الولع بالمظاهر والاهتمام المبالغ فيه بالشكليات، والرغبة في إبهار الآخرين بما تتمتع به من أهمية يشكل العديد من سلوكياتنا العامة، ويفسر النزعة الاستهلاكية التي تشكو منها، والتي جعلت من السلع واقتنائها غاية لا وسيلة معيشية أو ضرورة حياتية مهمة، وإنما حولتها إلى واجهة ووجاهة اجتماعية. ومعلوم مدى أضرار هذه النزعة على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي لما تسببه من إرباك وحرج حين يحاول شخص أو أسرة أن يبدو في مناسباته الاجتماعية على غير ما هو عليه وضعه المادي الحقيقي، وآثار ذلك تبدو أكثر وضوحا من أن تحتاج إلى مزيد إيضاح. إلا أن المسألة تبدو كارثية على المستوى الوطني العام حين تتدخل هذه الصفة أو النزعة في تحديد السلوك العملي التنفيذي المسؤول. لقد شرفتني الظروف بأن أكون قريبا من أحد ولاة الأمر، ورأيته عن قرب، في مجلسه وفي قصره وفي سفره وفي حله وترحاله، وأشهد أنني طيلة سنوات عدة لم أره يحشد حوله جيشا من المرافقين والسكرتارية، فباب قصره مفتوح على مصراعيه، وهو في سيارته يسافر ويتنقل وحده سوى تراتيل من القرآن تنطلق من جهاز السيارة تصاحبه أينما سار. لذا، أتعجب من مسؤول يحيط نفسه بجيش من السكرتارية, أبوابه وأذناه موصدتان إلا في وجه خاصة خاصته. وقد أتيحت لي مرة زيارة مجلس الشورى، وقد بهرني المكان بفخامته، وبما يحيط به من هالة تجعل من يراه يظنه في بلد آخر لتنائيه حتى في موقعه عن كل ما يحيط به. ومن أعجب الأمثلة التي تندرج في هذا السياق أن بعض كبار المسؤولين في الخطوط السعودية حتى عندما يزمعون السفر تجدهم يمرون عبر صالة التنفيذيين التي تقود سياراتهم حتى سلم الطائرة، بدلا من المرور بصالتي الوصول والمغادرة العاديتين لاختبار الإجراءات فيهما على الطبيعة وفي الواقع وتلمس احتياجات الناس وما ينقصهم من خدمات، ومدى صلاحية النظم الإجرائية المتبعة، وعدم الاكتفاء بما يرفع إليهم من تقارير تؤكد لهم بأن الأحوال على أحسن ما يكون، ثم نفي ما يرد على صفحات الصحف من شكاوى المواطنين. أقول هذا ولا أحب أن يفهم ما ذكرته عن مجلس الشورى أو خطوطنا وإدارات مطاراتنا على أنه أمر ينفردان به دون سائر المؤسسات، وإنما هما نموذجان عشوائيان لا أكثر ولا أقل. إلا أن القاعدة العامة هي أننا يجب أن ننزل بالتنفيذيين قليلا من أبراجهم العاجية، ليكونوا أقرب إلى نبض الواقع، وأكثر قربا من معاناة الناس حولهم ليكونوا أكثر التصاقا بهم وبها. وفي النهاية يجب أن تترسخ في أذهانهم قاعدة تقول إن المنصب تكليف وليس تشريفاً. إنه مسؤولية، وتعب وتفكير، وعمل متواصل، وليس مكافأة، أو استراحة تقاعد.
مشاركة :