بين التطرف والتشدد الإسلامي والصهيوني

  • 2/15/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يذكر (الدكتور جعفر شيخ إدريس) أن أول صدمة وقعت له في مواجهته للتشدد والتعصب العنصري، أنه ناقش أحد الشباب الأميركان، وكانوا جميعاً طلاب دراسات عليا في جامعة لندن، ناقشه في مسألة فلسفية فيها شيء من التعقيد، ففاجأه في نهاية المناقشة بأن قال له: أحب أن أعترف لك بشيء، قال له: ما هو؟ قال: لم أكن أظن أن أناساً من أمثالكم يمكن أن يكون لهم مثل هذا الفكر! وبناءً على الموقف السابق، فإن الخبرات المتراكمة تدلنا على أن المعتدلين في الناس قليل، وأن لدينا نحن البشر نزوعاً قوياً إلى الغلو والتشدد والتطرف والتعصب، وأن الاعتدال والتوسط من الأمور التي تحتاج إلى تشغيل الذهن ومجاهدة النفس في آن واحد. وليس بعيداً عن الواقع قول من يقول: إن التطرف جزء من التراث "الجيني" للإنسان، فالوقائع على الأرض تشير إلى هذا؛ إذ إن من الواضح أن إمساكنا بنصاب التوسط والاعتدال دائماً ضعيف، كما يؤكد ذلك الدكتور عبدالكريم بكار. وأن التشدد في التربية قد يخرج من فتى ما إنساناً عصامياً، لكنه قد يكون مدمراً للبنية النفسية لفتى آخر. والتشدد والتعصب حين يطول أمده، فإنه يؤثر في الشخصية تأثيراً بالغاً، إنه يصبح عبارة عن مصنع "للنظارات" التي يرى المتعصب الأشياء من خلالها. وحين تنتشر الفضائع لا يبقى شيء مقدس أو محرم، وهذا في الحقيقة هو أسوأ ما يحدثه التطرف والتعصب والغلو والتشدد من تخريب في البيئة الأخلاقية للمجتمع، وقد يشوه إدراك جيل جديد إذا طال أمده. إن أقسام التطرف ـ كما يصنفها د. بكارـ ثلاثة: تطرف فكري، وتطرف شعوري، وتطرف سلوكي، وأظن أن التطرف الفكري هو أساس كل تطرف؛ لأن الفكر هو دليل السلوك، ومصدر تسويغه والبرهنة على مشروعيته، وبما أن المشاعر عمياء، فإن الأفكار هي التي تقودها في سبل الاعتدال أو التطرف. إن التطرف حركة باطنية نفسية أو عقلية أو هما معاً، بمعنى اقتناع النفس الإنسانية بعقيدة أو بفكرة إلى مستوى الفيض، وهو في حد ذاته نوع من العجز عن رؤية الجوانب الأخرى من الفكرة الواحدة، بحيث يتراءى للمتطرف أن الزاوية التي يرى منها هي الزاوية الوحيدة للنظر، وأن كل ما سواها باطل. والتعصب يقوم على "الاختصار" المخل و"التعميم" المجحف، أي هو مولود لأبوين غير شرعيين؛ ولذا فإنه مذموم بمعايير الشرع والمنطق والإنسانية. بينما الوسطية الإسلامية قد تكون نقطة بين طرفين يتسمان بالتطرف، ولكنها تظل مع هذا رؤية متماسكة متكاملة لها مرجعية نهائية ثابتة. والتاريخ والوقائع والأحداث تخبرنا أن هناك متشددين صهاينة بل متطرفون، مثلهم مثل غيرهم، ولهم أحزابهم ومنظماتهم وجمعياتهم المعترف بها من دولتهم، وسياسة هؤلاء المتطرفين الصهاينة وتوجهاتهم تتناغم مع سياسة دولتهم وتوجهاتها، بل يتبادلون الأدوار مع حكومتهم، فيعارضون أو يتظاهرون عندما يرون أن من مصلحة اليهود القيام بذلك، ويتراجعون ويخفت صوتهم عندما يتطلب الأمر أيضاً مصلحة اليهود. وهؤلاء المتشددون والمتطرفون الصهاينة، يشاركون في جميع الدورات الانتخابية، ويحصلون على مراكز