«ولاد الدرب» يغوص في ذاكرة الدار البيضاء

  • 2/22/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ترتكز فكرة برنامج «ولاد الدرب» على القناة المغربية «ميدي 1 تي في» على آلية بسيطة، لكنها تتبدى بعد المشاهدة مليئة بالعبر المرتبطة بالحنين. يأخذ البرنامج في البداية شكل ريبورتاج عادي في مكان ما، وحول شخص معروف صار له حضور عمومي، ليتحول إلى قدر إنساني يتبع مشواراً غير متوقع، والسبب يعود إلى القدرة على التوثيق المُسْبَق. بدت كل الحلقات التي بُثت موفقة، لأنها استوفت المُراد في التعريف بالموضوع المخصص في العنوان في كل مرة، والإفادة اللازمة. وتظل الحلقتان المخصصتان لحيين سكنيين (حارتين) هما أعرق الأحياء في الدار البيضاء والمغرب، الأكثر انتظاراً لما لهما من هالة ميثولوجية في الذاكرة الشعبية، جعلتهما منشأ الكثير من الأحداث المغربية القوية، بما أنهما معقلا المقاومة ضد الحماية الفرنسية حزبياً وكفاحاً مسلحاً، ومعقل الحركات السياسية المعارضة بعد الاستقلال. كما شكلا مرتع أبرز من نبغ في مجال المسرح والسينما والغناء والكتابة، وهذا هو الأهم. وبالتالي فهما يستحقان التذكير التلفزيوني التوثيقي بشكل متعدد ومتواتر. الحارتان اسمهما درب السلطان والحي المحمدي الشهير بكريان سنطرال في تسميته الشائعة. وفعلاً حاول البرنامج أن يقدم بعضاً من ذلك، بالتذكير، عبر أرشيف صوري حي، لبناء القصر الملكي بأحد أشهر مرافق درب السلطان، حي الاحباس العتيق المعمار والفريد، والذي يعد الآن مزاراً سياحياً لمن يود التعرف إلى الخصوصية المغربية في عمق مدينة ذات صبغة أوروبية بالأساس، ما دامت تأسست من طرف المستعمر شبيهة بمدنه الأوروبية في غالب حاراته. وكان التشييد إذاً، كما بيّن البرنامج في تعليق مقتضب جواباً على هذا التغلغل الخارجي، وأُضيفت إليه أحياء جديدة هي ما يسمى حالياً بدرب السلطان ذي السمعة الواسعة. وبالنسبة إلى الحي المحمدي، أظهرت الحلقة المُخصصة له، وثائق حية لبداية تأسيسه كمنطقة صناعية كبرى بيد عاملة كثيرة هاجرت من البوادي المغربية جميعها لتسكن به، وتكون قريبة من المعامل الفرنسية. لكن السكن كان عشوائياً في البداية ومكوناً من منازل قصديرية قبل أن تفكر الإدارة الفرنسية في تشييد عمارات سكنية مميزة سميت بـ «البلوكات». تلك سمة هذا الدرب الذي سيكون له شأن من خلال شخصيات ومرافق مثل ملعب فريق الاتحاد البيضاوي لكرة القدم الذي سيشكل مدرسة كروية حقيقية تمزج بين الإتقان والإيمان في القدرات الفردية. فريق خارج من رحم حارة فقيرة ولكن ثرية بالمواهب والأفكار. بعد ذلك، اختار معدو البرنامج شخصيات معينة من مواليد الحيين. وليسوا من أشهرهم وأكثرهم تأثيراً، على رغم ما لهم من حضور محترم في مجالات أنشطتهم. ويأتي على رأسهم عبدالعظيم الشناوي، الممثل والإعلامي المعروف، بالنسبة إلى درب السلطان. وسرعان ما انتقل الطاقم التصويري إلى زقاق «سامبيز» وإلى المدرسة اليوسفية التي شيدها المقاومون للحماية الفرنسية لمحاربة التغريب والاستلاب، والتي درس بها سياسيون كبار سيكون لهم دور كبير في دواليب الدولة. ثم إلى مرأب عرف تأسيس فرقة الاخوة العربية للمسرح والتمثيل حيث سيتعلم أبجديات التشخيص من سيكون لهم رصيد كبير في الفن المغربي المسرحي والسينمائي والطربي. يذكر عبدالعظيم الشناوي ذلك. أما بالنسبة إلى الحي المحمدية فقد اختير منه أحد مؤسسي فرقة «تكادة» للغناء الشعبي، هذا على رغم أن أشهر المجموعات الغنائية المغربية على الإطلاق، والتي طبقت شهرتها الآفاق هي مجموعة «ناس الغيوان» ومجموعة «لمشاهب»، وهما معاً عرفا ولادتهما بالحي المحمدي. هذا إلى جانب شخصيات معروفة جداً مثل الممثل المعروف محمد مفتاح وراقص الباليه الشهير والمخرج السينمائي لحسن زينون. وهما يشكلان رمزين لأولاد الدرب بما قدماه من عطاء فني وثقافي مميز في ما بعد. طبعاً يبقى الاختيار مفتوحاً، لأن الأهم هو فتح نوافذ على الذاكرة التي تنتشر رموزها هنا وهناك، منقوشة في الحجر أو حية في الرؤوس. ولكن لا يملك المشاهد إلا أن يتحسر عند مشاهدته لهاتين الحلقتين، وذلك لم آلت إليه مرافق ثقافية وفنية من انهيار وتهالك، وما أصاب معالم بناء تلخص تاريخ مدينة كبرى مثل الدار البيضاء الحديثة. والمؤسف ما حل في قاعات سينمائية من خراب، مثل سينما الملكي التي أحيا بها فريد الأطرش سهرة خالدة، وسينما السعادة وما مر منها من ألق. الآن يعشش فيها إهمال لحركة فنية قوية حلت محلها وبجوارها محال تجارة عشوائية لم تدر ولم تترك متراً إلا واحتلته في مجتمع صار استهلاكياً بلا قيمة مضافة.

مشاركة :