يفتتح فيلم Black Panther «بلاك بانثر» موسم أفلام ربيع عام 2018 متقدماً بشهر كامل عما جرت عليه العادة، ففي العام الماضي افتتح «لوغان» الربيع في مارس متبوعاً بـ«حراس المجرة 2». «بلاك بانثر» يُسمى فيلم اللحظة، أي إنه يأتي تماشياً مع الأفكار السياسية التصحيحية السائدة حديثاً في المجتمع الأميركي التي أطلقها الرئيس السابق باراك أوباما. «بلاك بانثر» (الفيلم رقم 18 في عالم مارفل السينمائي) سياسي جداً، أو هو مُسيّس لدرجة لا تطاق أحياناً، بل هو مشحون ويصرخ بها في وجه الجمهور بشكل يثير التململ. التسييس يبدأ من ملصق الفيلم وحملته الترويجية، إذ يتباهى الفيلم بأبطاله، ومعظمهم من أصل إفريقي، بما فيهم المخرج ويهمش العنصر الأبيض، متحدياً الممارسة السابقة القائمة على تعددية الأعراق في أي فيلم سينمائي دون تنميط الشرير في شخصية غير بيضاء. ليست أول مرة فقد كانت هناك موجة أفلام السود (بلاكسبلويتيشن) في السبعينات التي حاربت النمطية ضد العنصر من أصل إفريقي في السينما، ويبدو أن «بلاك بانثر» يريد نشر مثل رسالة تلك الموجة من الأفلام بأسلوب الموجة التصحيحية. نجح الفيلم في إيصال رسالته، إذ انبهر به النقاد في أميركا وبريطانيا على وجه الخصوص، وامتدحوا الجانب المسيّس منه، وأطلقوا عليه فيلم اللحظة، ولم يزعج هؤلاء النقاد إلا ناقد إيرلندي واحد لم يمنح الفيلم علامة كاملة فانتقدوه! منظور فني بحت لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. شخصيات مغايرة توجد شخصيات من أصحاب البشرة البيضاء في الفيلم، وهم: مارتن فريمان وآندي سيركيس (صديقان من أيام عملهما مع بيتر جاكسون)، وكذلك ستان لي مؤلف الشخصيات الذي يظهر في كل أفلام «مارفل» في لقطة واحدة فقط. لي كتب شخصية بلاك بانثر في سلسلة قصص مصورة مع الراحل جاك كيربي عام 1966. • الفيلم قد يصلح أكثر لعشاق الـ«كوميكس»، والأفلام المقتبسة منها، لكنه بالنسبة للمشاهد العادي لا يعني شيئاً، ومنسياً بمجرد الخروج من الصالة. نحن هنا في هذا الجزء من العالم لا يهمنا ما يحصل في المجتمع الأميركي، ولا نعير رسائلهم السياسية الداخلية التي يحاولون تدويلها سينمائياً أي اهتمام، سواء كانت تمجيداً لعرقية معينة، أو تصفيقاً لانحلال أخلاقي دأبت عليه هوليوود في القرن 21، خصوصاً سنوات أوباما الآفل. لكن ننظر للفيلم من منظور فني بحت بعيداً عن تأثير العرقية والدين والسياسة. بعد مقدمة سريعة تزوّد المشاهد بالخلفية والسياق ومشهد تأسيسي يعود لعام 1992 في أوكلاند كاليفورنيا، ينتقل المخرج رايان كوغلر (أخرج فيلم كريد عام 2015)، بعدها إلى الزمن الحالي في دولة إفريقية خيالية تُسمى واكاندا. بالنسبة لبقية دول العالم، واكاندا دولة من العالم الثالث، وهي كجاراتها في القارة السمراء تصارع الفقر، وتعاني نقصاً شديداً في الموارد الطبيعية. لكن ذلك التصور ليس حقيقياً، بل هو أكذوبة رسمتها واكاندا للعالم كي تخبئ أغلى ثروة تمتلكها عن المستعمر الغربي، وهو معدن يُسمى (فايبرانيوم)، لا يعرف عنه أحد سوى أهل تلك الدولة. يخلف تيتشالا (تشادويك بوزمان) عرش والده ملك واكاندا، الذي قتل في فيلم «كابتن أميركا: حرب أهلية» في مشهد تفجير مبنى الأمم المتحدة في حدث مشابه لأحداث سبتمبر الإرهابية. يتسلح تيتشالا بتقنية طوّرتها شقيقته العالمة شوري (ليتيتا رايت)، وهي على شاكلة شخصية كيو في أفلام جيمس بوند، ويصطحب عشيقته السابقة ناكيا (لوبيتا نيونغ أو) - لا نفهم لم هي سابقة لكن بما أنه اصطحبها ستصبح لاحقة - ورئيسة مقاتليه أوكوي (داناي غوريرا) ويسافر إلى بوسان في كوريا الجنوبية ليقبض