عزّز العلماء على الأرجح فهمنا آليات الدماغ التي تقف وراء داء الزهايمر باكتشافاتهم العملية التي تسبق تراكم البروتينات السامة الذي يميّز هذه الحالة. في دراسة على الفئران، كشف باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا كيفية تسبب التلف الذي يلحق بخلايا تُدعى الخلايا الحوطية باعتلال المادة البيضاء المرتبط بالخرف. تشير هذه الدراسة أيضاً إلى أن هذه التبدلات في الدماغ قد تحدث في سن مبكرة تصل إلى الأربعين. يتسم «اعتلال المادة البيضاء في الدماغ» بتنكس المادة البيضاء، وهي نسيج في الدماغ يحتوي على ألياف عصبية تتألف من بنى شبيهة بالخيوط تنقل الإشارات العصبية من الخلايا العصبية أو العصبونات إلى أجزاء أخرى من الجسم. عند الإصابة باعتلال المادة البيضاء، تتعرّض هذه الألياف العصبية للتلف، ما يؤدي إلى مشاكل في الذاكرة، والتفكير، والتوازن. يذكر بيريسلاف زلوكوفيك، باحث بارز أسهم في وضع تقرير الدراسة من كلية كيك للطب في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن اعتلال المادة البيضاء شائع بين المسنين وأن البحوث ربطت هذه الحالة بداء الأوعية الصغيرة الدماغي، الذي يسهم، حسبما يعتقدون، {في نحو 50% من حالات الخرف حول العالم، بما فيها الزهايمر}. لكن الآليات المحددة التي يؤدي من خلالها اعتلال المادة البيضاء إلى الخرف ظلت مبهمة. إلا أن دراسة جديدة من زلوكوفيك وزملائه تسلّط عليها بعض الضوء. نشر الباحثون ما توصلوا إليه أخيراً في مجلة {الطب الطبيعي}. الخلايا الحوطية وصحة المادة البيضاء ركّزت الدراسة على دور الخلايا الحوطية التي تبطن جدران الأوعية الدموية الأصغر في الجسم. أولاً، نفّذ الفريق تحليل ما بعد الوفاة لأدمغة أناس عانوا الزهايمر، وقارنوها بأدمغة بالغين أصحاء. اكتشف الباحثون أن أدمغة مرضى الزهايمر ضمّت خلايا حوطية أقل بنسبة 50% مقارنة بأدمغة الأصحاء، فضلاً عن أن معدلات بروتين يُدعى فيبرينوجين (بروتين ينتقل في مجرى الدم ويسهم في شفاء الجروح) ارتفعت بنحو ثلاثة أضعاف في مناطق المادة البيضاء. استخدم الباحثون أيضاً التصوير بالرنين المغناطيسي لدراسة نماذج فئران تعاني نقصاً في الخلايا الحوطية. فتبين لهم أن هذه الخلايا تؤدي دوراً رئيساً في صحة المادة البيضاء. عندما كانت الفئران التي تعاني نقص الخلايا الحوطية في أسبوعها الثاني عشر إلى السادس عشر (ما يُعادل تقريباً الأربعين في سن الإنسان)، اتضح أن معدلاتها من الفيبرينوجين أعلى بنحو 10 أضعاف في الجسم الثفني، وهو جزء من الدماغ يؤدي دوراً في نقل البيانات المعرفية والحسية من منطقة في الدماغ إلى أخرى. بين أسبوعها السادس والثلاثين والثامن والأربعين (ما يُعادل السبعين في سن الإنسان)، أعربت الفئران التي تعاني نقصاً في الخلايا الحوطية عن زيادة بنسبة 50% في ارتشاح الأوعية الدموية، وفق الفريق. توضح أنجيليكي ماريا نيكولاكوبولو، باحثة أسهمت في الإشراف على الدراسة من معهد زيلخا للأمراض العصبية الوراثية في كلية كيك للطب: {تشير مراقباتنا إلى أن تدفق الدم في الدماغ يبدأ بالتراجع على غرار مصرف ماء يزداد انسداداً تدريجياً، عندما تتضرر الخلايا الحوطية}. البدايات في الجزء التالي من الدراسة، قيّم الفريق سرعة ركض هذه القوارض باستخدام اختبار العجلة. عندما بلغت الفئران أسبوعها الثاني عشر إلى السادس عشر، تبين أن تلك التي تعاني نقص الخلايا الحوطية أبطأ بنحو 50% مقارنة بمجموعة الضبط. {كانت الفئران التي تعاني نقص الخلايا الحوطية أكثر بطئاً لأنها تواجه تبدلات بنيوية في مادتها البيضاء، فضلاً عن خسارة الروابط بين الخلايا العصبية}، وفق زلوكوفيك. للتثبت من هذه النظرية من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي، اكتشف الباحثون أن الفئران التي تعاني نقصاً في الخلايا الحوطية أعربت في أسبوعها الثاني عشر إلى السادس عشر عن تبدلات بنيوية في المادة البيضاء. يوضح أكسل مونتانيو، باحث شارك في الإشراف على الدراسة من معهد زيلخا للأمراض الوراثية العصبية: «تكون الخلايا الحوطية مهددة في مرحلة باكرة. يمكننا تشبيه هذه الحالة بالشعر الذي يسد مصرف الماء بمرور الوقت. عندما ينسد المصرف بالكامل، تبدأ التشققات بالظهور في الأنابيب أو أوعية الدماغ الدموية. نتيجة لذلك، تُصاب المادة البيضاء بالوهن وتختل الروابط في الدماغ. وهكذا يبدأ الخرف». يضيف مونتانيو أن هذه الاكتشافات تشير في حالة البشر إلى أن اعتلال المادة البيضاء قد يبدأ في سن الأربعين. يتابع زلوكوفيك: {ركّز علماء كثيرون بحوث مرض الزهايمر على تراكم بروتينَي الأميلويد والتو السامين في الدماغ، إلا أن هذه الدراسة وغيرها في مختبري تُظهر أن هذه المشكلة تبدأ في وقت أبكر مع ارتشاح الأوعية الدموية في الدماغ}. عندما استخدم الباحثون مركباً يحد من معدلات الفيبرينوجين في دم القوارض وأدمغتها، اكتشفوا أن حجم المادة البيضاء تجدد بنسبة 90% في حين تجددت وصلات المادة البيضاء بنسبة 80%. يعتقد الباحثون أن هذه الاكتشافات تشير إلى الفيبرينوجين بصفته الهدف لتفادي هذه الحالة التي تسبق الخرف. لكن العلماء ما زالوا بحاجة إلى مزيد من الدراسات بغية تحديد الإستراتيجية الأفضل. يختم زلوكوفيك: {علينا تحديد أفضل مقاربة. قد يكون التركيز على تعزيز سلامة الحاجز الدموي-الدماغي أنسب حل لأننا نعجز عن إزالة الفيبرينوجين من دم الإنسان، فهذا البروتين ضروري للدم، مع أنه سام للدماغ}.
مشاركة :