انعقد في الكويت خلال الأسبوع الماضي مؤتمر المانحين المخصص لإعادة إعمار العراق، مع التركيز على المحافظات المتضررة من الحرب على تنظيم «داعش». وقال وزير التخطيط العراقي في الجلسة الافتتاحية إن إجمالي الأضرار الناجمة عن الإرهاب في المحافظات السبع المتضررة من إرهاب «داعش»، نينوى والأنبار وصلاح الدين وبغداد وبابل وديالى وكركوك، بلغت نحو 88 بليون دولار. واستضافت الكويت المؤتمر مشكورة وشارك فيه 1850 شركة من 70 دولة، ما يدل على أهمية العراق الجيواستراتيجية ومستقبله الاقتصادي الموعود عند استقرار الدولة وبروز نظام حكم يشمل جميع المواطنين. يكمن الاهتمام الدولي بالعراق بطاقاته النفطية التي تضعه الآن في المرتبة الإنتاجية الثانية في منظمة «أوبك»، إذ يتراوح معدل الإنتاج بين 4.30 و5.00 ملايين برميل يومياً، ما يعني أن قيمة الصادرات النفطية السنوية، بافتراض أرقام محافظة للأسعار (60 دولاراً للبرميل و4 ملايين برميل يومياً)، نحو 87.6 بليون دولار سنوياً، في وقت بلغت قيمة الصادرات النفطية لعام 2017 نحو 59.5 بليون دولار، بحسب تصريح شركة التصدير النفطية الوطنية العراقية «سومو». يطرح دمار «داعش» للعراق أسئلة عدة؟ من الذي أسس «داعش»، وما الهدف من تأسيسها؟ كيف استطاعت حفنة من الإرهابيين عبور الصحراء لاحتلال الموصل دون دفاع الجيش عن ثانية كبريات مدن العراق؟ من المسؤول عن هذا الخطأ التاريخي الثاني في تاريخ العراق الحديث: «ماكو أوامر» (أي لم تكن لدينا أوامر)؟ هل كان من الممكن أن تتوغل «داعش» في سبع محافظات عراقية لولا وهن الدولة ؟ وإذا افترضنا أن الدول والشركات التي ستبدي استعداداً لإعادة إعمار العراق ستفي بتعهداتها، هل سيتغير النظام السياسي الذي استلم المسؤولية بعد 2003؟ تشير لوائح القوائم الانتخابية للمجلس النيابي المقبل، أن لا تغيير يذكر في المجموعات السياسية التي وصلت السلطة في 2003، حيث لا تزال تهيمن الأحزاب الدينية على اللوائح الانتخابية ومن ثم على شبكة أكبر عملية سطو لموارد الدولة في العصر الحديث. وهذا الأمر يطرح بدوره سؤالين، أولهما: ما هو مصير أموال النفط منذ 2003؟ ذكر نائب رئيس الجمهورية ووزير النفط والمالية السابق عادل عبد المهدي في مقال في جريدة «العدالة» البغدادية في تاريخ 19 آب (أغسطس) 2015 ما يأتي: « بلغ مجموع موازنات العراق منذ عام 2003 حتى 2015 نحو 850 بليون دولار (بالطبع يشكل الريع النفطي المورد الأساس للعراق، أي أكثر من 85 في المئة من الموازنات السنوية». وأضاف: «لقد فقد العراق نحو نصف ريعه النفطي البالغ نحو 425 بليون دولار بين عامي 2003 و2015. من الملاحظ أن معظم هذه الأموال سرقت أثناء ولايتي رئيس الحكومة نوري المالكي (2006-2014)، من ثم لا غرابة في وهن الدولة العراقية وفشلها في إدارة الملف الاقتصادي للبلد. وذكرت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية ، نجيبة نجيب، أن موازنة 2018 التي لم تحظ حتى الآن بموافقة مجلس النواب، اعتمدت في مشاريعها على القروض، لافتة إلى أن الإيرادات غير النفطية لا تزال خجولة في الموازنة. وقالت في تصريح نقلته «الغد برس» في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، أن «موازنة 2018 فيها خلل كبير، لأنها اعتمدت في مشاريعها على القروض»، مبينة «أن هناك 25 تريليون دينار قروضاً من أصل 28 تريليوناً مخصصة للنفقات الاستثمارية». إن الاعتماد الواسع على القروض يشير إلى سوء إدارة الدولة وإفلاس البلاد. ويتحدث رئيس الوزراء حيدر العبادي عن نيته استرداد الثروات المنهوبة وملاحقة الفاسدين. لكن كيف ومتى، وبخاصة مع تواجد النظام السياسي ذاته من دون تغيير يذكر؟ ووفقاً لنائب رئيس الجمهورية أياد علاوي، «هناك كيانات منظمة للفساد تدير البلد ولا توجد سلطة في العراق قادرة على وضع أي خطة ضد الفساد». يتطلع المواطن العراقي إلى المساعدات والاستثمارات الأجنبية لدعم الأهالي والمناطق المتضررة من «داعش». ولكن، يتخوف المواطن في الوقت ذاته من ضياع الأموال في قنوات الفساد، كما سرقت بعض المعونات والأموال المخصصة للنازحين. وبما أن النفط هو المصدر الأساس للاقتصاد العراقي، فمعنى هذا أن معظم السرقات الضخمة هي في هذا القطاع. وقد دعمت هذه المخاوف تقارير لجان النزاهة العراقية وتقارير وزارة الدفاع الأميركية الدورية للكونغرس. وآخر فضيحة فساد نفطية كبرى محورها شركة «يونا أويل» المسجلة في إمارة موناكو. والقضية لا تزال في المحاكم، وكما هي العادة فضحتها وسائل إعلام أجنبية. آن الأوان أن يحارب الفساد كما حوربت «داعش». إن خطر الواحد ليس أقل من الآخر، فالمواطن العراقي، مثل الكثيرين غيره من المواطنين العرب، فقدَ ثقته بإمكان بناء دول حديثة، نتيجة شيوع الفساد ودور مسؤولين كبار في عملية النهب هذه التي لا يتبين أن هناك رادعاً لها. لقد حان الوقت، بعد كل الخراب الذي أصاب العراق، للتوصل إلى عقد اجتماعي يساوي بين المواطنين في ظل دولة مدنية. كنا نتوقع أن يعطي مؤتمر الدعم هذا اهتماماً أوسع للتحديات الاجتماعية التي أوصلت البلاد إلى الوهن التي هي فيه.
مشاركة :