قصة أشهر حادث اغتيال في مصر: 4 قرارات انتهت بـ 5 رصاصات

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 20 فبراير عام 1910، كانت مصر على موعد مع حدث وصفته صحيفة Le Journal Egyptien  آنذاك بـ «أفظع اغتصاب في هذا الجيل»، أمام مبنى «ديوان الخارجية»، حيث اغتيل رئيس الوزراء وقتها، بطرس غالي، في واقعة هي الأولى من نوعها بعد أكثر من قرن عندما قتل سليمان الحلبي كليبر. ولد بطرس غالي في بلدة الميمون، بمحافظة بني سويف عام 1846، وكان والده غالي بك نيروز ناظرا للدائرة السنية لشقيق الخديوي إسماعيل في الصعيد، وتدرج في التعليم حتى عين مدرسا بالمدرسة القبطية بالقاهرة، والتي سبق وتلقى داخلها تعليمه في مرحلة من المراحل، ثم سافر بعد ذلك في بعثة إلى أوروبا لتلقي تعليمه العالي وعاد ليعمل في الترجمة بالإسكندرية، وعندما قامت الثورة العرابية كان «غالي» من أنصارها المناديين بالتفاوض مع الخديوي باسم العرابيين، ليتم اختياره ضمن وفد المفاوضة، ويعلو نجمه سريعا في القصر، حتى أصبح أول قبطي يحصل على الباشاوية. في عام 1893 تولى بطرس غالي نظارة المالية في بداية عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ثم لم يلبث أن أصبح ناظرا للخارجية، في وزارة مصطفى فهمي باشا والذي كان يعتبر آنذاك رجل الإنجليز في مصر، واستمر في الخارجية 13 عاما حتى عام 1908، وهي أطول فترة يشغلها ناظر في هذا المنصب، ليتولى بعدها رئاسة الوزراء في 12 نوفمبر عام 1908. مرت طوال هذه الفترة، وقبل وقوع الحادث، عدة أحداث سياسية أدت إلى توتر علاقة «غالي» بالحركة الوطنية في مصر، خاصة الحزب الوطني، والذي كان يرى أن بطرس عضد الخديوي الأيمن في سياسته الجديدة، بداية من توقيعه اتفاقية السودان عام  1899 بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها، مع اللورد كرومر بالنسابة عن الحكومة الإنجليزية، ليصبح لإنجلترا رسميا حق الاشتراك في إدارة شوون الحكم بالسودان، ورفع العلم الإنجليزي إلى جانب العلم المصري في أرجائه كافة. كان بطرس غالي أيضا ضمن تشكيل محكمة دنشواي في نوفمبر عام 1906، والتي أصدرت حكما بإعدام 4 من أهالي دنشواي، والأشغال الشاقة مددا مختلفة على 12 متهما وبالجلد 50 جلدة لكل منهم، إثر اتهامهم بقتل ضابط بريطاني مات بالأساس متأثرا بضربة شمس، لتنضم رئاسته تلك المحكمة للأمور التي أخذت عليه، وذريعة جديدة لمهاجمته واتهامه بالتعاون مع الإنجليز، بجانب إعادته العمل بقانون المطبوعات القديم في مارس 1909، ودوره في محاولة مد مشروع إمتياز قناة السويس. ترتب على ذلك، وتحديدا في أثناء نظر الجمعية العمومية لمشروع مد إمتياز قناة السويس، فوجئ الناس بقتل بطرس غالي في 20 فبراير عام 1910، إذا لم يسبق أن تقدمه اعتداء مثله أو يشبهه، ولم يكن الناس قد عرفوا في مصر حوادث القتل السياسي منذ عهد بعيد. كان قاتله إبراهيم ناصف الورداني، 24 عاما، أحد المتحمسين لمبادئ الحزب الوطني، والذي انتظره حتى خرج من مكتبه في ديوان الخارجية وهو يهم بركوب عربته، ليقترب منه متظاهرا بأنه يريد أن يرفع له عريضة، وأطلق عليه رصاصتين إحداهما في صدره، وما كاد «غالي» يلتفت خلفه ليرى صاحب هذه الفعلة حتى أطلق عليه الفتى 3 رصاصات أخرى أصابت إحداها عنقه من الخلف، واثنتان في كتفه، ورصاصة سادسة أصابت ثيابه. حمل بطرس غالي على الفور إلى مستشفى الدكتور ملتون بباب اللوق، ليجتمع حوله 15 طبيبا من كبار الأطباء في مصر، أجروا له عملية لإخراج الرصاصات، ولما وقف الخديوي عباس حلمي الثاني على هذا النبأ، بلغ منه التأثر مبلغه، وزاره ودخل عليه غرفته وقبله في وجهه، وكان «غالي» قد تنبه قليلا فبدأ يقول: «العفو يا أفندينيا.. متشكر»، ورغم أنه ارتاح قليلا بعد انتهاء العملية إلا أن الألم ازداد بعد قليل وارتفعت حرارته، وأصبح في خطر قريب، ولم تأت الساعة الثامنة مساءً حتى أسلم الروح، ليقرر مجلس النظار تنكيس الأعلام على الثكنات العسكرية ودور الحكومة حدادا عليه. وفي صباح اليوم التالي بدأت مراسم الجنازة بحمل النعش من الكنيسة إلى المدفن بعربة يجرها ثمانية من الجياد واثنتي عشر عربة مملوءة بأكاليل الزهور، في موكب لم تر له مصر مثيلا حتى في وفيات ملوكها وأمرائها، حيث تقدم الموكب فرسان البوليس المصري، فرجال المدفعية الإنجليزية، فرجال الجيش المصري، فكبار ضباط الإنجليز والمصريين، وتلاميذ المدرسة الحربية. اعترف الجاني إبراهيم الورداني، بجرمه، وبرر إقدامه على قتل بطرس غالي بالوقائع السابق ذكرها، اتفاقية السودان ومحكمة دنشواي وقانون المطبوعات وإمتياز قناة السويس، مؤكدا أنه قصد قتله منذ زمن، وأنه القاتل الوحيد دون أن يشترك معه أحد، ليصدر ضده حكم الإعدام الذي نُفذ في صباح يوم 28 يونيو عام 1910، بعد نطققه للشهادتين، مضيفا «أن الحرية والاستقلال من آيات الله». يذكر أن «الورداني» تلقى علومه الأولى في المدارس المصرية حتى نال البكالوريا، ثم سافر إلى سويسرا لتلقي علوم الصيدلة، ومنها إلى إنجلترا، ليعود إلى مصر بعد سنة ويفتتح صيدلية في شارع عابدين، وكان من المتحمسين لمبادئ الحزب الوطني المناوئ للخديوي عباس وقتذاك، كما كتب عدة مقالات في صحيفة «اللواء» لسان حال الحزب التي أصدرها مصطفى كامل عام 1900، وكان يوقعها باسمه الحقيقي، وعرف عنه أنه كان شابا عصبي المزاج وشديد الانفعال.

مشاركة :