معركة السيادة الوطنية .. أوهام العولمة وأزمة نخبتها

  • 3/21/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا أحد يريد العولمة .. لا احد يتحمل فكرة اختفاء السيادة الوطنية أو المصالح القومية .. والامريكيون على وجه الخصوص .. سعوا من البداية الى تطبيق العولمة .. لانها كانت جزءا رئيسيا في فكرة السيادة العالمية للولايات المتحدة الامريكية. العولمة ليست اكثر من وجهه نظر بالغت في تقدير تأثيرات ثورة الاتصال وتطور تكنولوجيا النقل وزيادة تكنولوجيا الإنتاج .. حتى أصبحت الدول المنتجة لديها القدرة على الوصول بإنتاجياتها الى ما هو ابعد من تحقيق الاكتفاء الذاتي الى تلبيه احتياجات السوق الدولى. أدت ثورة الاتصالات إلى تقارب الأسواق وتغيير ثقافة السوق الدولى .. لكنها لم تقضِ على فكرة السيادة الوطنية .. والتي عبرت عن نفسها في شكل تطوير كل بلد لمنتجاتها التي باتت شكلا من اشكال السيادة.عندما خرجت العولمة الى النور .. قدمت نفسها للعالم على أنها الحتمية .. ولم تكتفِ بتقديم الفكرة الخالصة .. وانما صنعت لنفسها قوانين وتشريعات عابره لسيادة الدول .. بل وانشأت على ضفاف الشركات المتعددة الجنسيات .. منظمات حقوقية هدفها تمثيل هذا المشروع في كل بلد على مستوى العالم . الأساليب التي انتهجتها المنظمات الحقوقية .. جعلت منها حالة احتجاجية أكثر منها حالة بنائية .. حتى أنها باتت أحد عوامل إحياء النعرات المحلية والعرقية والطائفية .. تلك الازدواجية بين المفهوم وتطبيقاته يمكن تعميمها على حالة العولمة الاقتصادية ايضًا.مع الوقت انتلقت أدوات العولمة .. الى الحرب على فكرة السيادة .. واى شكل من اشكال الخصوصية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية .. حتى وصلنا الى مفاهيم هيكلة الاقتصاد وهيكلة الجيوش وبناء الأنظمة الديمقراطية على النمط العولمي .استثمر الغرب طويلًا في العولمة .. لخدمة مصالحه .. وحولها من حالة انتجها التقدم البشري بعفوية .. الى استثمار طويل في الأصول والاملاك الغربية الخارجة من الحقبة الاستعمارية وما تبعها من حروب ساخنة وباردة . اليوم لم يعد هناك من ينتظر شرعية العولمة .. فالدول عادت الى إجراءات الحماية الاقتصادية .. والجيوش عادت للتنامى .. وبدأت الصراعات على الحدود وضبطها مسيطرة على المشهد الدولى في اكثر من إقليم على مستوى العالم .. والديمقراطية لم تصبح هي النمط الليبرالي الذى يتصارع مع كل القوى المحافظة في العالم .. والتي لم تعد مقصورة فقط على الدولة الغير غربية .. فاليوم تتعالى أصوات اليمين المحافظ فى أعتى الديمقراطيات .  وبالرغم من أن حركة الحقوق والحريات هي أسمى ما يمكن أن يصل اليه الفكر الإنساني .. إلا أن تطبيقاتها حولتها الى مجرد أداة يتم استخدامها جيوسياسيًا من الدول المٌمولة .. لذلك فإن الممارسات ضيقة النظر الممزوجة بالغرور الغربي .. أدت في النهاية الى اضعاف فكرة التلاقى الإنساني .. وآثرت على حركة الحريات والحقوق .. فتحت شعارات الديمقراطية .. تم انتهاك سيادة الدول .. حتى وصل الامر الى أن أصبحت الديمقراطية هي ستار لحالات الاحتلال العسكري المباشر . المضحك في الموضوع .. ان المتاجرين بالعولمة لم يدركوا للحظات .. أن إضعاف فكرة الدولة الوطنية .. لا يصنع إلا فوضى .. وصراعات ذات طابع عرقى ومذهبي .. تؤدي الى تدمير فكرة التواصل الإنساني التي تسمو فوق الاختلافات البينية بين البشر. نخب العولمة .. وخريجو المنظمات الحقوقية .. لديهم ازمة في فهم المناخ الدولي الحالي .. إذ منذ سنوات ليست بعيدة .. كانوا يتحدثون باسم المجتمع الدولى .. ويشعرون أنهم المستقبل .. ومن يخالفهم من الماضى. الان يشعرون بتوتر .. لأن الدول التي كانت تُصدر وتمٌول .. أصبحت هي الأخرى تتبنى الأفكار اليمينية القومية المتطرفة .. وهذه الأفكار ليست وليدة صدف انتخابية .. وأنما هي تحولات استراتيجية في بنية الاستراتيجيات الحاكمة لهذه الدول .. ربما اكتشفوا أن المنظمات الحقوقية لم تكن تستهدف نشر الحريات بقدر ما استهدفت توسيع النفوذ للدول المُموِلة. في مصر نحتاج الى ديمقراطية مستقلة .. وليست ديمقراطية أسيرة للخارج .. وهذا يحتاج الى نظام سياسي .. يعبر عن البنية الاجتماعية المصرية .. وليس التركيبة الأيديولوجية في الديمقراطيات الكلاسيكية وامتداداتها التي صنعتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة. الديمقرطية والنظام السياسي الذى يحمى السيادة .. يجب أن يهتم بحقوق الانسان .. ولكن وفق البنية والثقافة المصرية .. والاولويات فيه لإحتياجات المجتمع .. وليس حقوقا تستهدف احداث فجوة قيمية واخلاقية بين النظام السياسي و المجتمع. الديمقراطية السياسية الحقيقية .. تُبنى على المواطنة .. ولكنها ليست المواطنة القائمة على المحاصصة الطائفية والمذهبية .. وأنما هي المواطنة القائمة على تكافؤ الفرص بعيدًا عن الواسطة والمحسوبية .. والعدالة والإتاحة لكل المواطنين وتطبيق القانون.

مشاركة :