متقدمة، والمجتمع الإسرائيلي بيئة حاضنة لهم، وليس بينهم وبين مجتمعهم صراعات، إلا ما نراه من تنافس أيام الانتخابات التي لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الصراع والعنف. كل هذا التناغم رغم وجود عوامل الاختلاف والفرقة بينهم، من اختلاف العرقيات واختلاف اللغة والثقافة والطائفة... إلخ، إلا أن مصلحة اليهود هي الجامع الأكبر لهم. بالمقابل وعلى العكس من ذلك نجد أن التشدد والتطرف في الطرف الإسلامي الذي بلغ ذروته في السنوات الأخيرة يدمِّر الإسلام كدين، ويدمِّر المجتمع الإسلامي كمجتمع وكحضارة، فهؤلاء المتطرفون والمتشددون، يرفضون المجتمع، والمجتمع يرفضهم، والحكومات لا تقبل بوجودهم، وهم يقوضون وجود الحكومات في بلدانهم، أحياناً تستخدمهم الحكومات لابتزاز الخارج، وأحياناً يستخدمهم الخارج لابتزاز الحكومات، ومسوغاً للتدخل في هذه البلدان، يفجِّرون الإسلام من داخله، ويقتلون المسلمين قبل أن يقتلوا غيرهم، أضعفوا بلدانهم، وكانوا أحد الأسباب لتدخل أعدائهم، بل وصل الحال بالأعداء أن يستخدموهم عن طريق اختراقهم (مخابراتياً) لضرب بعضهم بعضاً كطوائف أو مذاهب. ورغم موقف الإسلام الحازم من التشدد والتطرف وتأسيسه للوسطية والاعتدال، فإن هؤلاء المتطرفين لم يبقوا حرمة لدين أو عقل أو رحم أو قرابة أو حتى إنسانية، وليتهم أخذوا درساً عملياً من المتشددين والمتطرفين الصهاينة، في خدمة دينهم ووطنهم، والسيطرة على التطرف حتى لا يدمِّر المجتمع، بالمقابل ليت الحكومات العربية والإسلامية استفادت درساً عملياً من الحكومة الصهيونية في الاستفادة من هذا التشدد في تبادل الأدوار بين (الصقور والحمائم) كما يقولون. وعلى الرغم من أن الصهيونية وفق تصور الدكتور المسيري، ليست جزءاً من اليهودية، وإنما هي تجلٍ إمبريالي للعلمانية الشاملة. فإن تاريخ الصهيونية هو تاريخ تلاعب بالألفاظ (الأرض مقابل السلام)، (الأرض مقابل الأمن)، (السلام مقابل الأمن).... والبقية تأتي. ومشكلة المسلمين مع الصهاينة عامة، والصهاينة على وجه الخصوص، هي في الأصل مسألة إرادة ومسألة ترتيب للأولويات، وليست مسألة قدرات وإمكانات، كما يؤكد ذلك بعض الكتاب والمفكرين. إن الفكرة الواحدة ــ كما يؤكد القاضي المفكر د. طارق البشري ــ يتغير وصفها ومؤدَّاها من حيث التطرف أو الاعتدال بتغير الظرف الذي تعمل فيه؛ لأن الحكم يتعلق في صميمه بمدى الملاءمة مع واقع الحال، وأن وجهي التطرف والاعتدال قد يكونان نافعين في الظرف التاريخي الواحد، وذلك إذا توجه كل منهما إلى ما يُسِّرَ له. وفي السياسة يتوقف النجاح على حسن إعمال كل من سلاحي التشدد والتهاون، كل في مجاله وظرفه. وقد أدرك الصهاينة ذلك أيَّما إدراك، حتى إن أحد السياسيين الصهاينة قد لخَّص الدبلوماسية الصهيونية والدعوة للسلام بقوله: "إن تطرح على عدوِّك دعوة للسلام، بشروط تعلم مسبقاً أنه لا يمكنه القبول بها، فإن رفض تستعدي العالم ضده قائلاً: "أنظروا إنهم يرفضون السلام"! فلماذا لا نلجأ نحن ـ كمسلمين ـ لمثل هذه الأساليب؟ كما يتساءل الدكتور المسيري. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :