اتخذت من والديها سبيلاً لتحقيق ما تطمح إليه، في التزود بالعلم، والتخصص في المجال الذي أحبته، خدمة لدينها ومجتمعها، فغدت باحثة متخصصة أفنت سنين عمرها في مجال التحصيل العلمي، وتحديداً في علم الكيمياء الحيوية بجامعة الملك عبدالعزيز، وبشكل أدق في علم الوراثة الجزيئية. هذا التخصص الدقيق لضيفتنا البروفيسورة رويدة بنت نواف الحارثي، جعلها تبحر في مجال الأبحاث المتعلقة بالجينات المسببة لسرطان القولون، ومنها خلصت لحقيقة مفادها، أن بلادنا من أكثر الدول إصابة بهذا الداء، وقضايا أخرى تطالعونها عبر هذا الحوار. النشأة... والطفولة * أين دوت صرخة الميلاد، وبأي أرض أفرع الغصن وطال؟ - ولدتُ في الطائف لأب عظيم وأم عظيمة. واستقبلتني العائلة بكل حب، وفرح والدي بأن المولود أنثى وترك مهمة تسميتي للوالدة. كنت الطفلة الأولى لوالدي وتبعني بعد ذلك خمسة أشقاء وشقيقات. وقضيت في الطائف طفولتي ووضعت أقدامي على سلم التعليم فيها إلى أن تخرجت من الثانوية العامة، حيث كان والدي يعمل في إمارة الطائف آنذاك إلى أن أصبح وكيل إمارة الطائف. * ما الدور الذي لعبه الوالدان لتخوضي في بحور العلم؟ - كان لوالديّ دور كبير في تشجيعي على التحصيل العلمي، هما من كانا يحرصان على تهيئة الجو المناسب للدراسة دون عناء، ولم أكن تحت ضغط من قبلهما بضرورة التفوق، وأن أكون الأولى دائماً، ومع ذلك كنت من المتفوقات، خاصة في مرحلتي الإعدادية والثانوية كنت دائماً الأولى أو الثانية على الفصل. طالما كانت أمي تذكرني بأن التعليم هو سلاح المستقبل، وكانت دائماً تَذكُر ندمها على عدم إكمال تعليمها على الرغم من أنها مثقفة، مستقلة، حاضرة في مجتمعها، ومنفتحة التفكير. وكان أبي دائماً يردد بيت شعر لأحمد شوقي وهو: العلم يرفع بيوتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف والدي يفتخر دائماً بتحصيلي العلمي ويتابع مسيرتي العلمية قبل وبعد أن تزوجت وحصلت على درجة الدكتوراه. دائماً يفتخر بتعريفي الدكتورة لمن نقابل، ويتعمد مناداتي بالدكتورة. والدي يستمتع ويفخر كثيراً بأخبار مشواري الوظيفي دائماً، وفي كل خطوة أتقدم فيها للترقية من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك، ومن أستاذ مشارك إلى مرحلة الأستاذية، وكانت تلك فرحته الكبرى عند ترقيتي لأستاذ. على مقاعد الدراسة * متى وضعتِ قدمكِ الأولى على بداية خطوات الدراسة.. ومتى وضعتِ قدمكِ الأخرى على نهايته؟ - التحقت بمدارس حكومية في الطائف والتي امتدت إلى مرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية. وتزوجت وحصلت على بعثة للولايات المتحدة الأمريكية وأكملت دراستي الجامعية في جامعة بورتلند في ولاية أوريقن، حيث حصلت على البكالوريوس من قسم الأحياء. وكان الداعم لي في تلك الفترة زوجي، وهو رفيقي وسندي. وبعد ذلك عدتُ لمدينة الرياض وبدأت حياتي العملية في عام ١٩٨٤ في مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض كمساعد باحث. في السنتين الأولى عملت في معمل الإشعاعات البيولوجية. ثم عملت لأربع سنوات في معمل الوراثة الجزيئية، وفي تلك الفترة حصلت على درجة الماجستير في الأحياء الجزيئية من جامعة الملك سعود بالرياض وتخرجت عام ١٩٨٨. وفي بداية عام ١٩٩٠ التحقت ببرنامج الدكتوراه تخصص وراثة جزيئية وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة ساسكس في مدينة برايتون في المملكة المتحدة عام ١٩٩٥. وشاء الله أن ننتقل أنا وزوجي وبناتي الثلاث من الرياض إلى جدة، وعُينت كأستاذ مساعد بتاريخ ١٩٩٧م بجامعة الملك عبد العزيز. وفي عام ١٩٩٩م أصبحت مشرفة على قسم إحصاء حاسب وقسم الإحصاء وقسم الحاسب الآلي في وقت واحد ولمدة سنتين من فترة ١٩٩٩ إلى ٢٠٠١م. ومن بعدها عُينت مشرفة لقسم الكيمياء الحيوية من عام ٢٠٠١ إلى ٢٠٠٣م. ومن بعدها حصلت على تفرغ علمي لمدة سنة ومن ثم عدت واستكملت مسيرة التعليم ومشاريع الأبحاث مع طالبات الماجستير. وفي عام ٢٠١٠م تم تعييني وكيلة لكلية العلوم. * ومن هن أقرب صديقاتك زمن الابتعاث؟ - في زمن الابتعاث كنا ولله الحمد مع الأخوة والأخوات وبعض من الأقارب المتقاربين في الأعمار مجموعة لابأس بها من الأفراد، وتكونت لنا عائلة في الغربة ولم نتأثر بما أسمع عنه دائماً عن عناء الغربة، وهي ذكريات لا تُنسى. * تتصف الدراسات العلمية بالجمود.. فما السبيل لاستصاغتها وهضمها؟ - في هذه الحالة يجب علينا اتباع نظريات كثيرة ومنها نظرية التعلم النشط. هذه النظرية تعني انخراط الطلاب في المواد، والمشاركة في الصف، والتعاون مع بعضهم البعض. لذلك يجب على أستاذ أو أستاذة المادة ألا تتوقع من الطلبة فقط الاستماع والحفظ، بل يجب مساعدة الطلبة على التطبيق العملي، والتحليل، أو تطبيق المفهوم على الوضع الحقيقي في العالم حولنا حتى تتسهل العملية التعليمية. تخصص دقيق * هل لكِ أن تحدثينا أكثر عن مجال تخصصكِ الدقيق، وأهم الأبحاث العلمية التي تشتغلين عليها حالياً؟ - إن مجال تخصصي الدقيق هو الوراثة الجزيئية. هذا العلم يدرس هيكل ووظيفة الجينات على المستوى الجزيئي، وبالتالي توظف أساليب كل من البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة. أهم الأبحاث العلمية التي اشتغلت عليها في الوقت الحاضر هي التغييرات المستقلة عن تسلسل الجينات والتي تقوم بتعديل الطريقة التي يتم فيها التعبير عن الجينات وتحدث اضطرابات جينية تلعب دوراً حاسماً في بدء الورم وتطور أمراض السرطان المختلفة. * ما أبرز الصعوبات التي تواجهكِ في مجال البحث العلمي، وتحديداً في صلب تخصصك؟ - تقدم وتطور الأمم يقاس على تطورها العلمي الذي تمتلكه والذي يكون نتيجة إعطاء البحث العلمي مكانة عالية. من أبرز الصعوبات التي تواجهني وتحديداً في صلب تخصصي، عدم توافر الإمكانات المطلوبة لتقديم البحث العلمي على المستوى الرفيع، وكذلك ضعف التعاون العلمي والبحثي بين الباحثين والأطباء. * ما مدى النجاح الذي حققته في مجال تخصصك العلمي الدقيق؟ ١- في شهر ديسمبر 2011 تمت إضافة نتيجة بحثي العلمي باسمي في قاعدة البيانات الوراثية لجمعية الدراسات الجينية البشرية (DAG) التابعة للمعاهد الوطنية للصحة (NIH) لعرض النتيجة المتميزة حول علاقة جين الرزيستين بسرطان القولون، وفي شهر يناير 2017 حصلت المقالة العلمية بعنوان: “Leptin *ecepto* *s1137101 va*iant is *isk facto* fo* obesity and type II diabetes in Saudi adult women” على المركز الثاني من بين أفضل عشرة أبحاث قيمة بعدد قراء المقالات في الفترة مابين 26/ 11/ 2016 إلى 25/ 1/ 2017 من قبل الشبكة الاجتماعية لأبحاث العلوم SSNP Social Science *esea*ch Netwo*k * ما مدى الفائدة التي جناها طلابك منكِ في مجال الأبحاث، مع تسليمنا بمحدودية الإمكانات المتوافرة لديكِ؟ - لمحدودية الإمكانات المتوافرة، قررت أن أنشئ معملاً خاصاً بي، ووفرت جميع الإمكانات التي تساعد طالباتي في القيام بأبحاثهن، وأحمد الله بأنه تم تخريج ١٨ طالبة ماجستير إلى الوقت الحاضر، ومنهن أعداد كبيرة ابتُعثت للخارج؛ لاستكمال دراستهن العليا، وعدن إلى أرض الوطن، والآن يعملن كأستاذ مساعد في نفس القسم، وأنا دائماً فخورة بهن. أسباب سرطان القولون * ما العوامل المسببة والجينات المورثة لسرطان القولون؟ - سرطان القولون أحد أخطر أنواع الأمراض السرطانية المنتشرة حول العالم. وتوضح الدراسات الإحصائية للأمراض الوراثية المزمنة لوزارة الصحة السعودية، أن سرطان القولون هو بالمرتبة الأولى لدى الرجال والمرتبة الثالثة لدى النساء في المملكة العربية السعودية. فإذا ما توافرت الظروف المساعدة التي تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، وكذلك تأخر إجراءات الفحوصات الطبية المبكرة، ينشأ نمو غير طبيعي للخلايا التي لديها القدرة على المهاجمة والانتشار إلى الأعضاء الأخرى في الجسم. ومخاطر الإصابة بمرض سرطان القولون تزيد بتقدم العمر، وعالمياً 90 % من حالات المرض تحدث لمن هم في سن الخمسين أو أكثر. وليس هناك سبب محدد للإصابة بسرطان القولون، حيث إنه قد يحدث بفعل عدة عوامل مختلفة ولا تزال أسباب الإصابة بالمرض مجهولة إلى حد كبير. ولكن هناك عديداً من المسببات من بينها قلة النشاط البدني، التدخين، مرض السكري من النوع الثاني، السمنة، طبيعة النظام الغذائي من قلة الألياف الغذائية وكثرة تناول اللحوم الحمراء، والتهابات القولون المختلفة، وكذلك الاستعداد الوراثي الجيني واللاجيني لدى الأفراد. وتشير التقديرات إلى أن نحو 20% من حالات سرطان القولون لديهم تاريخ عائلي. ترتبط بعض المتلازمات الوراثية مع مخاطر حدوث المرض بدرجة عالية. * هل نعتبر من الدول الأكثر أم الأقل إصابة بهذا المرض؟ - المملكة العربية السعودية من أكثر الدول إصابةً بالمرض تباعاً للنظام الغذائي والحياتي الذي نعيشه، وكذلك مستوى الوعي المتباين بين المناطق والذي يجعل الغالبية لا يتقبل فكرة أن النظام الحياتي والغذائي يعتبران المؤثر الرئيسي على صحة الفرد ومستقبل حياته. * ألا توجد مؤثرات علمية حديثة للكشف المبكر، ومن ثم علاج هذا الداء؟ - علم التغيرات اللاجينية هو العلم الحديث الذي تمكن من كشف عديد من مسببات الأمراض التي لا تنطبق بالضرورة على التغيير الجيني نفسه، لأنها أكثر ما تتأثر به هي العوامل البيئية، نمط الحياة وكذلك المرحلة العمرية. ولقد أظهر هذا المجال العلمي مدى تأثير العوامل البيئية حتى قبل ميلاد الإنسان على طبيعة نموه واستقراره الصحي والسلوكي. وتُعتبر هذه التغيرات سهلة التحكّم والتغيُّر على خلاف التغيّرات الجينية المحكومة بالمادة الوراثية أو ال DNA إضافة إلى أنها تؤثر تأثيراً مباشراً على التعبير الجيني إما بتنشيط الجينات أو تثبيطها. تمحورت البحوث العلمية الحديثة حول علم الوراثة اللاجينية وكشفت مدى ارتباطه بالكثير من الأمراض البشرية، من بينها أمراض السرطانات المختلفة، واضطرابات المناعة، وجميعها في أساسه تغيّر ما فوق جيني أثَّر على التعبير الجيني نفسه. أما بالنسبة لسرطان القولون ومن خلال الأبحاث التي تمت في مجال الوراثة اللاجينية، فلقد أوضحت الدراسات أن شفرات الوراثة اللاجينية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باحتمالية حدوث مرض سرطان القولون. فَلَو أخذنا على سبيل المثال ميثلة الحمض النووي وهي أحد أهم المتغيرات التي يدرسها هذا العلم، لوجدنا أن قلة ميثلة الحمض النووي لجينات معينة تشرع في التغيير الجيني وعدم استقرارها، كالجينات المنشطة للأورام والعكس من ذلك هو زيادة الميثلة التي تعمل على تثبط جينات تحمي الجسم من تكون سرطانات مختلفة والتي تُعرف بالجينات الكابحة للأورام هذا هو المدخل العلمي الحديث الذي يُسهل الكشف عن أسباب مرض سرطان القولون في محاولة إيجاد ما يُعرف بالمؤشرات الحيوية التي يتم تحديدها في المعامل البحثية، وقد تُسهِّل من الكشف المبكر عن الورم والعمل على تثبيطه حتى في مراحل تكونه الأولية، بدلاً من اللجوء إلى الإجراءات الجراحية. أبحاث جديدة * ما أبحاثك الحالية التي تُجرى في هذا المجال؟، وما الهدف منها؟ - الأبحاث الحالية هي عن دور شفرات الوراثة اللاجينية في مورثات «الأديبوسايتوكاينز» في نشوء سرطان القولون وتطوره عند الإنسان. والتجارب التي أقوم بها سوف تساعد في فهم علاقة الرابط الجزيئي بين السمنة والجينات المرتبطة بها ومرض سرطان القولون. والهدف من هذه الأعمال إيجاد مؤشرات حيوية من خلال دراسة هذه الشفرات اللاجينية حتى تساعد في تشخيص وعلاج المرضى خاصة أن هذه المؤشرات الحيوية قابلة أن تُعْكس. وعلاوة على ذلك ستسهم النتائج في قاعدة بيانات الأبحاث السعودية لسرطان القولون. التوعية الصحية * ما الذي نحتاجه لزيادة الوعي الثقافي والعلمي في هذا المجال، لأبناء المجتمع؟ - دعوة جميع فئات المجتمع للمشاركة في الحملات التثقفية الطبية المتعلقة بأمراض السرطانات عموماً وسرطان القولون خاصاً، لا بد أن تهدف هذه الحملات إلى إثراء الوعي العام حول الممارسات التي تلعب دوراً في صحة القولون والمستقيم. على اعتبار أن السمنة هي من أكثر ما يؤدي إلى اختلاف الطبيعة الجينية في منطقة القولون، أصبح من الضروري مكافحة هذه الظاهرة الصحية لدى المجتمع السعودي. واتباع الإجراءات الطبية الأولية واللازمة للحد أو التقليل من الحالات المتطورة للمرض من الكشف الدوري والمبكر في حال وجود تاريخ شخصي سابق للإصابة بالمرض أو تاريخ شخصي للإصابة باللحميات المعوية أو التهاب القولون التقرحي أو داء كرون، ولا ننسى أن الإعلام له دوره المؤثر في مجتمعنا.. ولا بد أن يكون لنا إعلام هادف يهتم بتثقيف أفراد مجتمعنا بكل ما ينقصه اجتماعياً وعلمياً وطبياً. * ما آخر بحث علمي قمتِ بإنجازه؟، وما مدى الفائدة العلمية التي أضافها لمجال تخصصكِ العلمي؟ - حيث إن اهتماماتي البحثية تتعلق بمرض سرطان القولون فإن هذا البحث يضيف إضافة جديدة لما سبق نشره من أبحاث لتطوير المعرفة في فهم الصلة الجزيئية بين السمنة وسرطان القولون. * هل سبق أن أجريتِ أبحاثاً مع مراكز أبحاث خارج الوطن، أو مشروع شراكة مع جهة علمية متخصصة؟ - لقد تم ذلك خلال بحث الدكتوراه. * ما الهدف الشخصي الذي تطمحين لتحقيقه من خلال أبحاثك؟ - الهدف الشخصي الذي أطمح لتحقيقه من خلال أبحاثي هو المساهمة في إضافة مزيد من النتائج في قاعدة بيانات الأبحاث لسرطان القولون. فجوة البحث العلمي * ما تفسيرك العلمي لظاهرة تبدد جهود الدارسين للنظريات العلمية، والتي تؤول غالبيتها لتكون حبيسة الأدراج والرفوف، دون الاستفادة منها؟ - لا أعتقد أن جهود الدارسين للنظريات العلمية تؤول غالبيتها لتكون حبيسة الأدراج والرفوف، إلا إذا كانت جهوداً لا أهمية لها علمياً، ولا يمكن استخدامها كبناء حجر أساس. * من خلال ما تجريه من أبحاث ودراسات.. هل ترين أن ثمة فجوة كبيرة ما بين مراكز الأبحاث في بلادنا والموجودة في الدول الغربية؟ - نعم هناك فجوة كبيرة بين مراكز الأبحاث العلمية والطبية في بلادنا والموجودة في الدول الغربية، حيث إن مراكز الأبحاث في بلادنا تواجه تحديات من ضمنها عدم توافر الكوادر البحثية المؤهلة، وكذلك التمويل المالي الذي يعتبر مفتاح البحث وروحه، ودونه يتعذر على المراكز تحقيق المطلوب.
مشاركة :