في سابقة تسجلها العلاقات الدولية، باستخدام «لغة حربية»، في وصف «هجمات افتراصية»، اتهمت واشنطن رسميّاً الجيش الروسي بشن ضربة إلكترونيّة استراتيجيّة، وبلهجة لم تُستخدم منذ التوتر بين قطبي «الحرب الباردة» إبّان أزمة الصواريخ الكوبيّة الشهيرة في خمسينات القرن العشرين. ويرى خبراء عسكريون في موسكو، أن واشنطن تعيد مناخ من سنوات «الحرب الباردة» بل وتشعلها بتصريحات غير مسبوقة، على مسار العلاقات بين الدولتين، رغم ما يبدو من التوتر، بين واشنطن وموسكو، واستخدمت مصطلح «الحرب الهجينة» في وصف ما تراه حروب الإنترنت مع موسكو، حتى أن البيت الأبيض اتهم روسيا بأنها وجّهت ضربة استراتيجيّة دوليّة عبر فيروس «نوت بيتيا»، والذي ضرب في صيف 2017، نظماً إلكترونيّة وشبكية وصناعية، وألحق خسائر بمليارات الدولارات. واشنطن كشفت عن مخاطر«الطابع الاستراتيجي ـ الحربي» للضربة الإلكترونية، مشيرة إلى التدخل الروسي الإلكتروني في الانتخابات الأمريكيّة، وبعد أيام من نشر الاستخبارات الأمريكيّة تقريراً يتوقّع حدوث تدخّل مماثل في انتخابات الكونغرس النصفيّة في الخريف المقبل، وأن تلك الحرب «الهجينة» ليست بعيدة عن الحرب الفعليّة في أوكرانيا (وهي مواجهة مسلحة شبه منفردة بين حلف «ناتو» وروسيا)، وعانت أوكرانيا بشدة من وطأتها، وهذا الفيروس يشمل مكوّناً إلكترونيّاً متطوّراً هو «مي دوك» MeDoc ربما كان مسروقاً من مؤسّسة الضرائب في أوكرانيا، ما يفسر أيضاً ربطه بالحرب في ذلك البلد. وأن تلك الوقائع ترسم المعنى الاستراتيجي المعاصر لمصطلح «الحرب الهجينة»، الذي يشير إلى تداخل حروب الإنترنت والسياسة والإعلام والأسلحة معا. وأوضح خبراء أمن في واشنطن، أن «الحرب الهجينة» تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بقدراته على تحليل كميات ضخمة من البيانات المتحركة عبر الـ «سوشال ميديا»، وهو ما حدث للجمهور الأمريكي، ما أعطى أداة للتلاعب بميوله الانتخابية عبر ضخّ بارع لأنواع من الأخبار تتلاعب بأعصاب معيّنة في ذلك الجمهور.. وأنّ الأسلحة العسكرية الحديثة باتت فائقة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، في تطويرها وتوجيهها، بل أنّ أدواته هي في القلب من مكوّناتها، بداية من الصواريخ الذكيّة ومروراً بالـ «درون» ـ طائرات بدون طيار ـ والنظم المتقدّمة في القيادة والتوجيه وضرب النظم الإلكترونية للجيوش، ووصولاً إلى التجسّس الإلكتروني على شبكات الاتصالات العالمية وغيرها. وأن مخاطر الذكاء الاصطناعي، ترجع إلى أن له دوراً محوريّاً في صنع فيروس «نوت بيتيا» الذي تستخدمه موسكو، وهو الأسوأ في تاريخ الضربات الإلكترونيّة، وقد جاء بعد أسابيع قليلة من انتشار فيروس «وانا كراي» الشهير، الذي نسبته الإدارة الأمريكيّة أخيراً إلى كوريا الشماليّة. واشنطن تتهم موسكو، بإعلان أول حرب هجينة للذكاء الاصطناعي في القرن 21 ..بينما أعلن أمس المدعي الخاص الأمريكي المكلف بتجسس روسي محتمل، روبرت مولر، توجيه الاتهام إلى 13 روسيا وثلاثة كيانات روسية، بالتدخل في الانتخابات وبالعملية السياسية الأمريكية. وأن المتهمين تآمروا، منذ العام 2014 وحتى الآن، للتدخل «في السياسة الأمريكية والعمليات الانتخابية»، بما فيها الانتخابات الرئاسية في العام 2016، وأن الجميع اتهموا بالتآمر بهدف خداع الولايات المتحدة، كما اتهم ثلاثة بالاختلاس المصرفي، وخمسة آخرين بانتحال صفة، وذلك للسيطرة على حسابات على مواقع للتواصل الاجتماعي ركزت على بث الانقسام في القضايا الاجتماعية والسياسية. البيت الأبيض، حذر من تهديدات مباشرة من موسكو للأمن القومي الأمريكي.. وفي سياق توتر سياسي ـ استراتيجي غير مسبوق منذ عقود، هدد البيت الأبيض بعواقب دوليّة ضد روسيا، لتشعل حرارة «الحرب الباردة».
مشاركة :