تقاطعت تقارير تقدير الموقف المالي للحرس الثوري الإيراني، وخلصت إلى تنامي رؤوس أمواله، لا سيما في إطار هيمنته على مؤسسات مالية، وأرباح شركات عملاقة داخل وخارج إيران، فضلًا عن حصول المؤسسة التي تعد جناحًا عسكريًّا للمرشد الإيراني علي خامنئي، على مخصصات مالية ضخمة، كان لها بالغ الأثر في غليان الشارع الإيراني، وانقلابه على النظام. ورغم بيانات إيران الرسمية التي تزعم تقاضي قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني راتبًا شهريًّا لا يتجاوز 1250 دولارًا، فإن الواقع -بحسب معلومات نشرتها صحيفة "كلكاليست" الاقتصادية- يشي بأن قاسمي ورفاقه في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والمسؤول عن العمليات المسلحة خارج الدولة الفارسية، لا سيما سوريا ولبنان واليمن؛ يهيمنون على ثروة مالية هائلة، تأتي في طليعتها حسابات مصرفية تصل إلى مليارات الدولارات في مصارف آسيوية، بما في ذلك مصارف في كوريا الجنوبية، وماليزيا، ودول الاتحاد السوفييتي السابق. ووصلت تلك المؤشرات إلى أقصى مداها الشهر الماضي، حينما واجه فيلق القدس انتقادات داخلية، أعطت دليلًا جديدًا على انقسام مؤسسة الحكم الإيرانية من الداخل، لا سيما في ظل اعتبار الامتيازات المالية التي يحصل عليها الفيلق ذاته "سفهًا وتبذيرًا لموارد الدولة". ورأت دوائر الانتقادات الإيرانية أن تنامي نفوذ الحرس الثوري وتصاعد قوته الاقتصادية داخل وخارج البلاد؛ باتت المسؤول الأول والأخير عن ثورة الشباب الإيراني، خاصةً أن مسؤولي تلك المؤسسة وذويهم يحصلون على كافة الامتيازات، فيما يعاني الشعب فقرًا وفاقة غير مسبوقة. ولعل تلك الانتقادات، والشعور بخطر الإطاحة بالنظام، كانت سببًا رئيسيًّا في دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني، قادة الحرس الثوري إلى تجريد المؤسسة من ممتلكاتها المالية، والتنازل عنها لصالح إنعاش اقتصاد البلاد. وفي إطار محاولة النظام الإيراني التصالح مع الشباب الثائر، زعمت وسائل الإعلام الرسمية في طهران، أن راتب الجنرال قائد فيلق القدس والشخصية القيادية الأبرز في الحرس الثوري، لا يزيد عن 1250 دولارًا شهريًّا، لكن تلك البيانات لم تتطرق عمدًا إلى إدارة فيلق القدس ذاته عمليات مالية تهدف في المقام الأول إلى مضاعفة أموال الحرس الثوري. وقال تقرير الصحيفة الاقتصادية إن فيلق القدس يعتمد في عملياته على تجارة وتهريب السلاح والمخدرات، والاستثمار في صفقات متنوعة على مستوى العالم عبر مؤسسات مالية مختلفة. وتدر تلك الصفقات مليارات الدولارات في العام الواحد؛ فخلال السنوات الماضية، وحينما كانت إيران تدعي المعاناة من عقوبات اقتصادية دولية خانقة؛ عمل فيلق القدس على الالتفاف على تلك العقوبات، وتعويض طهران عبر صفقاته غير المشروعة في مختلف دول العالم. وبجانب صفقاته، يستحوذ فيلق القدس على مخصصات مالية هائلة من السلطات الإيرانية، حتى إن جانبًا كبيرًا من تلك المخصصات يأتي مباشرة من مكتب المرشد العام علي خامنئي، بالإضافة إلى مصادقة البرلمان الإيراني قبل فترة ليست بالبعيدة على تخصيص ميزانية للفيلق بلغت 600 مليون دولار. ورغم أن البرلمان الإيراني صادق على هذا المبلغ المُعلن بالإجماع، فإن تقارير المعارضة الإيرانية أكدت في المقابل أن ميزانية فيلق القدس تربو سنويًّا عن 5 مليارات دولار، لا سيما أنه ظل ضالعًا لسنوات بعمليات تطوير البرنامج النووي العسكري الإيراني، كما لعب دورًا قياديًّا في تهريب مكونات حيوية للبرنامج ذاته من الخارج إلى الداخل الإيراني. وتشير معطيات التقرير الموثق إلى أن النظام الإيراني دفع لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني خلال السنوات السبع الماضية 20 مليار دولار على خلفية الضلوع بالمعارك الجارية في سوريا والعراق. ونقل التقرير عن دوائر وصفها بغير الرسمية في طهران، أن تلك الأموال لم تقتصر على تمويل عمليات الحرس الثوري في هاتين البلدين فقط، بل حصلت عائلات عناصر الحرس الثوري على النصيب الأكبر منها، بعد أن فقدوا أبناءهم في المعارك الضارية، كما حصل المصابون على نصيب كبير. يُضاف إلى تلك المعلومات تفاصيل أخرى سبق أن أدرجتها إدارة أوباما في تقارير المتابعة والرقابة المالية، إلا أن أوباما غض الطرف عنها لتمرير الاتفاق النووي مع الدولة الفارسية. ومن تلك التفاصيل، امتلاك الحرس الثوري الإيراني شركة "بترو سينا آريا"، التي تدير حسابًا مصرفيًّا بمليار دولار في أحد مصارف عاصمة كوريا الجنوبية سول. ووفقًا للمعلومات، أقيمت الشركة التي يدور الحديث عنها عام 2010، بعد إدراج الأمم المتحدة 6 شركات أخرى تابعة للحرس الثوري في قائمة العقوبات الاقتصادية. وهدفت تلك العمليات في حينه إلى الابتعاد عن عرقلة عمليات الرقابة والتعقب المالي التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لأموال وشركات الحرس الثوري الإيراني.
مشاركة :