قدم فريق الرئيس دونالد ترامب موازنته لعام 2019، متوقعاً أن يبلغ الإنفاق 4.41 تريليون دولار أي ما يوازي 21 في المئة من الناتج المحلي، في مقابل عائدات تصل إلى 3.42 تريليون أي 16.3 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي، وعجز سنوي في موازنة الحكومة الفيديرالية بواقع 984 تريليون دولار، أي 4.7 في المئة من الناتج المحلي. وهكذا، يرتفع العجز السنوي في عهد ترامب المحسوب على الجمهوريين المحافظين مالياً، بنسبة 25 في المئة عمّا كان عليه في زمن سلفه الديموقراطي باراك أوباما، وبلغ خلال عهده في موازنة عام 2017 نحو 665 تريليون دولار. ويعمد الفريق الرئاسي، في مسودة الموازنة التي قدمها إلى الكونغرس، إلى تبني ما وصفها الخبراء بـ «البهلوانيات» في الأرقام، فيجعل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 80.3 في المئة بسبب عدم احتسابه بعض أجزاء الدين العام، وحصره بتسمية «دين الحكومة للجمهور». في وقت يعتقد الاقتصاديون أن نسبة الديْن الأميركي إلى الناتج المحلي تعدت 100 في المئة مع بلوغه 20.6 تريليون دولار، فيما يبلغ الناتج المحلي السنوي 19.7 تريليون. ومثل الإدارات السابقة، كانت مسودة الفريق الرئاسي لموازنة العام المقبل، مثابة بيان يرسم الموقف السياسي ورؤية الرئيس وفلسفته في الحكم. المشكلة الوحيدة تكمن في أن رؤية ترامب تبدو متضاربة، فهو يحسم 756 بليون دولار، على مدى العقد المقبل من «الإنفاق غير الدفاعي»، أي ما يخفض هذا الإنفاق بنسبة 42 في المئة مقارنة بالأرقام الحالية. فيما يعمد إلى زيادة «الإنفاق الدفاعي» بواقع 777 بليون دولار، وهي أموال ناتجة في غالبها من تقليص موازنة «الحروب» التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً، والمتوقع أن تصل خاتمتها على مدى السنوات القليلة المقبلة. لكن خفوضات ترامب للإنفاق غير الدفاعي تتعارض مع ما صادق عليه قبل أسبوع لموازنة هذه السنة، والتي توافق فيها ترامب وحزبه مع الديموقراطيين على زيادة الإنفاق بواقع 300 بليون دولار على مدى العامين المقبلين، نصفها للدفاع والآخر للإنفاق غير الدفاعي. واعترض الاقتصاديون أيضاً على الصورة الزهرية التي يرسمها فريق ترامب للنمو وتالياً للعجز السنوي، وقال هؤلاء إن مسودة الموازنة «قدّرت معدل النمو الأميركي على مدى العام المقبل بـ3 في المئة، فيما تشير كل التوقعات الحكومية وفي القطاع الخاص، إلى أن نسبة النمو ستبلغ 2 في المئة فقط». وبعد الاعتراضات، أرسل الفريق الرئاسي ملحقاً مرفقاً إلى الكونغرس على أساس احتساب النمو بمعدل 2 في المئة، فأدى ذلك إلى زيادة في العجز تجاوزت 300 بليون دولار سنوياً، ليتخطى المعدل المرتفع المتوقع أصلاً، بالغاً نحو 1.2 تريليون أو 6 في المئة من نسبة الناتج المحلي الأميركي، وهي مرتفعة في «الأوقات الطبيعية»، أي عندما لا تكون الحكومة في موقع الإنفاق لاحتواء ركود ما وإعادة تنشيط الاقتصاد. في المواضيع الكبرى التي حاول فريق ترامب الإشارة إليها في الموازنة، نيته إنفاق 200 بليون دولار على مدى العقد المقبل، لتمويل مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة في البلاد. لكن المسودة ذاتها، تقلّص الإنفاق في أبواب محسوبة على البنية التحتية، مثل تقليص موازنة الإدارة المسؤولة عن سلامة عمل القطارات التابعة لوزارة النقل، ما يعني أن ترامب يحاول تمويل بعض مشاريع البنية التحتية، باقتطاع الأموال من مشاريع بنية تحتية ضرورية أخرى. وكان فريق ترامب أعلن أن خطته للبنية التحتية تبلغ 1.5 تريليون دولار، حصة تمويل الحكومة الفيديرالية فيها 200 بليون فقط، فيما تؤمّن بقية الأموال من الحكومات المحلية وتلك في الولايات، فضلاً عن القطاع الخاص عبر مشاريع «بناء تشغيل ونقل». وفور إعلان خطة البنية التحتية، اعترض كثيرون، كان في طليعتهم زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور عن ولاية نيويورك تشاك شومر، الذي قال في خطاب أمام المجلس، إن «الطلب إلى الحكومات المحلية التي تعاني من شح في الأموال أصلاً، تمويل مشاريع من هذا النوع، يعني أنها ستضطر إلى رفع ضرائبها على المواطنين». واعتبر شومر أن «في توكيل القطاع الخاص مشكلة، لأنه يسعى إلى الربح السريع من طريق فرض رسوم مرور». وقال إن «مشكلة الاستناد إلى القطاع الخاص، أنه سيسارع إلى بناء طرق وجسور في المناطق التي يعيش فيها الأثرياء أو ذات الكثافة السكانية، ولكن القطاع سيتفادى الدخول في مشاريع بناء في المناطق الريفية، حيث تنخفض الكثافة السكانية، وتالياً نسبة المرور وتحقيق الأرباح بالسرعة التي يسعى إليها القطاع الخاص. خطة ترامب الاقتصادية لاقت اعتراضات واسعة من الطرفين، وعلى رغم أنها على غرار كل موازنات الرئاسات السابقة، بمثابة بيان أو موقف سياسي لإرضاء المؤيدين والأنصار، إلا أنها مع ذلك تغرق في بهلوانيات وتناقضات مع سياسات ترامب الاقتصادية الأخرى، أو مع وعوده بعدم الاقتطاع من أي من الصناديق الاجتماعية، التي يفيد منها جزء واسع من أنصاره. مع ذلك لحظت مسودة موازنة 2019 اقتطاعات بواقع 7.1 في المئة من صندوق ”الرعاية الصحية“، و22.5 في المئة من صندوق «العناية الصحية» المخصص لذوي الدخل المحدود، والذي يمول جزءاً كبيراً من برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ ”أوباما كير».
مشاركة :