لينين الرملي يجدد الحوار حول فكرة الثورة بقلم: سارة محمد

  • 2/18/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب الساخر لينين الرملي يقف عند الأحوال المصرية الراهنة في مسرحية اضحك لمّا تموت وتخطى بعرضه الجديد حاجز اللجوء إلى الماضي.العرب سارة محمد [نُشر في 2018/02/18، العدد: 10904، ص(13)]نبيل الحلفاوي يعود إلى المسرح بعد طول غياب ليلعب دور أستاذ التاريخ في لحظة استثنائية اختار الكاتب الساخر لينين الرملي أن يقف عند الأحوال المصرية الراهنة في مسرحية “اضحك لمّا تموت”، وتخطى بعرضه الجديد حاجز اللجوء إلى الماضي كما جرى في مسرحية “أهلا يا بكوات”، أو الذهاب إلى المستقبل البعيد مثلما حدث في عرض “وداعا يا بكوات”، واعتبرهما المؤلف جزأين سابقين للمسرحية الجديدة التي بدأ عرضها على المسرح القومي بالقاهرة مؤخرا، وبذلك فتح الرملي بابا للمراجعة بين أجيال مختلفة نحو حديث الثورة في مصر. عاد الكاتب المصري لينين الرملي إلى العمل في المسرح القومي من خلال مسرحية “اضحك لمّا تموت” والتي بدأ كتابتها منذ أغسطس 2010 وانتهى منها في 2014، أي بعد حدوث ثورتين في مصر (يناير 2011 ويونيو 2013). ويبدو أن المرحلة الزمنية التي اتخذها مؤلف العمل في كتابة النص دفعته إلى إقحام العديد من القضايا الإنسانية داخل فكرة سياسية أعادت الجدل نحو جيل يرفض أو يتجاهل الثورة، ممثلا في كبار السن، وآخر يمثل حماس الشباب ويصفها بالخلاص. تبدأ الأحداث داخل منزل أستاذ التاريخ الدكتور يحيى سعد، الذي يلعب دوره الفنان نبيل الحلفاوي في عودة للوقوف على خشبة المسرح بعد غياب طويل، وتبدو عليه ملامح تقدم العمر والهزال الجسدي ويطرق بابه طاهر الذي يقوم بدوره الفنان محمود الجندي، وهو صديق له غاب عنه بسبب رحلات عمل دفعته إلى التنقل من دولة إلى أخرى. منزل صغير يخلو من الفخامة، بدت عليه آثار تهالك الزمن من خلال جدران ألصق عليها ورق حائط تتخلله قطع أثاث متفرقة تحتفظ بسمات الماضي، وكان المنزل سكنا لوالدي يحيى، الذي قرر العيش به بعد رحيل زوجته، وتتوسط ذلك كله مكتبة كبيرة تحمل الكثير من الكتب. تلك المعايشة الحقيقية التي صممها المهندس محمود غريب واحتفظ معها بعبق الماضي وطبيعة المنطقة التي تطل على ميدان التحرير في وسط القاهرة والذي كان مركزا للثورتين الأخيرتين في مصر، وما يحمله من خصوصية لدى الشباب والكبار.لينين الرملي يستكمل "أهلا يا بكوات" و"وداعا يا بكوات" بإطلاق صرخة مسرحية جديدة عروض مترابطة احتفظ مؤلف العمل بالشكل الأساسي الذي ظهر عليه الجزء الأول ثم الثاني من العرض (أهلا يا بكوات ثم وداعا يا بكوات) من خلال صديقين يتقابلان ويناقشان معا أحوال الدنيا وما طرأ عليها من تغيرات، وإن كان هذا الجزء يقف في مرحلة وسط من السابقين، كما وصفه الرملي في حديثه عن العرض. يشترك طاهر ويحيى في رابط إنساني اجتماعي هام، يتمثل في الاكتئاب الذي يتحايل عليه