التلوث يعكر سماء أكبر مرصد فلكي بالعالم

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بارانال (تشيلي) - لطالما اعتبرت صحراء أتاكاما في شمال تشيلي جنّة لعلماء الفضاء بسبب نقاوة الجو والطقس الجاف، لكن التلوّث يوشك أن يودي بصفاء الرؤية في هذه البقعة التي تتركّز فيها أكبر المراصد الفلكية في العالم. تقع صحراء أتاكاما على بعد 1200 كيلومتر شمال العاصمة سانتياغو، وهي تمتاز بظروف مثالية لاستقبال المراصد، فسماؤها تبقى منقشعة في معظم أيام السنة. ولذا، صارت هذه الصحراء الجافة ذات السماء النقيّة قبلة للمراصد العالمية، ويُتوقّع أن تتركّز فيها 70% من التجهيزات الفلكية مع حلول العام 2020. لكن أمرا يلوح في الأفق يُنذر بإفساد "جنّة علماء الفلك" هذه، فتوسّع المدن واستخدام مصابيح "ليد" يهدد بتعكير صفو السماء عن عدسات المراقبة. في ديسمبر/كانون الأول، أظهرت دراسة منشورة في مجلة "ساينس أدفانسز" أن قوة الضوء المنبعث من المصابيح في الأرض ازدادت بنسبة 2% بين العامين 2012 و2016. وفي شمال تشيلي، صار استخدام مصابيح "ليد" شائعا في القرى والمدن، في الشوارع كما في المنازل والمتاجر واللوحات الإعلانية. ويقول بيدرو سانويزا المسؤول في مكتب حماية الجو في شمال تشيلي لوكالة فرانس برس "للأسف، بسبب تزايد الإضاءة البيضاء، تدهورت نقاوة السماء بنسبة 30 % عن آخر العقد الماضي". ويوشك هذا التلوّث الضوئي أن يذهب بالظلام الدامس الذي تحتاج إليه التلسكوبات للحصول على أفضل رؤية للفضاء. تمدد عمراني وقد اتخذت إجراءات وقائية في مرصد بارانال الذي يستضيف التلسكوبات الأربعة الضخمة التابعة للمرصد الأوروبي الجنوبي. فبعد غروب الشمس، يحظر على السيارات المتحرّكة في جوار المرصد أن تشعل مصابيحها القوية، بل يطلب منها أن تستخدم المصابيح الضعيفة. أما من يتنقلّون مشيا، فعليهم أن يستضيئوا بمصابيح صغيرة يوجّهونها إلى أسفل. أما في المرصد نفسه، فإن مساكن العلماء والموظفين تضاء بالحدّ الأدنى، منعا لتشويش الرؤية. لكن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية. فالعمران آخذ بالتمدد بشكل كبير منذ عشرين عاما مدفوعا بازدهار استخراج النحاس الذي تعدّ تشيلي أكبر منتج له في العالم. وصار وهج الأضواء فوق هذه المدن والقرى يُرى بوضوح من المراصد الواقعة في دائرة لا يزيد قطرها عن 150 كيلومترا. ويقول كريس سميث مدير مرصد تولولو الواقع على ارتفاع 2200 متر على بعد ثمانين كيلومترا من مدينة لا سيرينا "بدأنا نواجه صعوبات فعلا في مراقبة السماء عند مستوى عشرين درجة فوق الأفق، وسيؤدي ذلك لحرماننا من مراقبة النجوم البعيدة". مخاطر صحية إضافة إلى التمدد العمراني، تساهم البنى التحتية الضخمة المنشأة في الصحراء لاستخراج النحاس وشقّ الطرقات في التلوّث الضوئي. ويدعو سميث إلى تثقيف الأجيال الجديدة على الاستخدام المستدام للضوء والاعتماد على مصادر "أكثر دفئا" وبالتالي أقلّ تسببا بالتلوّث الضوئي، وتجنّب توجيه الأضواء إلى السماء. ويقول إن التلوث الضوئي بلغ مستوى كبيرا، وينبغي السيطرة عليه "فمن غير الوارد أن تقفل هذه المراصد". وهذا ما جرى تقريبا مع مرصد بالومار في كاليفورنيا، فقد قلّص عمله بشكل كبير بعدما صارت السماء فوقه مكتظّة بالأضواء التي تصدرها لوس أنجليس وتحجب عمق الكون عن عدسات التلسكوبات. وإضافة إلى عرقلة أعمال مراقبة الفضاء، يحذّر الخبراء من أن للتلوث الضوئي آثارا خطرة على صحة الإنسان وعلى البيئة. فهو يتسبب باضطراب الساعة البيولوجية ما يرفع خطر الإصابة بأمراض مثل السرطان والسكري والاكتئاب.

مشاركة :