يستعد المتحف الفلسطيني في بيرزيت لإطلاق معرضه القبل «غزْل العروق: عين جديدة على التطريز الفلسطيني»، في 18 آذار (مارس) المقبل، ويستمر حتى 25 آب (أغسطس) 2018. في سياق تاريخ حافل من البحوث والمعارض والفعاليات التي تناولت التطريز الفلسطيني، يأتي معرض «غزْل العروق» مختلفاً ومزامناً لنقاش عالمي في قضايا النساء، ليكشف اللثام عن التطريز الفلسطيني ويُسلّط الضوء على جوانبه المتعدّدة، ذات الصلة بمسائل النوع الاجتماعي والعمل والرموز والتسليع والطبقات الاجتماعية. يتتبع المعرض عبر هذه الجوانب التحولات التي شهدها تاريخ التطريز الفلسطيني، بدءاً من زمن ارتباطه بذات المرأة الفلسطينية وتعبيره عنها، مروراً بتحوله إلى رمز بصري ووطني للقضية والثورة، وصولاً إلى تداوله المعاصر كمنتج فنّي وثقافي واستهلاكي. ويتناول المعرض تداعيات تسييس التطريز الفلسطيني وانتقاله إلى عالم الصور عبر اللوحات والملصقات، كما يُسائل طبيعة إنتاجه الراهن في كنف المجتمع المدني، ويقف عند نتائج تسليعه. ويستند المعرض الذي يأتي تحت إشراف القيّمة ريتشل ديدمان، على معرض «أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي»، الذي أقامه المتحف الفلسطيني في دار النمر للفن والثقافة في بيروت عام 2016. وتتوج هذه الحُلّة الجديدة من المعرض سنوات من البحث والعمل الميداني، فترمي إلى مقاربة نقدية جديدة تتناول التطريز الفلسطيني ودلالاته التاريخية والمعاصرة. ويكشف «غزْل العروق» عن تاريخ مادي لفلسطين، ويسرد، عبر وسيط حميمي هو الثياب، قصصاً قلّما رُوِيت. فيحكي ثوب مرقّع بقطع من أكياس طحين الأونروا قصة تضامن سيدة من رام الله مع لاجئة إثر النكبة. وتحمل «أثواب الانتفاضة» رسوم المطرزات التقليدية والبنادق والخرائط والشعارات السياسية، وقد طرّزتها النساء احتجاجاً على الاحتلال أثناء الانتفاضة الأولى. وحين ارتدت النساء تلك الأثواب في خضم الانتفاضة، جعلن من أجسادهن سبل مقاومة سياسية حية ونشطة، في تحد ضمني للصورة الرائجة عن المرأة كحاملة تراث مجهولة الهوية. ويلقي المعرض نظرة على تاريخ التطريز ومسار الموضة في فلسطين منذ العام 1921، إذ برزت أثواب أوروبية الطراز دمجت الموضة الأجنبية بالتفاصيل التقليدية الفلسطينية. كما نتتبع ذلك المسار من خلال محطات تاريخية أخرى، عبر مجموعة صور فورية التُقطت في بيروت، في سبعينات القرن المنصرم، تستعرض نتاج جمعيات خيرية في المخيمات الفلسطينية. وتظهر في تلك الصور عارضات أزياء متأنقات في أثواب وردية اللون. وعلى رغم أن الرجال لا يُعرفون بامتهان التطريز، فأن المعرض يقدّم مجموعة من الشهادات عن عمل الرجال في تلك الحرفة ويعرض قطعاً طرّزها أسرى أثناء وجودهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وفي دمجها ما بين تعبيرات الاعتزاز الوطني ومشاعر الحب، تزعزع المطرزات التي أنتجها هؤلاء الأسرى المفاهيم التي تربط بين التطريز والنوع الاجتماعي (الجندر). وفي قلب «غزْل العروق» غابة من ثمانين ثوباً وحُلي تاريخية من كافة مناطق فلسطين. وتُحاط المعروضات بصورٍ من الأرشيف وملصقات ولوحات ومقطوعات موسيقية وأفلام، تسلّط الضوء على الإرث الثقافي الفلسطيني المتعلق بالثياب والأزياء. ويرافق المعرض برنامج عام من المحاضرات والفعاليات التي تهدف إلى تعميق المعرفة حول فكرة المعرض، وآخر تعليمي يتضمن أنشطة وجولات تفاعلية للأطفال وطلبة المدارس والجامعات استناداً إلى مصادر تعليميّة، أنتجت خصيصاً للمعرض. وينظّم المتحف في تموز المقبل حفل إطلاق كتالوغ المعرض، تتويجاً للجهد البحثي الذي رافق المعرض واستمر لمدة أربع سنوات، ليشمل، إضافة إلى المادة البحثية، مساهمات كتابية ومحتوى بصري غني من الصور الفنية والأرشيفية. ويقدم المتحف الفلسطيني شكر لمقرضيه وداعميه لدورهم القيّم في إثراء محتوى المعرض: دار الطفل العربي للتراث الفلسطيني، متحف جامعة بيرزيت، طراز– بيت وداد قعوار للثوب العربي وبنك فلسطين ومها أبو شوشة وتمام الأكحل وجورج الأعمى وعائلة عصام بدر، وملك الحسيني عبد الرحيم وإبراهيم وكريستا اللدعة وفيرا تماري وإنعاش المخيم الفلسطيني وإنعاش الأسرة ومشروع أرشيف ملصق فلسطين وغاليري زاوية، ومجموعة من الأفراد أعارت قطعاً من أرشيفاتهم أو مجموعاتهم الشخصية. يذكر أن المتحف الفلسطيني هو مؤسسة ثقافية مستقلة، مكرسة لتعزيز ثقافة فلسطينية منفتحة وحيوية على المستويين المحلي والعالمي.
مشاركة :