سمير عطا الله: مَن تألف العصافير؟

  • 9/15/2013
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

يقع بيتنا القروي في البرية بعيدا عن البيوت الأخرى. قبل أيام كنت جالسا في الفناء عندما مرت بقربي هرة جميلة. توقفت، تطلعت بي ثم أكملت طريقها. توقفت من جديد، تطلعت، ثم انصرفت. لقد تأكد لها أنني لست صاحبها ولا حتى صديقها. في قلب «الشانزلزيه» تقفز العصافير بالعشرات على طاولتك لكي تشارك في فتات ما. لا الزحام ولا الضجيج ولا غياب الشجر يبعدها. ولكن هنا في القرية والبرية، العصافير نفارة طوال الوقت. اعتادت أن تخاف الصيادين. وضع الإنسان أسطورة تقول إنه المخلوق الوحيد الذي يتمتع بالذكاء وصدقها. لكن الأفلام التي تصور الآن في غابات أفريقيا وجليد القطب تظهر لنا أن لكل كائن عقلا ما، يتدبر به بقاءه. عندما مرت بي الهرة الغريبة صدف أنني كنت أقرأ «أفكار ومشاعر المخلوقات المحيطة بنا» لفرجينيا موريل، وهو كتاب عما اكتشفه العلماء في السنوات الأخيرة، وفيه أن السمك يستخدم الأدوات، والفئران تضحك، وأنثى الصرار تتذكر ألحان الغزل لكل صرار تغنى بها، وأن الأفيال تنظر إلى المرآة وتدرك أنها ترى صورتها وليس فيلا آخر. وقد أذهلت العالمة أيرين بيربرغر رفاقها عندما عرضت عليهم ببغاءها الرمادي الذي حملته من أفريقيا: إنه يروي النكات ويعرف معنى الصفر ويعبر عن كل ذلك بلغة إنجليزية شديدة الوضوح. ودرس العالم البريطاني نايجل فرانكس حياة النمل من خلال أفلام فيديو، فاكتشف ما يمكن أن يكون أعظم تعاونية على وجه الأرض. أو بالأحرى تحتها. كل نملة تتلقى دروسا من «معلمها» حول الطرق التي يجب أن تسلكها. إذا تعثرت خلال الدرس توقف المدرب ينتظر إلى أن تقف من جديد. وإذا حفظت الدرس لامسته «بهوائي» في رأسها، علامة أن شكرا لك، فلا حاجة إلى المزيد. حتى العصافير السابحة تألفنا عندما تطمئن إلى أننا لن ننقض عليها. كتب الزعيم اللبناني الراحل كمال جنبلاط في الفكر والفلسفة والشعر والسياسة وآداب الحياة. وكان نباتيا يؤمن بأن الإنسان ما يأكل. فإذا أكثر من اللحوم شرست طباعه. وفي كتاب له عن التداوي بعشبة القمح روى أن تاجر فئران بيضاء (مختبرات) من اسكوتلندا كان يطعم فئرانه قمحا. وذات مرة قرر أن يقتصد فقبل من جاره عرضا بأن يطعمها فضلات اللحوم. ولم يمضِ وقت حتى صارت الفئران يهاجم بعضها بعضا. روى زميل أنه كان يتعمد المرور بكمال جنبلاط باكرا وقت الفطور لكي يعرف ما هي الأطباق التي يتناولها. ولم تكن هناك منتجات حيوانية كاللبن والبيض وإنما خضار غير مطهي ولا مسلوق، إلا اللوبياء بالزيت. فقد كان يعتقد أن الطهي يزيل 80% من الطاقة الغذائية، وأن على الإنسان أن يتناول ما يعادل كيلوغراما من الفاكهة في اليوم. لم تنفعه الوقاية في الأجل. عاش حياة صحية تماما انتهت في اغتيال رخيص. وليس هناك اغتيال غير رخيص ولا قتل غير دنيء. بعد قتل رجل في حجم كمال جنبلاط صار سهلا نشر ثقافة الاغتيال في لبنان وتمجيد حضارة الموت.

مشاركة :