عوني صادق بعد ملاحقة استمرت شهراً، أقدمت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» على اقتحام بلدة اليامون، بالقرب من مدينة نابلس، بعد أن حصلت على معلومات استخبارية من «مؤسسة التنسيق الأمني» الفلسطينية، حيث لجأ المقاوم أحمد نصر جرار إلى البلدة. وبعد اشتباك زاد على سبع ساعات، وبعد نفاد الذخيرة منه، تمكنت القوات المهاجمة من الوصول إليه، وتصفيته، وارتقائه شهيداً. وكانت الملاحقة له قد بدأت على خلفية مسؤوليته عن تنفيذ عملية مسلحة، ومقتل الحاخام المستوطن رزائيل شيفاح. ومن وحي ما جرى في بلدة اليامون الفلسطينية، كتب البريطاني ديفيد هيرست، الخبير في شؤون الشرق الأوسط مقالاً عنوانه: «من الأب لابنه: كيف يورث النضال الفلسطيني من جيل لجيل»، تحدث هيرست في مقاله عن والد الشهيد أحمد، الشهيد نصر جرار، وعن حادثة استشهاده أثناء الانتفاضة الثانية. وتوقف عند تغريدة فرح سجلها وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيجدور ليبرمان (الذي غرد على حسابه في تويتر) بعد استشهاد أحمد قائلاً فيها: «تمت تصفية الحساب»، وعلق هيرست بالقول: «تشدق ليبرمان بأن المهمة أنجزت.. فهل أنجزت فعلاً؟».تغريدة بلطجي البارات ليبرمان تركز النظر على دفتر قديم لم يغلق منذ سبعين عاماً، ويمكن القول إن صفحاته الأولى فتحت منذ قرن من الزمان، مع ما عرف ب(وعد بلفور 1917)، وربما قبل ذلك بعام مع (معاهدة سايكس- بيكو 1916). لكن محطاته توالت بعد ذلك من دون أن «تنجز المهمة». حدث ذلك في سياق حربين عالميتين، تصارعت فيهما القوى الكبرى على تقاسم النفوذ، وبخاصة في «منطقة الشرق الأوسط». وكان هناك من تصور أن «محطة 1948» كانت كافية لإنجاز مهمة 1917، لكن الواقع كذب تلك التصورات. فالشعب الذي تشرد في بقاع الأرض، وصار عالة يعيش على «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين- الأونروا»، تحرك وأطلق في منتصف عقد الستينات «أول رصاصاته» رافعة شعار «الكفاح المسلح لتحرير فلسطين». طبعاً لم يكن منتظراً أن يتخلى الذين أقاموا «الدولة اليهودية» عنها، أو أن يتوقفوا عن حياكة المؤامرات على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، مقدمين لها كل عون مادي وسياسي ممكن ظهرت نتائجه في حزيران/ يونيو 1967. كان انتصاراً خرافياً ذلك الذي حصلت عليه «إسرائيل» في ذلك التاريخ، ومع ذلك، ومع كل ما ترتب عليه من نتائج كان يفترض أن تنهي ما يسمى «قضية فلسطين»، إلا أن العكس هو الذي حدث فكان انطلاق «الثورة الفلسطينية» بسرعة البرق مؤكدة أن «المهمة» التي أرادها «الإسرائيليون» وأنصارهم من تلك الحرب لم تنجز.واستمرت المؤامرات بعد ذلك على الشعب الفلسطيني وثورته، ونجحت هذه المرة في تأليب الأنظمة العربية عليهما فارتكبت ضدهما المجازر(ولم تتأخر بعض الفصائل في تقديم العون لإنجاح المؤامرات الجديدة، فكانت مجزرة أيلول/ سبتمبر 1970 في الأردن، وصولاً إلى الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان وحصار بيروت 1982، لتطرد منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية من لبنان، وعملياً من المشرق العربي كله. كثيرون اقتنعوا أن هذه «المحطة» كانت قاصمة لظهر الثورة والشعب معاً، وأنه لن تقوم لأي منهما قائمة. لكن الشعب رد على الضربة بمثلها فكانت الانتفاضة الأولى 1987 التي أجبرت الولايات المتحدة على عقد (مؤتمر مدريد- 1990) وتعيد القضية التي جرت محاولة اغتيالها إلى المسرح الدولي. لكن هذه الإعادة كانت أسوأ من كل المحطات السيئة السابقة، حيث أوقع أطراف المؤامرة بمنظمة التحرير الفلسطينية فدفعوها تحت «وهم الدولة» إلى التخلي عن «ثوابتها الوطنية» وتنازلت عن 78% من أرض فلسطين بالتوقيع على (اتفاق أوسلو- 1993) الذي جعل منها «سلطة بلا سلطة» وفي الوقت نفسه «ذراعاً أمنية» للدولة اليهودية.لكن مؤامرة أوسلو، رغم نجاحها حتى الآن في تحقيق الكثير من البرنامج «الإسرائيلي»، إلا أنها لم تنجح بصورة نهائية في «إنجاز المهمة». يدل على ذلك بروز «ظاهرة المقاوم المشتبك» التي جسدها الشهيد أحمد نصر جرار، ومن قبله الشهيدان باسل الأعرج ومهند الحلبي. فهذه الظاهرة التي تعتبر «جنينية» حتى الآن لكنها تحمل «قوة المثل» الذي سيحذو حذوه الشباب الذين اقتنعوا أن المقولة الأصلية هي الأصح، وهي أن «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة». ومنذ بداية القصة، كانت هناك مهمتان تنتظران الإنجاز. المهمة الأولى، «تصفية الحساب وإنهاء قضية فلسطين». ومن الواضح أنها «لم تنجز بعد». والمهمة الثانية، «تصفية الحساب وتحرير فلسطين». وهذه تقع على عاتق الشعب الفلسطيني أولاً، وهي أيضاً «لم تنجز بعد». والمؤشرات التي تتوفر يومياً من ممارسات «دولة الاحتلال»، وأيضاً من ممارسات الأجيال الفلسطينية الجديدة تبشر بأن الإنجاز سيكون نصيب الشعب الفلسطيني. awni.sadiq@hotmail.com
مشاركة :