بكين – توماس شاتوك* أصدرت مؤسسة غالوب للاستشارات الإدارية في يناير (كانون الثاني) 2018 تقريراً حول تقييم قادة العالم، والذي أظهر انخفاضا حاداً في الرأي العالمي حول القيادة الأميركية في ظل رئاسة دونالد ترامب. وبشكلٍ عام، تراجع الرأي العام من 48 في المائة عام 2016 (السنة الأخيرة لرئاسة الرئيس باراك أوباما) إلى 30 في المائة عام 2017 (السنة الأولى لرئاسة ترمب). وفي حين أن هذه الأرقام تثير القلق، فما ينبغي أن يُقلق المراقبين أكثر هو أنها تدل على أن الولايات المتحدة تتنازل عن دورها كزعيمة العالم للصين – على الرغم من أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة مع موافقة عالمية بنسبة 31 في المائة فقط. ومن الواضح أن القصص الإيجابية على هذا النحو تصنع العجائب للصين في الصحافة العالمية، ولكن يجب على المراقبين على جميع المستويات التفكير مرتين قبل تسمية رئيس الصين شي جينبينغ الزعيم التالي للعولمة. ويبدو أن الصين – وبينغ تحديداً – يهجم بأقصى قوته للفوز على المشككين وتوطيد العلاقات مع الشركاء والأصدقاء، وذلك من خلال استضافة أطراف معروفة لا نفع لها مثل «الحزب الشيوعي الصيني» في الاجتماع رفيع المستوى لحوار الحزب مع الأحزاب السياسية العالمية في بكين، واستخدام عبارات مهدئة باستمرار مثل مفهوم «المجتمع مع مستقبل مشترك لمصلحة البشرية». وبما أن دونالد ترمب يدفع الولايات المتحدة نزولا مع شعاره «أميركا أولاً»، فإن البلدان ووسائل الإعلام تتطلع إلى رؤية من سيصعد لملء الفراغ، ومن خلال الحكم على عدد المقالات التي تظهر هذا الطرف، تشير العلامات إلى بينغ. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وترمب مستمران في الهبوط، لا تنخدعوا من ظهور الصين الواضح. ففي حين تقدم الصين عدداً من الحوافز، مثل تلقي الاستثمارات الصينية من خلال مبادرة الحزام والطريق أو زيادة فرص الوصول إلى السوق الصينية، فإن النموذج الصيني للحكومة والسيطرة لا يحتذى به. فبينغ ليس «منقذ العولمة» ولا رجلا يحتذي به القادة الليبراليون.الرئيس الصيني شي جينبينغ (يسار) يتحدث إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مناسبة لقادة رجال الأعمال في قاعة الشعب الكبرى في بكين يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017 (غيتي) ظهر عدد من الاختفاءات البارزة وعمليات الاختطاف والاعتقالات التي دبرها الحزب الشيوعي الصيني منذ 2015 في محاولة منه لقمع المعارضة. في حين نجح الحزب الشيوعي الصيني في سجن الكثير من الناشطين الديمقراطيين داخل الأراضي الصينية، إلا أنه لم ينجح إلى حد كبير في منع انتشار رسالة هؤلاء الناشطين في هونغ كونغ وفي جميع أنحاء العالم، ولكن إلى متى؟ وهناك حالتان حصلتا مؤخراً تستحقان تسليط الضوء عليهما لإظهار الطرق المختلفة التي يحاول النشطاء نشر رسائلهم وكيفية عمل الحزب الشيوعي الصيني على إخفاء أصواتهم ببطء. ففي يناير 2018. اختطفت الشرطة الصينية غوي مينهاي، وهو ناشر كتب في هونغ كونغ يحمل الجنسية السويدية، وأصدرت محكمة في هونغ كونغ حكماً بسجن جوشوا وونغ، أحد قادة حركة المظلات عام 2014 في المدينة، وذلك للمرة الثانية. واعتقال هذين الرجلين لم يعط سوى مثالين بارزين استطاعا الوصول إلى وسائل إعلام غربية رئيسية، إلا أن قضيتيهما تدلان على اتجاه أكبر في الصين يستحق الاستكشاف. وتضم لجنة الكونغرس التنفيذية حول الصين في الولايات المتحدة قاعدة بيانات كبيرة للسجناء السياسيين في الصين.عملية اختطاف غوي مينهاي في القطار تظهر قضية غوي مينهاي إلى أي مدى سيصل النظام الصيني لإسكات أي وجهات نظر مخالفة. ففي 2015. اختفى غوي من منزله في تايلاند، وتبين فيما بعد أنه محتجز عند السلطات الصينية في2016 عندما ظهر على الدائرة التلفزيونية وهو يعترف بأنه قتل شخصاً أثناء قيادته تحت تأثير الكحول. وادّعى في البيان أنه عاد إلى الصين بمحض إرادته لاعترافه بجريمته، مما جعل الكثيرين يعتقدون أنه اعترف بالإكراه. وكان أحد خمسة ناشرين من مكتبة «كوز واي باي» في هونغ كونغ فقدوا ذاك العام. وكانوا جميعاً معروفين بنشر مواد تنتقد القيادة الصينية وشي جينبينغ. وتم الإفراج عن غوي في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 ولكن كان واضحاً أنه تحت المراقبة في مدينة نينغبو، وكان عليه أن يقدم تقريراً إلى الشرطة على أساسٍ منتظم. وفي 20 يناير 2018، كان غوي – الذي أصبح مواطنا سويديا في 1992 – مسافرا مع دبلوماسيين سويديين إلى السفارة السويدية في بكين، حيث كان من المفترض أن يتلقى غوي العلاج الطبي بسبب إصابته بأعراض التصلب الجانبي الضموري. وقبل وصول القطار إلى بكين، استقل 10 رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية القطار واعتقلوا غوي. وتفيد تقارير بأن غوي قد تقدم بطلب للحصول على جواز سفر سويدي لمغادرة البلاد، ولكن لم يعرف ما إذا سمح له الحزب الشيوعي الصيني بمغادرة البلاد. وأصدرت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم بياناً بعد عملية الخطف قائلة: «إن الحكومة السويدية تعلم بالتفاصيل ما حدث واستدعت سفير الصين. وقد وُعِدت بالحصول على معلومات عن حالة السيد غوي… وازداد الوضع سوءاً منذ 20 يناير، وتعمل وزارة الخارجية على مدار الساعة في هذه المسألة منذ ذلك الحين». وتعمل الحكومة السويدية والاتحاد الأوروبي علناً في هذه القضية بسبب جنسية غوي ووجود الدبلوماسيين. ويظهر هذا الاختطاف الجريء كيف يتعامل الحزب الشيوعي الصيني على إزالة أي تهديد متصور لسلطته أو قيادته. وربما يكون الحزب الشيوعي الصيني قد أضر نفسه من خلال احتجاز غوي – وخاصة في مثل هذه الطريقة العامة – لأن الحكومات الغربية الآن تدين علناً هذه الخطوة. وقد يكون إبقاء غوي تحت المراقبة ومنعه من القيام بأي شيء مثيراً للجدل أكثر فائدة للنظام من فعل شيء من هذا القبيل. وفي وقت كتابة هذا التقرير، كان غوي لا يزال قيد الاحتجاز دون أي اتهامات علنية، لكنه حصل على جائزة فولتي 2018 من اتحاد الناشرين الدوليين. وقال كريستن إينارسون، رئيس لجنة حرية النشر في اتحاد الناشرين الدوليين: «إن محنة غوي مينهاي هي مثال للمخاطر التي يواجهها بعض الناشرين لإيصال أصوات المؤلفين المتنوعة إلى الجمهور. ومن الصواب أن يثني عليه مجتمع النشر لشجاعته التي حرمته من حريته».حبس جوشوا وونغ والحالة البارزة التالية هي اعتقال الناشط جوشوا وونغ وسجنه مؤخراً بسبب دوره في حركة المظلات التي احتل فيها وونغ ومحتجون آخرون مناطق في هونغ كونغ لمدة 79 يوما في محاولة للمطالبة بإجراء انتخابات حرة دون تدخل بكين. ويعتبر وونغ البالغ من العمر 21 عاماً فقط الوجه المتحدث باسم الحركة جنباً إلى جنب مع زملائه زعماء الاحتجاج ناثان لو وأليكس شاو. وبعد أن حصل في البداية على حكم خدمة المجتمع عام 2016 بسبب دوره في حركة المظلة، سجن وونغ في وقت لاحق في أغسطس (آب) 2017 للتجمع غير القانوني. وقد دعت وزارة العدل في هونغ كونغ إلى مراجعة الحكم لإعطائه وآخرين غيره عقوبات أشد. وعلى الرغم من أنه حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، إلا أنه خدم حتى أكتوبر 2017 عندما أطلق سراحه بكفالة. وفي 17 يناير 2018، سجن وونغ مرة أخرى لدوره في احتجاجات 2014. وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بعد أن أقر بالذنب بتهمة ازدراء القضاء بسبب عدم رضوخه لقرار قضائي لإخلاء مخيم أقيم خلال المظاهرات. ويأمل حزب ديموسيستو الذي ينتمي إليه وونغ الفوز بمقعد في المجلس التشريعي لهونغ كونغ في انتخابات مارس (آذار) المقبلة. وكان ناثان لو، أحد الزعماء مع وونغ، قد فاز سابقا بمقعد، ولكنه «استبعد بعد أن رفعت الحكومة المحلية المدعومة من بكين دعوى قضائية ضده بسبب استخدامه كلمات فيها تحدٍّ عندما أقسم اليمين». وقال وونغ قبل أن يحكم عليه: «يمكن أن يحبسوا أجسادنا ولكنهم لا يستطيعون حبس عقولنا». ويظهر سجن وونغ – للمرة الثانية – القوة التي تمارسها بكين في هونغ كونغ. وعلى الرغم من تأسيس هونغ كونغ تحت رعاية «دولة واحدة ونظامين» بعد أن أعادتها المملكة المتحدة إلى الصين عام 1997. فقد أصبح واضحاً أن بكين لا ترغب في السماح بالكلام الحر أو لنشطاء الديمقراطية بالتحدث في «المنطقة الإدارية الخاصة».الناشط المؤيد للديمقراطية جوشوا وونغ (في الوسط) يصرخ قائلا: إن الشرطة أخذته بعد أن قام هو والمتظاهرون الآخرون بالاعتصام بقرب تمثال باوهينيا الذهبي في 28 يونيو 2017 (غيتي) ويدل هذا المثال الآخر على ضعف تفكير بكين. ولن يسكت سجن وونغ وغيره من نشطاء الديمقراطية في هونغ كونغ حركة المظلات. بل سيحفز المزيد من النشطاء على التحدث إلى جمهورٍ أوسع وإظهار شعب هونغ كونغ كيف خفضت بكين من حرياتهم منذ تسليمها قبل 20 عاماً. ولعلها ليست صدفة أنه بعد أيام فقط من صدور الحكم ضد وونغ، قامت أجهزة الأمن الصينية باختطاف غوي. ومن خلال جمع الاعتقالين – وحتمية تداعيات – المعارضين البارزين سيقلل من الوقت الذي تركز فيه الحكومات الأجنبية ووسائل الإعلام على هذه القضايا قبل الانتقال إلى الحدث الإخباري الرئيسي التالي. وبعد صدور الحكم بحق وونغ يوم 17 يناير، وقبل اختطاف غوي يوم 20 يناير، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً في 18 يناير يدين الاعتقالات وسوء معاملة الكثير من الديمقراطيين البارزين والناشطين في مجال حقوق الإنسان ومن بينهم الناشط التايواني لي مينغ تشي الذي تصدر اختفاؤه والقبض عليه ومحاكمته العناوين العام الماضي، بالإضافة إلى نشطاء تبتيين آخرين. ويدعو البيان إلى معاملة السجناء بطريقة أفضل والإفراج عن الكثير منهم. وتحدثت أوروبا عن انتهاكات الصين، واستجابت الأخيرة عن طريق اختطاف غوي. وبغض النظر عن العلاقة بين هذه الأحداث، من الواضح تماما أنه وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتنازل عن زعامة العالم للصين كما يشير استطلاع غالوب الأخير فإن الصين ليست منارة للأمل لبقية العالم، وينبغي أن لا يتطلع إليها للقيادة. وقد توفر الصين للبلدان فرصاً مختلفة للاستثمار والتنمية، ولكنها تلغي أيضا آراء المعارضين والدعاة للديمقراطية، سواء كانت لديهم حماية أجنبية أم لا.
مشاركة :