سوق القيصرية.. ملتقى الحرفيين في الأحساء

  • 2/16/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الأحساء: راشد النعيمي وسط مدينة الهفوف القديمة في منطقة الأحساء بالمملكة العربية السعودية، يقع سوق القيصرية، أقدم الأسواق الشعبية في الخليج العربي، بما لها من تاريخ يُناهز الستة قرون، وحكايتها الخاصة حيث كانت ذا أهمية اجتماعية، اقتصادية، وملتقى للحرف اليدوية التقليدية، كصناعة المنسوجات، والبشوت، والسيوف، والخناجر، والنحاسيات، والجلديات، وسبك المعادن، وصناعة الدلال، وصنع ركائب الإبل والجياد، وبيع الملابس المصنوعة يدوياً، إضافة إلى محال العطارة، والأعشاب، والأدوية الشعبية، وتجارة التمور، أضف إلى ذلك جمال واختلاف طراز المباني في ذلك المكان، الذي جعلها معلماً سياحياً يقصده الزوار لاعتباره إرثاً تاريخياً، وعمرانياً فريداً من نوعه.السوق بالاسم والرسم تشكلت في العهد العثماني عام 1822م والتي هي عبارة عن صفوف من المحال الصغيرة، والمتقاربة تقع في ممرات مُغلقة، ومسقوفة وفق الطراز المعمول به في تركيا، وبلاد الشام، والعراق قديماً. ثم أخذت شكلها، وهويتها النهائية في عهد الملك عبدالعزيز، رحمه الله، حيث بُنيت السوق وفق الطراز المعماري لمنطقة الأحساء.السوق تصطف فيه أكثر من 400 دكان، على مساحة تُقدر ب 15ألف متر مربع، تتوزع المحال بين جزأين رئيسيين، أحدهما الجزء الأكبر ويمتد بين شارعي الخباز والحدادين، والثاني بين شارع الحدادين، وسوق الحريم(البدو)، وبذلك تعد القيصرية أكبر سوق مسقوف في المملكة، والخليج العربي. كذلك الأعمدة والأبواب الخشبية المقسمة لثلاث قِطع، والتي يُعلق عليها الباعة بضاعتهم، من التمور الأحسائية الشهيرة. كما تضم السوق محال العطارة، التي تبيع الحلبة، والسدر، والجريش، وحبة البركة(السويدة). كما تجدها مُفعمة بروائح البخور، والأعشاب، بجانب توفر الأرز الأحسائي المعطر المعروف عنه أن فيه قيمة غذائية عالية، والعديد من المنتجات التقليدية التي لا توجد إلا في هذا السوق. بجانب الحناء، والتوابل، والعطور، والبشوت، والأزياء الأحسائية، أيضاً يوجد في نهاية سوق القيصرية طبيب شعبي مشهور بعمل الحجامة، وعلى الجانب الآخر توجد قهوة السيد التراثي.قبل ستة عشر عاماً، أي في عام 2001 شب حريق هائل في هذه السوق التهم أكثر من 90% منها، ورغم ذلك بقيت بعد أطلاله تحكي حكايا الماضي، وأسراره. وفي أواخر عام 2013 افتتحت أمانة منطقة الأحساء السوق مرة أخرى بشكل كامل بعد 12 عاماً من اندلاع الحريق فيه. حيث أنها ظهرت بطابع عصري من دون المساس بهويتها الأصلية. حيث تم بناؤها بالمواد المستخدمة سابقاً، كما أضيفت لها بوابة مركزية لاستقبال ضيوف السوق.وفي عام 2013 افتتحت أمانة مدينة الأحساء سوق القيصرية الجديدة في مكانها القديم ذاته، في حي الرفعة، في مدينة الهفوف. وقد كان للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدور الكبير في الحفاظ على الطابع المعماري للسوق التاريخية، بوقوف رئيس الهيئة الأمير سلطان بن سلمان واهتمامه، بأن تظهر السوق بطابع عصري من دون المساس بهويتها الأصيلة، فظهرت بلمسة جمالية أخّاذة، حيث تم بناؤها بالمواد المستخدمة سابقًا، كما أُضيفت لها بوابة مركزية لاستقبال ضيوف السوق التي ضمت 420 دكانًا هي في الأصل كانت لأصحابها أنفسهم قبل الحريق الشهير.القيصرية لها شهرتها الكبيرة عند أهل الخليج، فهم يعرفونها منذ القدم، لأنها حتى السبعينات من القرن الماضي الميلادي كانت مقصداً لهم لتموين الأسواق الخليجية من الأرز، والتمور حيث تُعد الأحساء أكبر واحة في العالم لزراعة النخيل، والكثير من منتجاتها الخاصة، أو حتى التي كانت تُباع في السوق أو المستوردة من الهند والبحرين، وغيرها. ويتوافد على السوق زوار من مختلف مناطق المملكة.وأشار المؤرخ الشيخ جواد الرمضان، إلى أن إنشاء سوق القيصرية بمدينة الهفوف تم في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، مرجحاً أن يكون ذلك تم في سنة 1334ه هو التاريخ الذي شهد إنشاء السوق، وبين أن إنشاء القيصرية تم بمساهمة من الدولة وآل القصيبي وآل العجاجي، وبين أن مكان القيصرية في عهد العثمانيين وحتى العشرينات الهجرية كان عبارة عن دكاكين متفرقة، فيما كان موقع القيصرية الحالي عبارة عن طريق وسوق كبيرة.أما المهندس عبدالله بن عبدالمحسن الشايب مدير فرع جمعية علوم العمران بالأحساء، وأحد المهتمين بالتراث، فأشار في كتابه «سوق القيصرية» إلى أن سوق القيصرية موجودة من نحو ستة قرون مع تاريخ وجود الاستيطان حولها، ومن ثم إنشاء مدينة الهفوف، إلا أنه من المؤكد أن هذه السوق قائمة في القرن التاسع عشر لذكر الرحالة له في مذكراتهم ولوجود وثائق تدل على ذلك.يشير المؤرخ الشيخ جواد إلى أن أبواب القيصرية تسمى (كبنك) وتتألف من 3 قطع، قطعتان يجلس عليها صاحب الدكان، ويضع فيها (القفة) المصنوعة من جريد النخل، ويضع فيها الأرز، والقهوة، ويضيف أن هذا النوع من الأبواب كان تتميز به قيصرية الأحساء من دون سواها من القيصريات المنتشرة في الخليج.وشكلت القيصرية إرثاً تقليدياً للثقافة بوجود الحرف المهنية ومنتجاتها، كما تشكل (حتى بالمقاييس الحديثة) بيئة عمرانية تسويقية لضخامة المبنى وتشعباته، كما يمثل نموذجاً فريداً على مستوى الجزيرة العربية من حيث التصميم المعماري.

مشاركة :