القاهرة وأنقرة: صراع الطاقة في شرق المتوسط يكرّس مسافات القطيعة

  • 2/14/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عاد التوتر بين القاهرة وأنقرة ليتصدّر علاقات البلدين، بعد تصريح وزير الخارجية التركي أخيراً، بأن بلاده لا تعترف بالاتفاق المبرم بين مصر وقبرص عام 2013 لترسيم الحدود البحرية بينهما. وعلى رغم الإشارات إلى اختراق محتمل للأزمة بين البلدين، مثل مصافحة وزير خارجية تركيا نظيره المصري على هامش قمة عدم الانحياز في كراكاس في أيلول (سبتمبر) 2016، وتصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الإيجابية تجاه القاهرة، ناهيك باجتماعات دشّنتها الغرفة التجارية التركية في القاهرة في آب (أغسطس) 2017 لفتح آفاق اقتصادية أكبر مع مصر، إلا أن القطيعة الرسمية ما زالت تتصدر مشهد العلاقة بين البلدين. والأرجح، أن رفض تركيا ترسيم الحدود البحرية يكشف قلق أنقرة من مكاسب استراتيجية حققتها القاهرة من التعاون مع قبرص واليونان في منطقة شرق المتوسط. ووقعت مصر وقبرص واليونان في 29 نيسان (أبريل) 2015 على إعلان نيقوسيا الذي تضمن الالتزام بتعبئة كل القدرات لدعم المصالح المشتركة من خلال آلية التشاور الثلاثية، التي تجتمع بانتظام، وآخرها القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء مصر واليونان وقبرص في نيقوسيا في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، بهدف العمل على إطلاق الإمكانات الكاملة للمنطقة، خصوصاً بعد اكتشاف احتياطات مهمة من النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، تمثل حافزاً للتعاون الإقليمي. وترتبط الدلالة الثانية بالنتائج المبشّرة التي تم اكتشافها في حقل «ظهر»، والذي تم افتتاحه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو ما يؤشر إلى تنامي فرص جذب القاهرة للاستثمارات الأجنبية، ودلّل على ذلك ضخ شركة «إيني» الإيطالية استثمارات ضخمة في منطقة شرق المتوسط، ما يعنى سحب جزء معتبر من رأس المال الأجنبي الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد التركي الذي يعاني تراجعاً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. وتعود الدلالة الثالثة إلى رغبة أنقرة في قض مضاجع اليونان وقبرص، إذ تجمعهما خصومة تاريخية معها، ولم تفلح زيارة أردوغان اليونان قبل نحو شهر ونصف الشهر، في تسكين أوجاع الأزمة بين البلدين، بل إنها زادت المشهد تعقيداً عندما ذكّر أردوغان بقرب مرور مئة عام على معاهدة «لوزان»، التي اقتطعت من أملاك الخلافة العثمانية لمصلحة اليونان. في المقابل، ثمة توتر بين تركيا وقبرص، إذ ترى الأولى أن «استمرار قبرص في نشاطات التنقيب عن النفط والغاز في شكل أحادي أمر غير مقبول». وتؤكد تركيا، حق القبارصة الأتراك بموارد الجزيرة الطبيعية باعتبارهم جزءاً منها، وذلك رداً على مساعي قبرص بعقد اتفاقات مع شركات وبلدان مختلفة من طرف واحد. وتدعو تركيا قبرص إلى التخلي عن وصف نفسها بأنها المالك الوحيد للموارد الطبيعية للجزيرة. غير أن الطعن التركي في قضية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص لن يسفر عن جديد، فالاتفاق مُودع لدى الأمم المتحدة. كما أن تركيا لا تملك في الوقت الراهن الأدوات والآليات التي تمكنها من الضغط على هذه الدول لإعادة النظر في الاتفاقات الموقعة، بالنظر إلى عزلة تركيا إقليمياً ودولياً، فضلاً عن مساندة الاتحاد الأوروبي الذي جمّد مفاوضات العضوية مع تركيا، حق قبرص واليونان في استثمار مصادر الطاقة في المنطقة. على صعيد ذي شأن، فإن أنقرة لا يمكنها عسكرة الأزمة مع القاهرة أو قبرص، بعد تورطها في عفرين السورية. فثمة ارتدادات سلبية على تركيا من تورطها في سورية، ووصل الأمر إلى حد وصف الرئيس الفرنسي ماكرون الهجوم التركي على عفرين بالغزو. وتمكن الإشارة إلى ثلاثة مستويات قد تتعرض لها العلاقات المصرية - التركية في ظل استمرار أردوغان في المشهد، أولها إدراك تركيا تعاظم الدور الإقليمي للقاهرة في المنطقة، ومن ثم التوجه نحو تحسن شامل يتضمن معالجة الأمور العالقة بين البلدين. لكن هذا السيناريو يظل احتمالاً ضعيفاً بعد إدانة مصر عملية عفرين، ومناكفة تركيا للقاهرة في شرق المتوسط. المستوى الثاني، تجميد الوضع على ما هو عليه، أي من دون إحراز أي تقدم ملموس في أية مشكلة، واستمرار احتمالات التصعيد على نحو أو آخر في المستقبل. أما المستوى الثالث، فهو تحسن محدود تسمح به التطورات المحلية في البلدين، وضغوط رجال الأعمال والمعارضة التركية على حكومة العدالة والتنمية لجهة التهدئة مع القاهرة. ويبقى أن ترجيح فرص تحسين العلاقة يبدو بعيد المنال، ويرجح تجميدها بفعل تنامي التوتر، ومناوشة أنقرة للقاهرة بين الحين والآخر في منطقة شرق المتوسط الغنية بالنفط والغاز، وإصرارها على دعم جماعة الإخوان التي تصنفها القاهرة إرهابية وترى في الحماية التركية لقياداتها تدخلاً سافراً في الشأن المصري.     * كاتب مصري،

مشاركة :