تواجه عدد من اللاجئات السوريات صعوبات في حياتهن اليومية داخل مراكز إقامة اللاجئين، بسبب تعرضهن للعنف من أزواجهن. بمساعدة منظمات إجتماعية ألمانية خرجت كثير منهن عن صمتهن ويسعين لفتح صفحة جديدة في حياتهن. تقيم أم محمد منذ نصف سنة في شقة مجهولة تتكون من ثلاثة غرف في إحدى أحياء برلين. لم تعد المرأة السورية اللاجئة والأم لطفلين تطيق العيش مع زوجها. وبعد أخذ ورد ودعم من إدارة المبيت ومنظمات نسوية قررت الأم السورية مغادرة زوجها الذي كان يعنفها. وهي تقول: "لقد تعرضت إلى كل أنواع العنف من طرف زوجي. كان يصفعني ويعضني وينهرني أمام طفليّ. كثيرا ما بقيت سجينة الغرفة حتى لا يراني الآخرون، كلما كانت إحدى عيناي زرقاء بفعل العنف الذي كان يسلطه زوجي علي...". كانت أم محمد الوافد من مدينة إدلب تتعرض للعنف حينما كانت في وطنها سوريا، إلا أن ممارسة العنف ضدها، كما تقول، ازدادت حدتها و وتيرتها هنا برلين في الفضاء الصغير الذي تقاسمته مع أفراد عائلتها. وتقول السيدة الثلاثينية في العمر إنها لم تتجرأ قطّ عن الحديث عن وضعها لدى إدارة المبيت التي كانت توفر للنسوة المساعدة والنصيحة والاستشارة كلما طلبت القاطنات في المبيت. وحول سبب عدم بوحها بظروفها الصعبة، تقول السيدة السورية:"كنت أظهر للعالم الخارجي وكأن كل شيء على أحسن ما يرام وأنني أعيش حياة وردية خشية عن أبنائي...". خوف أم محمد عن أبنائها وأخذهم إلى أماكن مجهولة من قبل مكتب الطفولة والشباب "Jugend Amt"(هيئة حكومية) جعلها تكبح مشاعرها وتقبل مصيرها المرير. كانت أم محمد تخفف عن همومها وأوجاعها كلما التقت بصديقة حميمة لها تقطن هي الأخرى في المبيت. أم سورية مع طفليها في مركز لحماية النساء من العنف لكن العنف بمختلف أنواعه الذي كانت تعيشه أم محمد لم يبق قيد الكتمان بل بات حديث سكان الحي هذا ما جعل إحدى المرشدات الاجتماعيات في المبيت تسرع في التدخل وتستدعي الأم السورية مانحة إياها فضاء للحديث. "لقد طمأنتني السيدة المرشدة على أن لقاءنا هذا سيظل قيد الكتمان وأن زوجي لن يعلم بهذا اللقاء الذي أفصحت فيه عن وضعي الأليم معه." وتقول أم محمد إنها كشفت للمرشدة الاجتماعية عن الكدمات الزرقاء على ذراعيها التي كانت تحرص دوما على إخفائها. كانت أم محمد تحكي قصتها الأليمة وقد بدت عليها ملامح الحزن ثم أجهشت بالبكاء قائلة:"كنت أتصور بقدومنا إلى ألمانيا سنعيش حياة سعيدة وسنبني عشا دافئا لأطفالنا." إلا أن حلم هذه العائلة السورية تبخر في بدايته حينما وصلت إلى ألمانيا حيث ازداد العنف. " تغيرت حياتي منذ وطأت قدماي هذا المبيت" جاءت خطوة الانفراج حينما تم الاتصال بمنظمة غير حكومية "BIG" تعني بشؤون النسوة اللواتي يعشن العنف الأسري ويردن الوقاية والحماية منه. وحول الخطوات التي اتخذتها المنظمة في شأنها تقول أم محمد:"ما أن أفصحت عن العنف الشديد الذي يمارس علي من قبل زوجي وتأكيدي على الاستعداد لمغادرته إن ظل أبنائي رفقتي. حتى عرضت علي المنظمة مباشرة شقة مجهولة العنوان." أم سورية في مركز لرعاية الأطفال ببرلين رحبت أم محمد مباشرة بهذا العرض وتركت المبيت إلى مكان مجهول مخلِّفة وراءها عشها الزوجي الذي لم يعد يطاق. بدورها تعيش ريما، اسم مستعار، بمعية أطفالها الثلاث في مبيت للنساء مجهول العنوان في إحدى أحياء العاصمة برلين بعيدة عن زوجها الذي كان يعنفها، وحول حياتها الجديدة في مبيت النساء حيث تعيش تقول الأم السورية اللاجئة مبتسمة:"تغيرت حياتي