علياء عبد النور.. في ظلام سجون الإمارات

  • 2/21/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المعلومات شحيحة للغاية، أنت أمام واحد من أكثر العوالم سرية وغموضا، تقنيات مسح البصمات في السجون الإماراتية تساير تحولها التقني، والأموال المنفقة في بناء الغياهب الخفية تكفي لتصنع كوكبا كاملا تحت سطح الأرض.. وبينما كانت وزيرة السعادة الإماراتية الشابة تتقلد سلسلة ذهبية مرصعة بعلم دولة الإمارات وهي تعتلي منصة تتويجها بالوزراة الجديدة، كانت قوة أمنية تقتحم منزل شابة إماراتية أخرى لتضع في يديها سلسلة من نوع آخر، وليصبح مشهد اقتيادها من منزلها إلى المجهول آخر ذكرى تحملها الحياة الظاهرة لها. علياء عبد النور، واحدة من نزيلات السجون الإماراتية بتهمة مساعدة الأسر السورية، تحمل قصتها بعدا إنسانيا يكشف الوجه القاسي لأبراج أبو ظبي الفارهة، اعتقلت من منزلها ليلة الثامن والعشرين من يوليو/تموز عام 2015، دون موافاتها بأسباب الاعتقال، لتتعرض منذ حينها للاختفاء القسري في مكان مجهول لمدة أربعة أشهر، دون السماح لها بالتواصل مع أسرتها، أو الإفصاح عن أي معلومة تخص مصيرها، وأخيرا يتم عرضها على الجهات القضائية، ومحاكمتها بتهمة تمويل الإرهاب والتعامل مع إرهابيين خارج البلاد، قبل أن يُحكم عليها بالسجن 10 سنوات! خلال محاكمتها، تحاملت علياء لتقف أمام القاضي، بحسب إفادة أسرتها، لتخبره أنها لا تكترث بالقضية ولا الحكم الذي سيصدره عليها، فقط تطلب أن يُسمح لها برؤية الطبيب، لأنها مريضة بالسرطان منذ عام 2008، وكادت أن تتماثل للشفاء قبل اعتقالها بعد رحلة علاج طويلة في ألمانيا، لكن وبعد اعتقالها وإخفائها قسريا، وحرمانها من العلاج، تدهورت حالتها مجددا وعاد المرض للظهور والانتشار بصورة يصعب السيطرة عليها، وباتت حياتها مهددة بالخطر. حُرمت علياء من التمثيل القانوني بعدما تم تهديد أي محامي يفكر في تولى الدفاع عنها، ولم تواجه بأي دليل إدانة مادي سوى سجل المواقع الإلكترونية التي كانت تتصفحها، لتصبح فجأة متهمة بتمويل الجماعات الإرهابية، وجمع تبرعات للمتضررين من الحرب في سوريا وبعض الأسر المحتاجة المقيمة في الإمارات، على الرغم من أن علياء لم يكن لها أي نشاط سياسي على الإطلاق. "كنت أساعد الفقراء".. هكذا تقول كلماتها المسطرة على ورقات صفراء سربتها مرة إلى ذويها تحكي لهم فيها قصتها، تقول علياء إنه خلال تعرضها للاختفاء القسري الذي استمر أربعة أشهر، كانت محتجزة بأحد السجون السرية التابعة للأجهزة الأمنية الإماراتية، في زنزانة انفرادية بلا فرش ولا فتحات تهوية ولا نوافذ ولا دورة مياه ولا طعام.. تم تجريدها من ملابسها الخارجية، ووضع كاميرات مراقبة في زنزانتها تعرض صورتها طول الوقت، مع تقييدها بسلاسل حديدية وتعصيب عينها بشكل مستمر. التحقيق يتم معها يوميا، يسألونها عن كل شيء، حياتها الشخصية ونشاطاتها والمواقع التي تتصفحها على شبكة الإنترنت، ضغط نفسي وجسدي وتهديد بالاغتصاب وقتل شقيقتها ووالديها، أبشع وسائل التعذيب في دولة الأبراج الفارهة انتهت بانتصار المحقق العظيم على الفتاة، واضطرت أخيرا إلى التوقيع على أوراق لم تعرف محتواها إلا حين تفحصها القاضي وهو يلقي حكمه مرتاح الضمير لاعترافات المجرمة الماثلة أمامه عاجزة عن الحركة وعلى وجهها آثار تعذيب وقصة تخويف وآلام مرض مزمن. تنتقل علياء بعد الحكم عليها إلى واحد من أسوأ سجون المنطقة سمعة، سجن الوثبة، المخصص للمحكومين في قضايا القتل والسرقة والمخدرات، لتتعرض هناك لأوضاع احتجاز سيئة ومعاملة مهينة. احتجاز انفرادي وعزل كامل لمدة شهرين لم يسمح خلالهما لأسرة علياء بزيارتها، ليجدوا فتاة نحيلة لم يعرفوها، انهيار في الجسد وتغول للمرض على أطرافها، لتصبح فتاة الثلاثينيات شبحا أمام سرطان يعاود الانتشار بجسدها تاركا تورمات بالغدد الليمفاوية وتكيس وتليف بالكبد، ثم هشاشة في العظام إثر احتجازها مدة كبيرة في غرفة شديدة البرودة بلا فرش أو غطاء لا ترى فيها الشمس. لكن الآن، علياء في السجن تعيش على المسكنات والأدوية المخدرة، لا يُعرف الكثير عن حالتها الصحية، لا يزورها ذووها إلا بإذن نيابة استثنائي، وتتحصل بين الحين والحين على مكالمة هاتفية إلى أمها؛ تم حرمانها منها بعدما سجلت الأم مكالمة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونشرتها منظمات حقوقية. لا كلمات يمكن أن تصف معاناة علياء، لكن ربما تشرح لك تلك المكالمة المسربة بعض تفاصيل قصتها التي عليك أن تجتهد لتميزها بعيدا عن بكاء الأم المستمر طوال المكالمة الصعبة قبل أن ينقطع الخط فجأة على صوت علياء وهي تبكي وتقول: "أنا محبوسة في غرفة لمدة سنة، لا خروج ولا هواء، لا أريد معاملة مميزة. أريد أبسط حقوقي، محرومة من أبسط حقوقي. من حقي أطمئن على أمي وأبي، أريد فقط أن أتواصل معكما". - تم نشر هذه التدوينة في موقع ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :