لم يجافِ وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر الحقيقة عندما قال: «ليس لأميركا أصدقاء دائمون، بل مصالح فقط». استعداد إدارة ترامب للتغاضي عن الروابط القطرية مع الإرهاب من أجل تحقيق مصالح مادية وعسكرية، يؤكّد صحة الكلام الصادر عن ذلك السياسي المخضرم. قبل سبعة أشهر، إبان زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، التي كانت أول رحلة يقوم بها إلى الخارج منذ تسلّمه منصبه، هاجم الدوحة لأنها «ملاذ للإرهاب»، والجهة المموِّلة الأولى للإرهابيين. وتباهى لاحقاً بأنه شجّع المملكة وحلفاءها على النأي بأنفسهم عن جارتهم السابقة، التي تحوّلت إلى دولة مارقة بعدما كانت تجمعهم بها علاقات أخوية. من المعلوم أنه لطالما كانت لديّ شكوك حول شخصية المرشح ترامب ومدى ملاءمته للمنصب، لكنني كنت آمل بألا يتراجع عن وعوده مثل سلفه باراك أوباما الذي احتضن إيران فيما انتقص من قدر دول الخليج. بعد انتخاب ترامب، اعتقدنا أنه أصبح لدينا شريكٌ موثوق. لقد اعتُبِرت زيارته إلى السعودية مؤشراً عن احترامه للتحالف القديم بين المملكة والولايات المتحدة، لكننا كنا مخطئين. كان مجرد استعراض إعلامي من دون مضمون حقيقي، الهدف منه استرضاء العالم العربي بعدما قام أوباما بتهميشه إبان الاتفاق النووي الذي عقده مع الشيطان. كان التحالف الذي تقوده السعودية، ويضم الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، مستعداً لاحتضان قطر من جديد شرط موافقتها على تنفيذ 13 مطلباً. وكان ضمن تلك المطالب قطع علاقات الدوحة مع «الإخوان» وتنظيم «داعش» و«حزب الله»، وإغلاق وسائل الإعلام القطرية الترويجية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي القطرية. تظاهر أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالبراءة وادّعى أنه مستعد للتباحث في جميع المسائل الخلافية، لكن بدلاً من أن يظهر حسن النيّة، تسبّب بتفاقم الأزمة بسبب تعزيز علاقات بلاده مع طهران، والسماح لتركيا بنشر قوات جوية وبحرية فضلاً عن القوات البرية. كنا نتوقّع، منطقياً، أن تُبدي الحكومة الأميركية استياءها من تقرُّب الأمير من إيران، الراعية الأكبر للإرهاب في العالم، وأن تُظهر امتعاضها من الوجود العسكري التركي الآخذ في التوسّع في، قطر حيث تمتلك القيادة المركزية الأميركية قاعدتها الجوية الأمامية التي تضم 11 ألف جندي من القوات الأميركية وقوات الدول المشارِكة في التحالف – لا سيما أن العلاقة بين واشنطن وأنقرة تزداد توتّراً، بحسب ما يبدو لنا. في الواقع، انحاز ترامب دراماتيكياً لمصلحة قطر، التي أنكرت الأدلة الواضحة عن الجهود التي تبذلها إيران لزعزعة استقرار المنطقة، التي تبحث، وفقاً للتقارير، في استخدام جزيرة إيرانية لاستضافة بعض الفرق المشارِكة في كأس العالم في قطر عام 2022. لقد أقدمت قطر على شراء أسلحة أميركية بقيمة 12 مليار دولار بعيد توجيه ترامب انتقادات علنية إليها، ولعل هذه الصفقة كانت كافية لإقناع الرئيس الأميركي بتبديل موقفه والتقرّب من الدوحة. كتب «غاردنر هاريس» في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل بضعة أيام: «لقد شنّت قطر حملة لكسب ودّ إدارة ترامب، من خلال مزيج من محاولات الضغط والإقناع، والاستثمارات المحتملة، والتعهّد بدعم الجيش الأميركي، ويبدو أن هذه الحملة أتت بثمارها». يشير هاريس إلى الثناء الشديد الذي كاله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لقطر التي وصفها هذا الأخير بأنها «شريك قوي وصديق قديم»، وردّد ذلك وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس»، لطالما أظهر تيلرسون ميلاً إلى قطر، حتى إنه ذهب إلى حد الإلقاء باللائمة على الرياض في الخلاف المستمر مع الدوحة. ... المزيد
مشاركة :