منذ وطأت قدماي هذا المبيت." ثم استمرت الأم الحلبية الثلاثينية في عمرها تقول بأنها تعيش هنا منذ حوالي شهرين رفقة أطفالها الثلاثة في شقة في أمان بعيدا عن كل مظاهر العنف التي كانت تعاني منها. كان زوج ريما، كما أفادتنا في كلامها، يبرحها ضربا ويعاملها بقسوة غير معتادة. التجأت السيدة الحلبية إلى منظمة تعنى بالتدخل ضد العنف الموجه للنساء، وطلبت منها المساعدة الفورية لأنها لم تعد تطيق عنف زوجها. وبدورها أسرعت المنظمة في استقبال ربة العائلة السورية لتوفر لها مكانا للعيش الكريم في مكان مجهول العنوان حماية لها ولأطفالها من أذى قد يسلطه زوجها عليها وعلى أطفالها. تحصل ريما الأم السورية على غرار اللاجئات السوريات الأخريات في المبيت من قبل المنظمة النسائية النصيحة والاستشارة وهنا أيضا تتعرف ريما على حقوقها وواجباتها في مجتمعها الألماني الجديد. مساعدة نسائية فورية من أجل الوقاية والحماية من العنف "يختزل دورنا في تقديم المساعدة الفورية لكل امرأة تطلب مساعدتنا. المساعدة تتمثل في تقديم النصيحة والاستشارة هاتفيا لكن كذلك نسرع في تقديم حلول وقائية وعاجلة من أجل تخليص المرأة من العنف الذي تعيشه في عشها الزوجي." هكذا عرفت السيدة مرتينا رنكي مهمة منظمتها النسائية في برلين "بيغ"،وتضيف الناشطة الألمانية بأن عملها مع النسوة العربيات من الوافدات الجدد شهد نموا مضطردا وأن منظمتها توفر مساحة مهنية خاصة لمثل هؤلاء النساء ضحايا العنف الأسري. تتمثل مهمة المنظمة بالدرجة الأولى في مثل هذه الحالات في توفير سكن آمن بعيد عن الزوج في مدينة برلين أو خارجها، وفي حالات التهديد بالقتل تقوم المنظمة بالتعاون مع الدوائر الرسمية بمنح هوية جديدة لهن. وتقول الموظفة أن العنف بكل أشكاله يمنعه القانون الألماني وهذا ما تحاول المنظمات النسائية عموما إيصاله للنساء العربيات اللواتي تعانين بصمت بدعوى أن العنف يعود إلى خلفيتهن التقليدية ولذلك فهن لا يتجرأن على تقديم شكاوى ضد أزواجهن. ويعترف "أبو أحمد" اللاجئ السوري القاطن في إحدى المبيتات الجماعية في حي لشتنبارغ البرليني بسوء معاملة زوجته حيث قال متسائلا:"صحيح أنني ضربت زوجتي كلما أزعجتني أو خالفت أوامري، لكن لماذا يتم أخذها من عائلتها رفقة أطفالي أو لماذا تقديم شكوى ضدي. "يرى أبو أحمد القادم من ريف دير الزور قبل حوالي سنتين مع زوجته وأطفاله، أن "معاقبة الزوجة ضربا جزء من تقاليده وعلى الألمان احترام الثقافة التي ينتمي إليها". ويرى الأب الأربعيني أن المنظمات الألمانية النسائية تعمل "على تشريد وتفريق العائلة" مضيفا بأن مثل هذه الإجراءات "معادية للرجال ولا تخدم مصلحة العائلة بالمرة". ويزعم بعض الرجال السوريين اللاجئين بألمانيا، أن "تقاليد المجتمع السوري تبيح لهم تعنيف المرأة"، ومن جهتها كشف دراسة نشرتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة(هيئة حكومية) حول ظاهرة العنف الأسري، بأن حوالي 45 في المائة من السوريات يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف الأسري. وأدخلت في السنوات القليلة الأخيرة تعديلات على القانون في سوريا باتجاه سن قانون خاص للحماية من العنف الأسري، بهدف تشديد العقوبات ضد العنف ضد النساء والأطفال، اذلي يمارس في كثير من ألأحيان في المجتمع رغم منعه قانونيا، وذلك بسبب هيمن الثقافة الذكورية وخشية كثير من النساء من التبليغ عن العنف الممارس ضدهن بسبب ضغوط مجتمعية. شكري الشابي - برلين
مشاركة :