كلاهما بالضحك أو بمعنى أدق بـ”النكت والسخرية والدعابات الكوميدية” المستمرة طوال مدة العرض، فطاهر طردته زوجته الثانية من المنزل وهجرته ابنته إلى الخارج، وتكتفي بالتواصل معه عبر رسائل الموبايل أو مكالمة لا تتعدى ثواني معدودات. أما يحيى، فهو شخصية فاعلة ومحركة للأحداث، قرر أن يدّعي النسيان بعد إحباطات من الدولة ورحيل الزوجة وهجر الابن الذي لم ينصت لحديث الأب بعدم الذهاب إلى الميدان فتركه، ويزيد على ذلك إصابته بورم سرطاني. الحالة التي بدا عليها يحيى جاءت نتيجة لانكسار نفسي كبير وقد وصل به الأمر إلى إهمال ذاته وتجاهل نظافته الشخصية وارتداء ملابس بالية، وإن كانت مصممة الملابس نعيمة عجمي قد نجحت في إظهار التناقض الشديد بينه وبين شخصية صديقه طاهر، الذي كان أنيقا في ثيابه، والرمزية هنا لعمله كمصور للنخبة من رؤساء ومسؤولين، وهو ما يشي بالمكاسب التي حصل عليها جراء العمل معهم. حدث الثورة لماذا توقف الكاتب عند حدث الثورة؟ سؤال كبير لا بدّ من وضعه في الاعتبار خلال مشاهدة العرض، لأنه كان من الممكن أن يبتعد عن فكرة تقديم العرض من الأساس وقد بدأ في كتابته منذ حوالي سبع سنوات، وربما كان يحمل معه نقدا غير مباشر لسياسات الحكومة، كما حدث في الجزء الأول. في هذا الجزء كان الحلم الذي رآه أستاذ التاريخ وهو يعود بالزمن إلى الماضي، تحديدا إلى عهد المماليك وعصور توريث الحكم والفساد في مصر، في إسقاط غير مباشر على سياسات الحكومة التي تخللتها إشارات للحاضر، الأمر الذي كان سيدفع كاتبه إلى استكماله بصورة أكبر مع تصاعد أزمات النظام السياسي في تاريخ ما قبل ثورة يناير. كان الرملي ذكيا واختار منطقة آمنة لا تجعل المشاهد يملّ من تكرار الحديث عن فساد النظام ولم يذهب إلى اللحظة الحالية، لأنه مازال يقرأ المرحلة السياسية التي يمرّ بها المجتمع، لكنه ذهب إلى صلب القضية ذاتها، وفتح حوارا مع عقل المشاهد متضمنا سؤالا غير مباشر يقول “هل كانت ثورة يناير 2011 صوابا أم خطأ؟”.مشهدان من المسرحية: كوميديا توظف تقنيات المسرح الحديث أفكار الثورة يُترجم ذلك في تمسك أستاذ التاريخ (الفنان نبيل الحلفاوي) بغلق نوافذ مسكنه المحاط بصيحات شباب الثورة وعلم الدولة ولا يريد أن يرى شيئا بعد أن فقد الأمل في الإصلاح، وتماشيا مع تركيبة شخصية البطل تظهر على مدار الأحداث جثة مغطاة بشاش أبيض تخرج من ثلاجته وكأنها إشارة لحياته التي أصبح لا يعيرها اهتماما ويعتبر ذاته فيها كالجثة. يتميز الرملي، على مدار رحلته الطويلة في الكتابة الساخرة، بالتركيز على الجانب الإنساني وسط قضايا هامة يناقشها بسلاسة وبساطة وبشكل يجعله كمغرد منفرد في أعماله التي يوازن فيها بين خط الدراما الأساسي لفكرته وبين الضحك الذي لا يتوقف طوال مناقشته للأمر، وكان اسم “اضحك لمّا تموت” يتماشى كثيرا مع ثيمة العرض المحمّل بالكوميديا. ولأن الرملي، الذي قضى أكثر من 45 عاما في العمل الفني، لم