ذهب كثير من رفاق الشعر والحياة إلى أن المثقف يفترض أن تكون له كاريزما تميّزه عن بقية الفئات البشرية الأخرى، وأن يظل محتفظًا بوقاره ونخبويته أمام طوفان الجماهير المتشعّب والمتشبّع، فيما تبنّى آخرون فكرة المثقف الحُر الذي يتماهى مع كل شرائح المجتمع، يختلط ويشارك، يجلس على المقهى، ويمتزج مع مكونات المجتمع الشعبي بكل بساطة وتلقائية. كان هذا جدلًا طويلًا في إحدى قروبات الواتس «حُب» بين نخبة من الشعراء والغاوين، ولعلي أنحاز كثيرًا للمثقف الشعبي وليس لمثقفي الأبراج العاجية كما ينعتونهم، ولا تذهبوا بعيدًا في استقراء المشهد الثقافي، وانظروا أين كان يجتمع المثقفون العرب؟. لقد كانت المقاهي الشعبية هي المصدّرة للكثير من القامات الثقافية والإبداعية، خلاف ذلك الانطباع الجميل الذي يحمله المتلقي عندما يلتقي روائيًا عظيمًا مثل نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي القاهري، أو يجالس الشاعر الكبير محمد الماغوط في مقهى الهافانا الدمشقي مثلًا. على حد حلمي.. أن انعزال المثقف وتواجده فقط في المهرجانات والمؤسسات الثقافية خلق فجوة كبيرة بينه وبين المتلقين البسطاء، وهذا كرّس مفهوم المثقف النخبوي المنفصل تمامًا عن هموم الشارع، وقد نستثني بعض الأسماء التي تعاملت مؤخرًا مع وسائل التواصل الحديثة بشكل اجتماعي صرف، وفتحت نوافذ للحوار مع كل طبقات المجتمع، ولكن كل هذا لا يكفي طالما أن المثقف مازال كائنًا افتراضيًا، لا يخالط الناس ولا يمشي في الأسواق.. ويكفي.
مشاركة :