يبدي المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تنديداً كبيراً إزاء تعرض الغوطة الشرقية المعقل الأخير لفصائل المعارضة في ريف دمشق، لوابل من قنابل النظام السوري، إلا أن الدول المؤثرة عجزت حتى الساعة عن تبنّي موقف موحد يضع حداً للقصف المتواصل الذي يطاول المدنيين منذ ليل الأحد، والذي أدّى إلى مقتل أكثر من 296 شخصاً بينهم 71 طفلاً، في أعلى حصيلة منذ الهجوم الكيماوي على المنطقة عام 2013. وقال سكان في الغوطة إنهم «ينتظرون دورهم في الموت» في واحدة من أعنف عمليات القصف بالغارات والصواريخ والبراميل المتفجرة التي تنفذها القوات النظامية منذ بداية الأزمة. ووصف مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن ما يجري في المنطقة بأنه «إبادة»، لافتاً إلى وجود ١٤٠٠ جريح في حاجة للعلاج في ظل شح بالمواد الطبية واستهداف ممنهج للمستشفيات. وطالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمس بالسماح لفرقها الدخول إلى المنطقة لعلاج الجرحى. وقالت رئيسة بعثة اللجنة الدولية في سورية ماريان غاسر في بيان «يبدو أن القتال سيسبب المزيد من المعاناة في الأيام والأسابيع المقبلة، ويجب أن يُسمح لفرقنا بدخول الغوطة لمساعدة الجرحى»، مضيفة أن «الجرحى من الضحايا يلقون حتفهم فقط بسبب عدم تلقيهم العلاج في الوقت المناسب». ولوّح قائد في تحالف يقاتل لصالح النظام السوري بأنّ الهجوم الجوي قد تعقبه حملة برية، مشيراً إلى أن القصف يهدف إلى منع المعارضين من استهداف الأحياء الشرقية من دمشق الخاضعة لسيطرة النظام بقذائف «مورتر». وقال: «حاليا تمهيد ناري.. لم يبدأوا هجوم بعد»، مضيفاً: «الهدف الأول منع المسلحين من الاستمرار في استهداف أحياء دمشق الشرقية». واتّهمت وسائل إعلام سورية رسمية مقاتلي المعارضة بإطلاق قذائف على أحياء في دمشق، ما أسفر عن إصابة شخصين أمس ومقتل 6 على الأقل الثلثاء. وفي أوّل تعليق روسي رسمي على التصعيد، نفى الكرملين مشاركة طائرات روسية في قصف المدنيين. وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف «هذه اتهامات لا أساس لها من الصحة، ومن غير الواضح إلى أي أسس استند فيها أصحابها. هذه الاتهامات غير معززة ولو بدليل واحد، ونحن نرفضها جملةً وتفصيلاً». سبق ذلك إعلان «المرصد» استهداف طائرات روسية «بصواريخ ارتجاجية» مستشفى رئيسي في المنطقة ما أدّى إلى خروجه عن العمل، موضحاً أنها «المرة الأولى التي تنفذ فيها روسيا غارات على الغوطة الشرقية منذ ثلاثة أشهر». وندّدت الأمم المتحدة بتعرّض 6 مستشفيات للقصف في المنطقة خلال يومين، معتبرة أن أي اعتداء متعمّد ضد مباني طبية «قد يرقى لجريمة حرب». إلى ذلك، كشف نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف أن موسكو تعمل في مجلس الأمن على مشروع قرار متعلّق بـ «المسائل الإنسانية» في الغوطة الشرقية، من دون أن يقدّم تفاصيل إضافية. وقال في تصريحات صحافية نقلتها وكالة «سبوتنيك» أمس: «في ما يتعلق بالهدنة الإنسانية، فهذا يعتمد على كيفية سير إعداد مشروع القرار هذا، أعتقد أن هذه المسألة ستحلّ أيضاً. إنه قرار حول المسائل الإنسانية بشكل عام». يأتي ذلك فيما تتواصل المفاوضات في مجلس الأمن حول مشروع قرار كويتي- سويدي يطالب بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً للسماح بتسليم مساعدات إنسانية عاجلة وبإجراء عمليات إجلاء طبي، وهي الهدنة التي اعتبرتها موسكو «غير واقعية». وندّدت الإدارة الأميركية بالهجوم على الغوطة ودعت إلى وقفه فوراً. وأعربت الناطقة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت أمس، عن «بالغ قلقها» إزاء تصاعد الهجمات السورية والروسية على المنطقة، منتقدة «سياسة الحصار والتجويع» التي يمارسها نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أعلن الثلثاء أنه سيتوجّه إلى موسكو وطهران حليفتا دمشق، بناء على طلب من الرئيس إيمانويل ماكرون، للبحث في التطورات السورية. وحذّر لودريان في كلمة أمام البرلمان من أن «الوضع في سورية يتدهور بشكل ملحوظ»، منبهاً من أنه «إذا لم يطرأ عنصر جديد فإننا نتوجّه نحو فاجعة إنسانية». بدوره، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «قلقه العميق» من تصاعد العنف. وحضّ الأطراف جميعها على التزام المبادئ الأساسية للقانون الإنساني، بما في ذلك حماية المدنيين.
مشاركة :