يتخلّ عن القضايا الإنسانية في أعماله التي قدمها سابقا مثل “تخاريف” و”الهمجي” وغيرهما، ويتحدث في “اضحك لمّا تموت” عن الكثير منها، كالأب الذي يلعب دوره محمود الجندي ويشعر بالأذى تجاه سوء معاملة ابنته أو صدمته في حبه القديم الموهوم به. تظهر الأبعاد الإنسانية بوضوح من خلال شخصية شربات، التي تجسدها الفنانة إيمان إمام وتحقق بهذا العرض نجاحا أكبر في نشاطها المسرحي، وتظهر في دور فتاة بلهاء تعرضت للإيذاء الجسدي (تحرش) من قبل رجال، أدّى إلى إصابتها بأضرار كثيرة، وأصبح يحيى هو الأب الروحي لها وقد احتضنها في منزله حماية لها. وواجه الرملي، الشباب الثائر وطرح عليهم سؤالا من خلال شخصية شربات، التي تقابل شابا ثوريا وتتعلق به، لكنه يتركها بعد أن يعلم بحقيقة ما حدث لها، ما يتناقض مع المبادئ التي ينادي بها في ميدان الثورة، من تسامح واحتواء للضعفاء، ويريد الرملي بذلك حض الشباب على مراجعة تناقضاتهم. شفافية الصورة يخوض المخرج عصام السيد، تحديا جديدا في هذا العرض، لكنه أثبت نضج أفكاره، ووضح ذلك في توظيف التقنيات الحديثة على المسرح من خلال شاشات تحكّم يتواصل بها مع شخصيات أخرى في العرض تقيم حوارا مع الأبطال الرئيسيين على المسرح.أجيال مختلفة نحو حديث الثورة في مصر كما أن خلفية الصورة على المسرح مبهرة ويظهر فيها ميدان التحرير أثناء الثورة، ويتبع ذلك ستائر شفافة سهلة الحركة لإظهار بعض المشاهد والتكوينات في رمزية للشكل الذي بدا عليه الميدان في هذه المرحلة. يبدو أن طول غياب النجم المخضرم نبيل الحلفاوي عن المشهد المسرحي دفع محبيه إلى الاحتشاد في الليلة الأولى من العرض الذي رفع شعار “كامل العدد”، ليقابل الفنان جمهوره وسط احتفاء بأدائه الحاضر وخفة ظله التي فاجأت الكثيرين. بالتأكيد أن المقارنة بين صاحبي الجزء الأول؛ الفنان حسين فهمي والفنان عزت العلايلي، وصانعي الجزء الأخير نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي ستكون صعبة. كلٌ من فناني الجزء الأخير يتمتع ببصمته وجماهيريته الخاصة، لكن ما يزيد من أسهم الحلفاوي تمتعه بجماهيرية كبيرة عبر صفحته على تويتر، التي بقيت حلقة التواصل بينه وبين الشباب وكان يعبّر فيها عن آرائه السياسية بجرأة، ما يعني أن الكثيرين سوف يذهبون لمشاهدة العرض مع احتفاظه برونق الأداء على المسرح. أما محمود الجندي، فرغم علامات تقدم العمر والتي بدت على مخارج ألفاظه غير الواضحة أحيانا، إلا أنه لا يزال محتفظا بكاريزما على المسرح تجذب إليه الانتباه بأداء ثريّ ومحمل بخبرة طويلة. يبقى عرض “اضحك لمّا تموت” من العلامات البارزة للمسرح القومي الذي أعيد افتتاحه عام 2014، مع اكتمال عناصر “السينوغرافيا” المسرحية، بخلاف الملابس والديكور، وتكتمل الصورة بموسيقى هشام جبر المعبرة عن لحظات إنسانية خاصة وإضاءة ياسر شعلان التي كانت ترجمة دقيقة لنص الكاتب وعقل المخرج. كاتبة من مصر

مشاركة :