في عمق الصحراء الموريتانية المترامية الأطراف، يقبع تكوين جيولوجي مدهش في شكله ومنظره العام، الذي يشبه العين البشرية، وهو ما جعل المستكشفين يطلقون عليه عين الصحراء، في حين أطلق عليه بعض رواد الفضاء عين الأرض، وذلك حين تبدى لهم من ارتفاعات شاهقة، وكأنه عين تنظر من خلالها الأرض نحو السماء. يوجد هذا التكوين الغريب بالقرب من مدينة ودان الأثرية في شمال شرقي موريتانيا، وهو عبارة عن حفرة دائرية من الصخور، متموضعة بشكل شبه منتظم، يبلغ قطرها حوالي 35 كيلو متراً. وعرفت عند السكان المحليين باسم «قلب الريشات»، وهي تعتبر في الوقت الحالي من أشهر المعالم الجيولوجية في أفريقيا وأكثرها غموضاً، ويعود الفضل في اكتشافها للباحث الفرنسي «تيودور مونو»، الذي عثر عليها في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكتب ونشر عنها. ومنذ ذلك الحين، استقطبت اهتمام علماء الجيولوجيا من جميع أنحاء العالم، وتوافدت إليها البعثات العلمية، رغبة في فك طلاسمها والوقوف على أسباب تشكلها. دراسات ومن أشهر من درسوها بشكل معمق، الباحث الكندي غيوم ماتون، الذي جعلها موضوعاً لأطروحته في الدكتوراه عام 2008، حيث أخذ هذا الباحث أكثر من 100 عيّنة صخرية من المكان، وقام بدراستها، واستنتج أنها تكونت منذ 90 مليون سنة، نتيجة ارتفاع الصهارة أو «الماغما» من باطن الأرض نحو السطح، فتشكلت على إثر ذلك قبة جيولوجية ضخمة من الصخور النارية، وعندما تراجعت الصهارة، انهارت هذه القبة على نفسها، واتخذت الصخور شكل حفر دائرية على السطح. لكن الباحث الموريتاني عبد الله ولد بلال، الذي يشغل المدير المساعد للمكتب الموريتاني للبحث الجيولوجي، يقول إن الجدل لم يحسم بعد حول سبب نشوء عين الصحراء، مضيفاً إن هناك نظريات عدة، تحاول تقديم تفسير علمي مقبول، ومن أقدمها، النظرية التي ترى أنها تشكلت بفعل سقوط نيزك فضائي على تلك المنطقة، نتج عنه ظهور دوائر بيضاوية ذات صخور رسوبية. إلا أن دراسات لاحقة، فنّدت هذا الطرح، بسبب غياب أي دليل على تشوه في الصخور، يشير إلى أنه ناتج عن اصطدام جسم غير أرضي. فيما تقول نظريات أخرى أحدث، أن سبب هذه التكوينات، يرجع إلى انفجار بركاني نتج عنه تشكل طبقات مختلفة من صخور رسوبية ونارية متحولة، دَفعتها المواد المنصهرة تحت الأرض إلى أعلى، مكونة دوائر. بعثات علمية ويؤكد الباحث عبد الله ولد بلال، أن المكتب يعير اهتماماً كبيراً لدراسة عين الصحراء، أو قلب الريشات، كما يعرف على نطاق واسع في موريتانيا، وهو يرسل بشكل منتظم، بعثات علمية لجمع المعلومات وتعميق البحث وكشف المزيد من خبايا هذا اللغز، مضيفاً أن هناك احتمال وجود مؤشرات قوية، على أن الموقع يحتوي على كميات كبيرة من الماس، وربما معادن أخرى ثمينة. ورغم التهديدات الأمنية التي عاشتها مناطق شرقي موريتانيا خلال السنوات الماضية، بفعل التنظيمات الجهادية المنتشرة في دولة مالي المجاورة، ظل هذا المعلم الجيولوجي قبلة للسياح والباحثين العلميين الذين لم تثنيهم صعوبة التضاريس ووعورة الطريق المؤدية إليه.
مشاركة :