< لا يخلو حزب الله من الدهاء والقدرة على الاستغلال الأمثل لنقاط قوته وضعفه، وكذلك نقاط قوة خصومه وضعفهم وترددهم، وحقق كثيراً من ذلك، والاعتراف بذلك يجب أن يكون مقدماً لطريقة جديدة للتعامل معه أكثر ذكاءً من السابق. يعتمد حزب الله على ثلاثة مصادر تمويل رئيسة: أولها مباشر يأتي من إيران، والثاني تصدير المخدرات، التي بدأها النظام السوري «المقاوم» ووجهها إلى أسواق الخليج والعالم، وكان الإعلام الخليجي والعالمي نشر في الأعوام الماضية عن شبكات المخدرات هذه، وتعتبر منطقة البقاع هي مزرعة المخدرات الرئيسة التي ورثها الحزب «الإلهي» الذي يدير ويحمي مزارع ومصانع المخدرات، أما المصدر الثالث، وهو الأكبر والأخطر، وهو عشرات الآلاف ممن أرسلهم الحزب للعمل، وكذلك لتأسيس أعمال تجارية في الخليج تمول الحزب في النهاية، ما يجعلنا نمول إرهاب «حزب الله» الموجه ضدنا على حسابنا، وكأننا ندفع بأنفسنا كلفة الصواريخ التي تضرب مدننا والخلايا الإرهابية ومخازن السلاح الهائلة التي اكتشفت في الكويت والبحرين. يتبع حزب الله تكتيك التخويف بأن أي رد عليه في أي وقت تنكشف فيه أعمال إرهابية جديدة سيشتعل سيناريو «يوم القيامة» ويخرب لبنان والمنطقة، لينجو من العقوبات الدولية والإقليمية، كذلك أن أي ضغط سيؤجج مخاوف الغرب على الوجود المسيحي وحكم «المسيحية السياسية» للبنان القائم على حراب الشيعية السياسية المسلحة، وتعاونه في ذلك جبهات إعلامية فعالة في الشرق الأوسط والغرب، وينجح في إجهاض أية عقوبات عربية أو أميركية، أو إفراغها من محتواها، معتمداً سياسة «حافة الهاوية» في شكل دائم. أخيراً بدأ مسؤولو التحالف المشؤوم في اللعب بالأوراق الأكثر حساسية لدى الغرب الآن، وهما ورقتا الإرهاب والهجرة، بمعنى أن أية عقوبات على لبنان ستؤدي حتماً إلى إغراق أوروبا بالإرهابيين، وانفلات وضع ملايين من المهاجرين السوريين في المنطقة، ما سيغرق أوروبا بالمهاجرين غير الشرعيين ويعمق أزماتها الداخلية. شخصياً، أعتقد أن قوة «حزب الله» وحلفائه قائمة على ضعف القرار الغربي وتضخيم مخاوفنا؛ فحزب الله يمسك بالدولة اللبنانية رهينة، ويهدد بإغراقها إذا ما أحس هو بقرب الغرق، ولا أرى داعياً للسقوط في فخ أوهام يخلقها الحزب عن نتائج أية عقوبات، لأن الحزب الإرهابي وحليفه التيار الوطني الحر هما الأكثر تعرضاً للخسارة إذا إنهار لبنان، وبالتحديد للأسباب التالية: أولاً: أن التيار المسيحي المتحالف مع حزب الله يقوده الرئيس ميشيل عون، وهو جنرال سابق مسيحي متشدد، رفض اتفاق الطائف، وهرب إلى فرنسا بعد هزيمته العسكرية أمام الجيش السوري، وقد كنت أستمع إليه شخصياً، في ذلك الوقت، يتحدث إلى أتباعه في غرف «بالتوك» ويتكلم بوصفه جنرالاً متطرفاً ضد حزب الله وسورية والمشروع الفارسي في لبنان، معبراً عن خوفه على لبنان والمسيحيين، ويتكلم بلغة آمرة، وبلغة فرنسية أحياناً، متقمصاً دور الجنرال الفرنسي نابليون بونابارت، وشخصية بتطرف نابُل-عُون لا يمكن أن يسلم زمام لبنان لحزب الله كما يبدو في الظاهر، بل له شروط خفية لن تسمح لحزب الله بالذهاب بعيداً في تدمير الدولة اللبنانية، ولكن فقط بشرط أن يحس نابل-عون في شكل ملموس أن سياسات حزب الله والمواجهات التي يجر لبنان إليها جلبت مصاعب اقتصادية هائلة ستؤدي إلى هجرة كبيرة تفرغ لبنان من المسيحيين، وبخاصة أتباعه، عندها فقط سيتحرك نابل-عون لتقييد شريكه الإرهابي، ولكنه لن يفعل شيئاً مادامت هناك قناعة بأن تخويف العالم باستقرار لبنان سيردع أية عقوبات، وبالتالي لن يجد مشكلة في استمرار التحالف المشؤوم الذي وفر الغطاء المسيحي لسلاح حزب الله المشروط بعدم تضرر المسيحيين، بل تمكينهم من استعادة حكم لبنان على حراب شيعة الولي الفقيه هذه المرة، وفق منظومة «تحالف الأقليات»، الذي توصل إليه الطرفان. ثانياً: حدوث مضاعفات اقتصادية كبيرة للبيئة الشيعية الحاضنة سيدفع قطعاً بمزيد من الانشقاقات داخل هذه الحاضنة، التي تسير كالمسحورة خلف نصر الله، ودفعت ثمناً باهظاً، ولكنه غير كاف، في حروبه مع إسرائيل وسورية واليمن، بالتالي لا بد من الضغط بشدة في هذا الاتجاه تحديداً بسبب صغر حجم الحاضنة ومحدودية قدرتها على تحمل مزيد من الخسائر. ثالثاً: رغبة الحزب في تجنب الصدام مع المسيحيين المعارضين لحزب الله، والذين يشكلون تيارات قوية، من ضمنها الكنسية المارونية، القريبة عقائدياً وسياسياً من الفاتيكان، المرجع الروحي لغالبية مسيحيي العالم، وليس من مصلحة حزب الله تصعيد الأزمة معهم وتحمل تهمة إحداث هزات اقتصادية وسياسية عنيفة تبدد الوجود المسيحي في المشرق، وبخاصة أن حزب الله يمثل دور حامي المسيحيين، ولا بد من نزع هذا الدور منه، وإظهار أن سياساته ومغامراته هي الطاردة للوجود المسيحي؛ بجرهم إلى صراع مع المحيط المجاور، ما يجعل قرار السعودية بدعوة البطريرك الماروني إلى السعودية خطوة ممتازة لا بد من البناء عليها، عبر إقامة علاقات إيجابية مع الكنسية المارونية، لتوسيع التحالف مع مسيحيي الشرق و«العامل الكاثوليكي» لضرب حزب الله بالسلاح ذاته الذي يستخدمه. رابعاً: الدولة اللبنانية هي المظلة التي يختبئ تحتها حزب الله، ولن يخاطر بتخريبها، وبالتالي فتهديده للدولة في حال إيقاع عقوبات عليه مبالغ فيه. خامساً: التدهور الاقتصادي المستمر سيؤدي الى تصعيد مواجهته الدائمة مع السنة والدروز، سواء المعادين له أم حتى الشخصيات السنية التي تؤيده، والتي يسعى إلى الحفاظ عليها، ليظهر بدور الحزب المقاوم غير الطائفي. سادساً: يجب إرسال رسائل واضحة بأن تجنّب الحرب الأهلية مسؤولية الجميع وليس السنة فقط وحلفاؤهم والدول العربية، بينما يغامر حزب الله بالبلد بتواطؤ أو صمت من حلفائه الذين يراهنون على عدم حدوث رد فعل دولي أو إقليمي عليه، لأن أخطار اندلاع حرب أهلية ثانية سيعطل المشاريع الإقليمية للحزب، وهو ما سيسعى قطعاً إلى تجنبه لو اقترب الخطر، وكذلك إشعاره بأننا لن نخاف على لبنان أكثر من اللبنانيين. سابعاً: 16 عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية السابقة لم تؤدِّ إلى فوضى وتخريب المنطقة كما يخيفوننا، بل تخريب لبنان نفسه ولا خوف على المنطقة، وبالتالي فعلى حزب الله وحلفائه وقف ابتزاز العالم. إيران تحاصر خصومها في لبنان وتهجرهم وتقتلهم، والأمثلة كثيرة، أما نحن فعلينا السكوت، بل دفع كلفة الصواريخ التي تضرب بلادنا وتحملها دفاعاً عن أمن حزب الله وسيطرته هو وعصابته وحلفائه على لبنان. لا تخافوا عقوبات على لبنان، لأن حزب الله لن يدمره، بشرط تجنب فرض عقوبات شاملة عشوائية، بل عقوبات ذكية تستهدف مفاصل التيارين الاقتصادية والإعلامية. * باحث في الشؤون الدولية.
مشاركة :