدحرج أو يدور، فهذا العميل يوجد في منطقة مجاورة للأذن الوسطى لدى الفنانة، وهو جزء من مجموعة أخرى لبيكانديت بعنوان “كلمات مخترعة” التي تحاول فيها أن تعيد تعريف كلمات ابتدعتها بصورة شعريّة إلى جانب رسوم سورياليّة مرافقة لها، أشبه بمن يحاول أن يكتب دليلا بصريا للكلمات المتخيّلة ومعانيها التي لا توجد مسبقا ضمن الخطاب اليومي أو المعجميّ. بالرغم من الشروحات الكثيرة التي يمكن قراءتها عن المعرض والتي توفرها الفنانة نفسها، لكن نلاحظ حين النظر إلى اللوحات بتجرد بعيدا عن الحكايات المرتبطة بها كلوحتي عين الثور أو على الأذنين، نرى أنها تشابه بشدة تجارب السورياليين الأوائل سواء على صعيد المفاهيم أو الموضوعات، لتبدو اللوحات وكأنها احتفاء بأعمال خوان ميرو وماكس إيرنست وسلفادور دالي الذي تمتزج في لوحاته التكوينات العضوية مع تلك الآلية والمكيانيكيّة. كاتب من سوريا
مشاركة :