تبدو كل أبواب الحلول السياسية مسدودة في اليمن. لن يكون أمام المبعوث الأممي الجديد سوى تمرير الوقت. هذا عائد إلى أن لا أحد يريد التفاوض مع أحد في اليمن.العرب خيرالله خيرالله [نُشر في 2018/02/16، العدد: 10902، ص(9)] صار مارتن غريفثت رسميا مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. سيكون غريفثت، وهو بريطاني متمرس في تسوية النزاعات الدولية، المبعوث الغربي الأول الذي يشغل هذا الموقع منذ اندلاع الأزمة اليمنية في العام 2011. تشير السيرة الذاتية للمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، الذي يخلف الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى أنّه أسس “مركز الحوار الإنساني” في جنيف ويعتبر من المختصين في تطوير الحوار السياسي بين الحكومات والمتمردين في عدد من بلدان آسيا وأفريقيا بين العامين 2012 و2014. يمكن التفاؤل بنيّة الأمم المتحدة في إيجاد تسوية ما في اليمن. لكن الواضح، استنادا إلى ما يدور على الأرض أن اليمن مقبل على جولة جديدة من الحروب الداخلية المرشّحة لأن تستمر طويلا في غياب القدرة على إيجاد حوار ما بين الأطراف المعنيين. لا يوجد في اليمن حتّى أمل في حوار من أجل الحوار. يبدو أن غريفثت يعي ذلك. وهذا ما جعله يقرّر مباشرة مهمّته بحوارات بينه وبين كل طرف من الأطراف اليمنيين بحثا عن مدخل لحوار شامل أو مؤتمر إقليمي يمكن أن يبلور في يوم ما أسسا لمرحلة جديدة في اليمن. تقوم هذه المرحلة على إعادة تأسيس الدولة لا أكثر ولا أقل. اليمن الذي عرفناه، أكان ذلك على شكل دولتين مسقلتين أو دولة واحدة انتهى في اليوم الذي استقال فيه علي عبدالله صالح في شباط – فبراير من العام 2012. نجح الإخوان المسلمون الذين خطفوا ثورة الشباب التي اندلعت قبل ذلك بسنة في حمله على الاستقالة. يمكن القول إن اليمن الذي عرفناه انتهى حتّى قبل استقالة علي عبدالله صالح وحلول نائبه عبدربّه منصور هادي مكانه كرئيس موقت. انتهى اليمن يوم سقط المركز. المركز هو صنعاء التي كان اليمن كله يدار منها. لكنّ الذي حصل أن إسقاط علي عبدالله صالح تطلب إسقاط صنعاء التي صارت المعارك تدور في أحيائها وداخل أسوارها. كان مفترضا أن تدوم ولاية عبدربه سنتين فقط، على أن تجري انتخابات استنادا إلى دستور جديد… ما زال يبحث عن صيغة نهائية له. يظهر أن الموقت صار الدائم في اليمن. الخوف كلّ الخوف من أن تصير الحروب حالة دائمة في اليمن الذي يعاني فيه ملايين الأطفال والكبار في السنّ من سوء التغذية والفقر والأمراض المختلفة. لعلّ أخطر ما يشهده اليمن في هذه المرحلة هو التقارب بين الحوثيين وفئات تنتمي إلى حزب الإصلاح، أي إلى الإخوان المسلمين. لا توجد قيادة إصلاحية قادرة على ضبط كل عناصر الإصلاح الذين لعبوا دورا في إبقاء الوضع في تعز على حاله منذ سنوات عدة. قبل أيام، كان حديث عن تقدم كبير لقوات “الشرعية” في تعز. تبيّن أخيرا أن الوضع على حاله في عاصمة المناطق الوسطى في اليمن وأن الحوثيين (أنصار الله) ما زالوا يسيطرون على مواقع معيّنة فيها تسمح لهم بالبقاء في قسم من المدينة الأكبر في اليمن. هذا يطرح، بكل بساطة، سؤالا عن دور الإخوان المسلمين في المواجهة مع الحوثيين في تعز. هل هم حقّا في مواجهة معهم أم في حال تواطؤ؟ كلّ ما يمكن قوله أن لا جديد في اليمن يسمح بتحقيق تقدّم سياسي على أي صعيد منذ سيطر الحوثيون على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول- سبتمبر 2014. الجديد الوحيد أن “عاصفة الحزم” التي شنّها التحالف العربي، ابتداء من آذار- مارس 2015، حالت دون سقوط اليمن في يد إيران. هذا هو الجديد الذي كان من نتائجه تحرير عدن من الحوثيين، ثمّ حضرموت وميناء المكلا تحديدا، ثم ميناء المخا الذي يمتلك أهمّية استراتيجية من منطلق أنه يتحكّم بمضيق باب المندب. كانت “عاصفة الحزم” بمثابة حرب دفاعية لا أكثر. كانت ضرورة بمعنى أنها حالت دون تحقيق انتصار إيراني في اليمن. صبّت في حماية أمن كل دولة من دول الخليج العربي في وقت تعمل فيه إيران على اختراق هذا الأمن بكل السبل المتاحة وعبر ملء كل فراغ يمكن استغلاله. لكنّ ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن لا وجود في الوقت الحاضر لخيارات سياسية في البلد في ظل “شرعية” ما زالت تبحث عن انتصار حقيقي على الأرض يتيح لها إجبار الحوثيين على التفاوض في شأن الخروج من صنعاء. المفارقة أن هذه “الشرعية” لم تستطع التعاطي مع الوضع في عدن في مرحلة ما بعد تحريرها من السيطرة الحوثية، فكيف لها أن تفكر حتى في كيفية استعادة صنعاء بكل ما تمثله؟ لم تستطع هذه “الشرعية” استيعاب أن عدن بمطارها ومينائها باتت جزءا من منظومة أمنية تتجاوز اليمن. إنها منظومة أمنية خليجية تشمل بحر العرب والقرن الأفريقي والبحر الأحمر على وجه التحديد. باختصار شديد، يظهر أن المأساة اليمنية مرشحة لأن تستمر طويلا في غياب اختراق كبير ذي طابع عسكري. لا شكّ أن الغزل بين الحوثيين وبعض الإصلاحيين لن يساعد في شيء، باستثناء أنه خدمة تقدمها بعض الأطراف الإقليمية المعروفة لإيران في اليمن وذلك نكاية بالسعودية. نعم، تبدو كل أبواب الحلول السياسية مسدودة في اليمن. لن يكون أمام المبعوث الأممي الجديد سوى تمرير الوقت. لن يكون أفضل من المبعوثين اللذين سبقاه، وهما جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد. هذا عائد بشكل خاص إلى أن لا أحد يريد التفاوض مع أحد في اليمن. فالحوثيون، بفضل الحلف الجديد مع قسم من الإخوان المسلمين، سيزدادون تعنتا وسيزدادون تعلّقا بمشروعهم الذي يستهدف إقامة إمارة في الشمال اليمني تضمن تماسا غير مباشر لإيران مع الحدود السعودية. سيكتفي الحوثيون بما توفره لهم الرسوم والضرائب التي يتقاضونها والمساعدات التي تأتيهم من إيران لإبقاء مقاتليهم، الذين بينهم من لم يبلغ سنّ الرشد، في حال استنفار دائمة. ما هو ملفت أن النزوح من صنعاء مستمر، خصوصا من سكان العاصمة الذين ينتمون أصلا إلى محافظات في الوسط وفي الجنوب. إضافة إلى ذلك، هناك قوة سياسية فقدت الكثير من أهميتها بعد اغتيال الحوثيين لعلي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأوّل- ديسمبر الماضي. هذه القوّة هي “المؤتمر الشعبي العام” الذي لم يعد معروفا من يمثله. هل يمثله القياديون الذين ما زالوا في العاصمة والذين عليهم مراعاة قتلة علي عبدالله صالح إلى أبعد حدود؟ أم يمثلّهم أولئك الذين انشقوا عن علي عبدالله صالح والتحقوا بـ”الشرعية”… أم القياديون الذين بقوا موالين للرئيس السابق على الرغم من وجودهم خارج اليمن؟ في كلّ الأحوال، هناك وضع يمني جديد بكل معنى الكلمة. في انتظار وضوح الصورة، لن يجد المبعوث الأممي الجديد غير الانصراف إلى الشؤون الإنسانية البحتة، لعل ذلك يعوض عن غياب الحلول السياسية التي لا تزال أقرب إلى سراب في الصحراء أكثر من أي شيء آخر. إعلامي لبنانيخيرالله خيراللهإعلامي لبناني
مشاركة :