إن لغة الأرقام التي تحملها بيانات خبراء الاقتصاد، والغرف التجارية الصناعية، تستوجب التريث قبل المضي قدماً في تحصيل رسوم هذه الفاتورة، بل ربما تستوجب الرجوع عن تنفيذها تماماً؛ لما ستخلفه من إغلاقات بالجملة لكثير من المنشآت.. أؤمن كثيراً بالتخصص، وبأهمية أن يترك كل شأن لأهله وللقائمين عليه، لكن هناك شؤوناً تتماس مع مصالح الجميع أجدني في حاجة إلى فهمها، وحينها أعود إلى لغة الأرقام، وإلى آراء المختصين حتى أتمكن من تكوين فكرة مكتملة ووجهة نظر موضوعية بشأنها، ولاسيما حين يطالبني كثيرون بأن أكون صوتهم، هنا أجدني أمام مسؤولية مباشرة لأداء واجب الرأي وتقديم النصيحة، غير الملزمة لأحد بكل تأكيد، لكنها من باب تدارس الشأن الوطني الذي أثق في أن كل قرار يتخذ إنما يكون لصالحه، لكن النوايا وحدها ليست ضمانة لاتخاذ قرار صحيح، ولاسيما حين نلمس أن فكر متخذ القرار مكرس في اتجاه هدف بعينه، غير منتبه إلى الأضرار الجانبية التي قد يخلفها قراره، تماماً كما هو قائم الآن فيما يخص الفاتورة المجمعة، الصداع الجديد الذي يؤرق كثيراً من الأسر الآن، الأسر التي تعيش على عوائد المنشآت الصغيرة التي تقوم عليها قائمة من أقوى الاقتصادات العالمية، ومنها على سبيل المثال الاقتصاد الصيني، النمر الآسيوي العظيم الذي يتحاشى هجماته جميع اقتصادات العالمية. إن لغة الأرقام التي تحملها بيانات خبراء الاقتصاد، والغرف التجارية الصناعية، تستوجب التريث قبل المضي قدماً في تحصيل رسوم هذه الفاتورة، بل ربما تستوجب الرجوع عن تنفيذها تماماً؛ لما ستخلفه من إغلاقات بالجملة لكثير من المنشآت من المقرر أن تخرج من السوق مع سريان تنفيذها، وأخرى ستتضرر أضراراً كبيرة مع بقائها، لكن هذا البقاء لا يعني استمراريتها، فضعف العوائد وارتفاع التكلفة أحد الأسباب البدهية التي لا تحتاج إلى خبير في الاقتصاد ليدرك أنها إيذان باقتراب تصفية المنشأة، وليس من مصلحة أحد بمن فينا الحكومة أن يجد أحد المواطنين نفسه قد فقد مصدر دخله الرئيس واضطر إلى الانضمام إلى قوائم الباحثين عن عمل، وهؤلاء ليسوا قليلين بالمناسبة، وقد يتسبب خروج منشآتهم من السوق في قفزة مزعجة لأرقام البطالة عندنا، هذا إذا تجاوزنا عمن ستكون هذه حالهم نفسها ممن قد يكوون لديهم من العمالة الوطنية التي ستنضم بدورها أيضاً إلى قوائم البطالة. وفضلاً عن الاختلال القوي الذي سيضرب أسر الطبقة المتوسطة التي سيؤدي هذا القرار إلى تقلصها بعد انضمام قطاع ليس بالقليل منها إلى الطبقة الأدنى، طبقة محدودي الدخل، في ظل استيلاء طبقة الأثرياء على الشواغر التي سيخلفها هؤلاء في السوق، وهذا يعني أننا سنكون على أبواب مرحلة اجتماعية جديدة يزداد الغني فيها غنى، ويزداد الفقير فقراً، ولسنا في حاجة إلى خبير في الاقتصاد أيضاً ليفتينا أن الطبقات المتوسطة في جميع دول العالم هي التي تنهض بها المجتمعات، وهي التي تحمل على عاتقها مهمة إحداث الحراك الاجتماعي، ما يعني أننا سنكون في طريقنا نحو اتساع فجوة اجتماعية قائمة، يفترض أن خطط المملكة القائمة تسعى إلى ردمها، وليس إلى توسيعها وزيادتها عمقاً واستعصاءً على الحل، ما يعني أن هذا القرار يمضي قدماً في الاتجاه المعاكس لخطط التنمية الطموحة القائمة. نعم انتظرنا طويلاً أن تستفيد المملكة من طريق الضرائب والرسوم لتعزز الخدمات التي تقدمها للمواطن، لكن ليس معنى هذا أن نركز على الرسوم وننسى المضاعفات الجانبية والأضرار التي قد يتسبب فيها مثل هذا القرار الذي لن يؤثر على المنشآت القائمة وحسب، بل سيؤثر على كثير من المنشآت المستقبلية التي كان يفترض انضمامها للسوق؛ خوفاً من مثل هذه القرارات التي يتسبب تواترها وصدورها على هذا النحو في إحجام الناس عن الاستثمار خوفاً من خسارة ما بأيديهم من مال يسير كانت خطتهم أن ينموه، لا أن يفقدوه ما بين تسديد إيجارات المنشآت والرسوم المتنامية، ما يعني أنه لن يجرؤ على الاستثمار سوى أصحاب المحافظ الممتلئة أصلاً، ولن يتكبد هؤلاء عناء فسيحملون المواطن أي فواتير قائمة ومحتملة مضافاً إليها أرباحهم مضاعفة، في ظل تقلص محيط المنافسة بعد خروج المئات من أبناء الطبقة المتوسطة بمنشآتهم الصغيرة من السوق، ودخول السوق فيما يشبه الاحتكار بالاتفاق فيما بينهم على أسعار شبه موحدة، يتفق عليها ضمناً فيما بينهم، ما يعني خسارة مضاعفة للمجتمع مرة بانضمام شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة إلى طبقة أدنى اجتماعياً، ومرة بارتفاع أسعار السلع والخدمات في سوق تهيمن عليها فئة غنية لديها حلولها وتعرف جيداً كيف تعظم عوائد استثماراتها من جيب المواطن.
مشاركة :