غداة غارات واسعة شنّتها داخل الأراضي السورية تلت سقوط إحدى طائراتها المقاتلة، صعّدت إسرائيل تهديداتها أمس ضد إيران، واجتمعت الحكومة الإسرائيلية للشؤون السياسية لبحث التطورات، فيما أقرّ معلّقون بأن إسقاط طائرة «أف 16» الإسرائيلية هو «مكسب معنوي واستراتيجي لدمشق» لم تتوقعه إسرائيل التي رفعت حال التأهب على الحدود مع سورية ولبنان. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تصريحات سبقت الاجتماع الأسبوعي لحكومته، إن «إسرائيل وجهت (السبت) ضربات قوية إلى القوات الإيرانية والسورية، وأوضحت للجميع أن قواعد تحركنا لن تتغيّر البتّة». وأضاف: «سنواصل ضرب كل من يحاول ضربنا وسنستمر في اعتماد هذه السياسة». وكان نتانياهو شدد مساء السبت على أن «إسرائيل ستدافع عن نفسها أمام أي هجوم أو محاولة للمساس بسيادتها، كما فعلت إيران اليوم». وأضاف أن «أيران انتهكت السيادة الإسرائيلية بإرسالها طائرة مسيرة من سورية، فيما هاجمت إسرائيل بقوة كبيرة أهدافاً إيرانية وسورية أخرى تنشط ضدها»، متابعاً: «هذا حقنا وواجبنا وسنواصل تطبيقهما كلّما اقتضى الأمر ذلك، ولا أنصح أحداً بأن يفكّر غير ذلك». وذكر نتانياهو أنه أكّد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين «حقنا وواجبنا في الدفاع عن أنفسنا من أي هجوم من الأراضي السورية، واتفقنا على مواصلة التنسيق الأمني»، كما تحدث إلى وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون. من جانبه، أكد وزير التعليم عضو الحكومة الأمنية المصغرة زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» نفتالي بينيت أن إسرائيل «تحافظ على حقها للتحرك حيث يجب من أجل الدفاع عن نفسها». وأضاف في حديث إذاعي: «لن ننتظر عدونا ليصل إلى السياج الحدودي وعندها نصدّه، إنما نريد من البداية أن نمنع تمركز إيران». ووصف إيران بـ «رأس الأخطبوط، الذي يجب التصدي له من أجل شلّ أذرعه»، لافتاً إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي «سعيد بمحاربة إسرائيل حتى قطرة الدم الأخيرة للبنانيين والغزيين، لكنه يشعر بضغط عندما يرى نعوشاً في طهران تحمل جنوداً إيرانيين». وكرر الموقف الرسمي بأن تل أبيب لا تريد التصعيد، مشيراً إلى «أننا لا نبحث عن المواجهة ووجهتنا السلام، لكننا لن نسمح بخرق سيادتنا، ولذا كان ردنا واسعاً وشديداً في العمق السوري ونتمسك بحقنا في الدفاع عن أنفسنا». من جانبه، شدد وزير الاستخبارات إسرائيل كاتز أن الدولة العبرية «لن تقبل بالوجود العسكري الإيراني في سورية». وقال في حديث إذاعي: «لدينا الوسائل لمعرفة كل ما يحدث في سورية مثلما أثبتنا خلال هجمات السبت. تفوقنا الجوي تم الحفاظ عليه تماماً». واتفقت تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية على اعتبار أحداث السبت «علامة فارقة» في كل ما يتعلق باستراتيجية العمل العسكري على الحدود الشمالية. وأبرزت ما وصفته «الإنجاز» بضرب مواقع إيرانية واعتراض الطائرة المسيّرة، في المقابل «الثمن» بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، و»العبرة» التي تتمثّل بوجوب إعادة النظر في ما حصل من تطورات ليست متوقعة. ورأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن «إسرائيل وإيران في مواجهة مباشرة الآن على الأرض السورية، وهذا هو المغزى الأساس». وأضاف أنه «رغم التهدئة في نهاية الجولة الحالية فإن على إسرائيل مواجهة تطورات الاستعداد الإيراني للعمل ضد إسرائيل، والثقة بالنفس المتزايدة لدى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والدعم الروسي للموقف المتشدد لسائر أعضاء المحور وهو ما يقلِق في شكل أساسي». واعتبر المعلّق في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إيتان هابر أن «الحرب بين إسرائيل وإيران باتت حتمية». ولفت إلى أن «الأطراف كلها لا تريد حرباً لكنها ستنجر إليها وستكون حرباً طاحنة وتشارك فيها بشكل غير مباشر الولايات المتحدة وروسيا وسورية وإيران وإسرائيل». واتفق المعلقون على أن إسقاط الطائرة يعتبر «مكسباً معنوياً كبيراً لسورية ويمسّ بصورة الردع الإسرائيلية». وقال المعلّق يوسي يهوشواع إن «ما سيذكره العالم من أحداث السبت هو إسقاط الطائرة الإسرائيلية وشريط فيديو هبوط الطياريْن منها وليس الشريط المصور لاعتراض الطائرة الإيرانية المسيّرة». وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع أنه «عندما يتبين أن الدفاعات الجوية السورية قادرة على إسقاط طائرة إسرائيلية في سماء الجليل فإن هذا مدعاة للقلق». وأردف أنه يجدر بالإسرائيليين «وضع ثقتهم بالقيادة العسكرية لا بالقيادة السياسية التي تطلق تصريحات عنترية»، مضيفاً أنه يجدر بالقيادة العسكرية أن تواصل متابعة التطورات عن كثب، على أن تواصل الشرطة تحقيقاتها مع نتانياهو، ثم يقدم الجيش والشرطة توصياتهما»، في تلميح إلى احتمال جنوح نتانياهو إلى حرب تستبق توصيات الشرطة باتهامه بالفساد أو خيانة الثقة والاحتيال. دعم أميركي وكانت إسرائيل شنت السبت سلسلة غارات على أهداف سورية وإيرانية، رداً على اختراق طائرة إيرانية بدون طيار أطلِقَت من سورية مجالها الجوي، وفق الجيش الإسرائيلي، إلا أن طهران نفت ذلك، وأعقب ذلك سقوط مقاتلة «أف 16» في الأراضي الإسرائيلية وإصابة طيارَيها. وأشار الناطق باسم المستشفى الذي نقل إليه الطياران قرب حيفا أمس، إلى أن أحدهما «في حال متوسطة بعد خضوعه لعملية جراحية السبت، بينما سمح للآخر بالتوجه إلى منزله». وأوردت «إذاعة الجيش» أن القوات الإسرائيلية عزّزت «وسائلها المضادة للصواريخ في الشمال»، على الحدود مع لبنان وسورية. وأتت المواقف الإسرائيلية بعد تلقيها جرعة دعم أميركية، إذ أكدت واشنطن دعمها «حق إسرائيل السيادي في الدفاع عن النفس». وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيثر ناورت إن «الولايات المتحدة قلقة للغاية من تصاعد العنف على حدود إسرائيل وتدعم بشدة حق إسرائيل السيادي في الدفاع عن نفسها». وأضافت أن «التصعيد الإيراني إضافة إلى طموح إيران ببسط سلطتها وهيمنتها يعرّضان جميع شعوب المنطقة إلى الخطر». من جهته، أكد الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أدريان رانكين غالواي أن «إسرائيل أقرب حليف أمني لنا في المنطقة ونحن ندعم تماماً حقها الأصيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات لأراضيها وشعبها».
مشاركة :