آفة طالت النساء والرجال وحتى الأطفال، انتشرت في كل قطاعات المجتمع، من سياسة وإعلام وفن ورياضة، ومؤخراً هيئات ومؤسسات دولية تنشط في المجال الإنساني، نجدها في المنزل والأماكن العامة وعلى منصات التواصل الاجتماعي.. أتحدث عن التحرش الجنسي. بدأت قصص التحرش الجنسي تنتشر على نطاق واسع، بعد قضية المنتج السينمائي الأميركي هارفي واينستين؛ لتكشف عن خبايا الانتهاكات الجنسية داخل الوسط الفني من ممثلين وكتاب ومخرجين ومنتجين. ورغم أن حالات التحرش الجنسي مضى عليها عدة سنوات، فإنه يمكن القول إن حاجز الصمت اندثر وتوالت الأخبار عن انتهاكات جنسية في مجالات مختلفة، ومنها كرة القدم، فكشفت الديلي تليغراف عن أندية كبرى في بريطانيا دفعت أموالاً سرية لإقناع ضحايا التحرش الجنسي بالسكوت، والحكم على طبيب فريق الجمباز الأمريكي لاري نصار، وصل عدد ضحايا اعتداءاته الجنسية إلى 265 لاعبة وطفلة، بالسجن مدة تتراوح بين 40 و175 عاماً. وتفشى التحرش الجنسي في أوساط منظمات خيرية وهيئات أممية، فبعد الفضائح الجنسية لمنظمة أوكسفام الخيرية البريطانية في هاييتي وتشاد، نشرت صحيفة التايمز تقريراً بعنوان: "كوادر الأمم المتحدة مسؤولون عن 60 ألف اغتصاب خلال عقد واحد". ولفت الرئيس السابق للعمليات في مركز تنسيق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، أندرو ماكلاود، إلى أن كادر المنظمة الدولية يضم نحو 3300 عامل لديهم ميول جنسية نحو الأطفال والقُصّر، وكشفت تقارير أخرى عن أن "أفراداً من قوات حفظ السلام يقايضون بضائع بخدمات جنسية". وأصبح هاشتاغ #MeToo بمثابة صرخة نسائية تشجع الفتيات على الاعتراف بتعرضهن للتحرش، كما تم إطلاق مشروع " تايمز آب"، الذي يهدف إلى تمويل توفير مساندة قانونية لضحايا التحرش الجنسي في العمل من النساء والرجال. والكشف عن حالات تحرش ضمن قطاعات يسلط عليها الضوء دائماً، ويكون فيها المتحرش شخصية نافذة اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً، أدى إلى الجرأة التي نشهدها اليوم في الحديث عن التحرش الجنسي داخل كل القطاعات، ومن قِبل جميع الأفراد. وعلى مستوى الوطن العربي برز تساؤل عن امتلاك الجرأة الكافية للحديث عن التحرش الجنسي حتى في الأوساط الفنية التي تعد أكثر "انفتاحاً". رغم المسيرات المناهضة للعنف والشعارات والمنشورات والأغاني والأشعار والهاشتاغات #أنا_أيضاً #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري، #التحرش_انتشر_ليه، والمبادرات التي تواجه التحرش بكل أنواعه، فإن التفاعل معها بقي خجولاً يقف عن حد التنديد أو ذكر الحادثة دون القدرة على الإشارة إلى المتحرش بشكل مباشر. ضعف الجانب القانوني أي مشكلة أو قضية تحتاج إلى ضوابط ورادع قانوني، وقوة هذا الرادع تأتي من مدى اهتمام السلطة بالقضية أو المشكلة، وعدم إعطاء الأولوية لمشكلة التحرش الجنسي سيؤدي إلى تفاقمها، ومن هنا تأتي مطالبات النشطاء بتفعيل قانون التحرش الجنسي، وتحديث آليات تنفيذه ومراقبتها. وألفت هنا إلى أن عقوبة التحرش الجنسي في العالم تتراوح ما بين السجن والحبس والغرامة، وأكثرها تشدداً هي عقوبة الإخصاء الجراحي والكيميائي التي تعتمدها جمهورية التشيك، خصوصاً في حوادث المتهمين بالاعتداء الجنسي على الأطفال. وعربياً، عقوبة المتحرش في السعودية السجن 5 سنوات وغرامة يمكن أن تصل إلى نصف مليون ريال، وفي مصر تم تحديث القانون بعد حوادث الاغتصاب في ميدان التحرير؛ لتصبح العقوبة الحبس سنة وغرامة تتراوح بين خمسة وعشرة آلاف جنيه، وتزيد العقوبة حين يكون للمتحرّش نوع من السلطة الوظيفية، أو يحمل سلاحاً أو معه من يعاونه إلى ما بين السنتين والخمس سنوات، مع غرامة مرافقة ما بين الـ20 و50 ألف جنيه. وحكومة المغرب تحفظت على مشروع طرح قانون بحبس المتحرش من شهرين إلى عامين وبغرامة مالية تتراوح بين 1000 درهم و3000 درهم، ولم يتم الإقرار به حتى الآن. ورغم إلغاء الأردن ولبنان قانون إعفاء المغتصب من العقوبة إذا تزوج بضحيته، لكن بحسب هيومان رايتس ووتش، يمكن للمغتصب الإفلات من العقوبة حال تزوّجه من الضحية استناداً لما تنص عليه قوانين ثماني دول عربية أخرى. وبالطبع القانون وحده لا يكفي لحل المشكلة، فيجب النظر إلى العوامل الأخرى ومعالجتها، كالفقر والبطالة وزواج القاصرات والصراع السياسي والتدهور الاقتصادي وقضية اللاجئين، والدور المحدود لمنظمات المجتمع المدني وحقوق المرأة، ووضع حدد للحرية على شبكة الإنترنت.حقائق وأرقام • أربع من كل عشر نساء قد اختبرن عنفاً جنسياً أو جسدياً من شريك عاطفي (هيئة الأمم المتحدة للمرأة). • رُبع المُراهقات، أي: واحدة من أربع فتيات، يتعرضن للمضايقات والتحرش من أصدقائهن الذكور عبر الشبكات الاجتماعية أو الاتصالات الهاتفية أو التحدث عبر الشات (معهد يوربان للدراسات التقنية). • القاهرة ثالث أخطر المدن الكبرى للنساء من حيث العنف الجنسي، أي: بالنسبة إلى قدرتهن على العيش دون التعرض لخطر الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو التحرش (تومسون رويترز). • في السعودية يتعرض طفل واحد من بين كل أربعة لاعتداء جنسي، 49% منهم يبلغون 14 عاماً (كلية التربية في جامعة الملك سعود). ختاماً.. هل سيكون الحراك ضد التحرش الجنسي مؤقتاً أم سيكون بداية عهد جديد لمناهضة التستر على هذه الآفة؟ وهل سيتقبّل المجتمع عودة الضحية إلى الاندماج فيه بعد إعادة تأهيلها نفسياً وصحياً؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :