العولمة بعيداً من أوهام التنصّل

  • 2/20/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتعرض العولمة عبر مقالات متنوعة إلى النقد والتجريح والتشفي، معتبرة أن وجهتها سائرة نحو الأفول، خصوصاً مع رئاسة دونالد ترامب الذي يحسب على اليمين المتطرف، ويتهجم على مساحة الحوار في البشرية. وساهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالمزيد من هجاء العولمة، على رغم بقاء لندن قوة تستفيد في شكل متبادل من الاقتصاد الأوروبي، وتدور علاقاتها حول العالم، ويطاول رأسمالها أبعد النقاط الجغرافية. ومع تقدم اليمين الأوروبي «المتطرف» الذي هيمن في إيطاليا وبرزت قوته في النمسا، وتمرده في عدد من الدول الصناعية المتقدمة، وسياساته المشاكسة - الرافضة لليسار واليمين، ومشاركته في البرلمان والوزارة، وبالطبع داخل الدولة ممارساً النضال عبر التظاهرات والاعتصامات التي لا تخرج عن القواعد القانونية والمتبعة... علماً وبعد تحول اليسار إلى قوة مساندة لرأسمالية الدولة، تغيرت معالمة منذ اندثار الاتحاد السوفياتي الذي كان أمبريالية متخلفة في مواجهة «أمبريالية» أميركا وأوروبا المتطورة، والتحقت أحزابه «الشيوعية» بـأنظمة الاستبداد، خصوصاً العربية، تحت مسميات تتراوح بين سلطات وطنية دخلت نطاق التطور «اللارأسمالي». وبقي الخلاف حول دور الدولة ومركزيتها وبين اضمحلال دورها الذي بدأ يتحول مع العولمة من مركزية سيادية إلى دولة الكفاية والعدل، ثم إلى دولة الحق نحو إدارة العولمة. الأمر الذي جعل بعض الكتاب يتعجلون في نفي العولمة من خلال إسقاط نسبة من الأزمات والوقائع الفجة على مسارها وتحولاتها، ورأى أصحاب المواقف الوسطية ذلك فرصة للانقلاب دفاعاً عن الأنظمة «الوطنية والقومية» السائدة وفي رفضها العولمة. المعضلات التي تنشأ من بعض الاختلالات تفرض نوعاً من التباطؤ في التطور والقليل من حالات التراجع، وهي تمثل حالاً طبيعية في مسار العولمة من حيث هي سياق تطوري يرتكز في شكل مادي على نواحي التقدم في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والدولة الديموقرطية المرنة والمجتمع المدني المؤهل للتحول والمشاركة، وخصوصاً في مناحي وعي الفرد لدوره ككيان منتج قائم بذاته تقوم عليه العولمة على مساحة الكرة الأرضية وفي مسارها. أتكلم عن الذين يرفضون الانفتاح والتعامل والتفاعل والتكافل والتكامل، ويعتبرون العولمة مضادة ومعطلة لما هو سائد من سياسات الذات المتقوقعة داخل حدود تفصلها عن جوارها ومحيطها إلا بما يخدم سطوتها، فالعولمة هي سياق تطوري يتجاوز الحدود ليطاول أنحاء العالم بتتابع يفرضه التقدم المتواصل على قواعد المزاحمة والمصالح المتداخلة والمشتركة، الذي تمانعه وتحجبه الأنظمة الاستبدادية المتمثلة بالسلطة الدينية والأمنية – العسكرية. والأيديولوجيات والشعبويات والأحزاب المضادة لبعضها بعضاً، نراها تناصب العولمة العداء لكونها تتجاوز المركزيات من وطنية وقومية ودينية وأيديولوجية، أي كل العصبويات المقفلة على ذاتها. لكن العولمة لست قراراً ذاتياً أو حزبياً أو دولتياً، وهي لا تعيق المركزيات تقدمها وتعوق مسارها نحو التكامل والانتشار لتغطية كل مناحي الحياة. ولا يعني التباطؤ وحتى التراجع النسبي في بعض المجالات ممراً لتعطيل الإمكانات المادية المتواصلة في النماء والبناء، لأن السياق تطوري لا تنفع معه القرارات الذاتية ولا المحاولات الاعتراضية، ذلك أن العولمة تتعلق بالحاجات والنمو والتوسع والانتشار، وتطاول فوائدها كل الناس، على رغم التفاوت، وتحضراً في مجالات العمل لاستهداف مناطق التخلف والفقر والحاجة، من أجل إيصال عناصر التقدم إلى النقاط المحتاجة على المستويين الذاتي والموضوعي، العضوي والبنيوي، باتجاه تسريع حراك الرأسمال نحو إنقاذ البؤر التي مازالت خارج العولمة. ولا «ينقذ» مجتمعاتنا من مسار العولمة ذلك التستر- التلطي بقضية فلسطين التي استعملتها أنظمة التسلط التي ضيعتها، وأفادت العدو الصهيوني الذي تفوق على العرب، اقتصادياً (الصناعة والتكنولوجيا) وعسكرياً (النووي والكيماوي والطيران وهزمنا في كل الحروب منذ 1948) وفكرياً نحو تبني العلمنة والدولة الديموقراطية (لليهود، ما عدا العرب، ونسبياً للشرقيين والفلاشا.. الخ)، ونحن ما زلنا في وهدة الاستبداد في أشكال سلطاته المتنوعة، الدينية والأمنية والتي أنتجت التنظيمات الإرهابية التي تقتل شعبها وتخلق الفوضى المعطلة للحرية والتطور الاقتصادي، وتدفع نحو المزيد من التقسيم، على رغم التيار القومي، الذي أنتجته أو تعاملت مع بنياته النامية هذه السلطات، وأضحى مع التيار «اليساري» ملحقين بالديكتاتوريات والأوتوقراطيات، أمثال سلطة الأسد والمالكي ونسبياً العبادي، والحوثي - صالح و «حزب الله» - لبنان الواقعين تحت هيمنة إيران التي تعادي العرب (لم تضرب إسرائيل ولم تشارك إلا مؤخراً في سورية عبر الخبراء، وسلمت الموصل لـ «داعش» عن طريق المالكي ومولته بالنفط والمال والسلاح، وهكذا فعل الأسد بأوامر إيرانية). العولمة آتية، لها أخطارها التي تستدعي الانتباه لمسارات المستقبل وليس التحصن بالماضي الذي يبدو فرضية مستحيلة.     * كاتب لبناني مقيم في فرنسا.

مشاركة :