على مرتزق اسمه يوليسيس كلو (آندي سيركيس بلحمه ودمه على الشاشة دون مؤثرات خاصة)، الذي يريد بيع عينة من المعدن الثمين في السوق السوداء. أثناء تلك المهمة يلتقي تيتشالا عميل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) إيفيريت روس (مارتن فريمان)، الذي رأيناه سابقاً في «حرب أهلية». بعد ذلك بفترة وجيزة يظهر غريب يُدعى إيريك كيلمونغر (مايكل بي جوردان) بقدرات غير عادية وقصة صادمة تسمح له بالتشكيك في أهلية تيتشالا الجلوس على العرش. يطلب كيلمونغر من تيتشالا معركة فردية بغرض إثبات جدارته كملك، وهو حسب الفيلم من طقوس تلك الدولة، و إذا هُزم الملك يضطر إلى التنازل عن عرشه. من عرق واحد «بلاك بانثر» الفيلم الأول تحت مظلةMarvel Cinematic Universe أو «عالم مارفل السينمائي»، الذي يضم ممثلاً من أصل إفريقي في بطولته، لكن ينبغي تمييز أنه ليس أول فيلم لمارفل - قبل إطلاق مشروع عالمها السينمائي عام 2008 - بشخصية من العرق الإفريقي، فقد سبق هذا الفيلم ثلاثية Blade وبطلها ويزلي سنايبس من آخر التسعينات حتى أول الألفية الجديدة، وتلك الثلاثية كانت أول من كسر حاجز اللون في عالم الأبطال الخارقين. يحاول «بلاك بانثر» الترويج لنفسه، من خلال توزيع الأدوار الرئيسة والمساندة، وما بينهما على أصحاب البشرة السمراء على اعتبار أنه أول فيلم (بلوكباستر) يفعل هذا الشيء، فغالباً أفلام أصحاب البشرة السمراء تكون مستقلة، وموجهة لتلك العرقية بشكل خاص. هذه المرة الفيلم يعلن أنه إنتاج ماكينة هوليوود الضخمة بأبطال من عرق واحد وموجه للجميع. «بلاك بانثر»، الذي تقع أحداثه بعد «حرب أهلية»، لا يقدم جديداً، وقد يصلح أكثر لعشاق القصص المصوّرة (كوميكس) والأفلام المقتبسة منها، لكنه بالنسبة للمشاهد العادي لا يعني شيئاً، ومنسياً بمجرد الخروج من الصالة. تغيير القالب ليس تغيير المعادلة، فالأول يعني السياق والمعادلة تمس السيناريو. تغيير القالب يعني وضع قصة أبطال خارقين في سياق أفلام ويسترن (كاوبوي) مثلاً، كما فعل «لوغان» وهو استثناء بالنسبة للقالب والمعادلة لأنه ينهي القصة، أو سياق فيلم مراهقين كما فعل «سبايدر مان». لكن تغيير المعادلة هو الأصعب الذي يمس السيناريو، وهذه لم تفعلها أفلام «عالم مارفل السينمائي» بالشكل المطلوب. بكلمات أخرى، «مارفل» تلتزم منطقة الأمان كثيراً، ولا تضع لأي بطل تحد يهز كيانه، وإذا تعرض البطل لأزمة تهدد وجوده في منتصف الفيلم، فإن المشاهد يعلم أن الأزمة لن تدوم باكتمال الساعة الثانية، وستأتي النهاية السعيدة التي أصبحنا حتى لا نكترث بها و نستقبلها بالتثاؤب. لا يتردد الفيلم في إلقاء محاضرات صريحة عن العبودية، ومآسي العرق الإفريقي الذي تعرض للاستعمار والاستعباد، وهو ما لم يجده نقاد الصحافة الليبرالية عيباً، لكنه كان كذلك في أفلام أخرى مثل Downsizing، وهو أيضاً فيلم مُسيّس عن المخاطر المحيطة بالبيئة! فلماذا الكيل بمكيالين! نعم، هذا الفيلم مبالغ جداً في تقديره، رغم احتوائه مشاهد بصرية جميلة، وبعض النكات جيدة التوقيت، لكن على صعيد القصة (صراع على عرش) ومشاهد القتال والمطاردات فلا جديد، وأحياناً تهبط المؤثرات الخاصة البصرية إلى مستوى ألعاب الفيديو. بعض النقاد الأميركيين من ذوي البشرة السمراء شبه وصول الفيلم بهذا الشكل بلحظة تنصيب أوباما رئيساً، ونرد على الهراء المُسيّس أن «بلاك بانثر» فيلم بلا قيمة فنية سينمائية حقيقية لا يختلف عن كل أفلام «مارفل» التافهة التي شاهدناها بعد «حرب أهلية»، وهذا الأخير اعتبرناه من الاستثناءات القليلة الجيدة في صنف «سوبر هيروز».
مشاركة :