يتشابه التعويض مع عقوبة الغرامة في أن كليهما يجبر المحكوم عليه على دفع المال، إلا أن التعويض يذهب إلى المتضرر والغرامة تذهب إلى خزانة الدولة. فالغرض من التعويض جبر الضرر، والغرض من الغرامة العقوبة والتأديب. تترادف العدالة مع المساواة في كثير من الحالات، ولكن في الحقيقة فإن معاييرها مختلفة، وكذلك تنافي المساواة أحياناً فكرة العدالة، والأمثلة على الفرق كثيرة، كأن يوزع الأب مصروف الأبناء بالتساوي بين واحد عمره ١٧ سنة وآخر عمره ثماني سنوات، متجاهلاً ظروفهما وحاجاتهما، باسم المساواة، من دون الالتفات إلى التزامات كل منهما، أو كأن يعاقبهما بالطريقة نفسها من دون مراعاة العمر والحال. ما يحدث لدينا في تطبيق الغرامات يشبه تماماً ما يفعله الأب هنا! لئلا يقع في ظلم أي ابن، وحّد الأجر ووحّد العقوبة، وهذا ما ينافي تماماً فكرة العدالة القائمة على إعطاء كل ذي حق حقه، مع الأخذ في الاعتبار كل النواحي والاعتبارات. فمن غير العدل أن أصدر غرامة قيمتها ألف دولار على شخص راتبه ثلاثة آلاف، وفي الوقت نفسه أصدر الغرامة ذاتها على شخص دخله الشهري 30 ألفاً، وعلى رغم أن الغرض من الغرامة التأديب، فأنت أخذت ثلث راتب الأول، وثلاثة في المئة من راتب الثاني، والفرق بين الاثنين كبير وشاسع جداً. ومن العدالة أيضاً، ألا تكون قيمة الغرامة على المسؤولين أو الاشخاص ذوي المناصب أو المؤثرين في المجتمع هي قيمة الغرامة على الشخص البسيط نفسها، لأن الأخير يعتبرهم قدوة ويتأثر بهم، لذلك فهم يتحملون الغرامة الأعلى نظير وضعهم وتأثيرهم وأهميتهم ودورهم الاجتماعي. وتحقيق العدالة، وليس المساواة، يستدعي أن تصنف المخالفة برقم معين وتحدد قيمة عقوبتها لاحقاً بالنظام، على أن تحتسب وفق معايير عدة، منها الدخل السنوي لمن تقع عليه، ووظيفته، وحاله الاجتماعية، وسنه، ودرجته العلمية، ودرجة تأثيره في المجتمع، وعدد الأشخاص الذين يعولهم، وأي سبب يجعلنا نحقق المراد من فكرة الغرامة لتؤدي غرضها، وهو «التأديب». وهناك تجارب واقعية، منها ما قامت به فنلندا التي طبقت جزئياً فكرة عدالة الغرامة عبر ربط المخالفات بمكتب الدخل والضرائب، ولا ننسى قصة المدير السابق لشركة «نوكيا» الذي غُرم بـ١١٦ ألف يورو عام ٢٠٠٢، وطعن في الحكم مستنداً إلى إحصاءات رسمية تفيد بأن حصة «نوكيا» في السوق انخفضت، ووافق القضاء على طعنه. طبعاً أنا لم أخبركم أن فنلندا هي أقل البلدان اليوم في حوادث السير، وأنها بلد صغير يقطنه ٥ ملايين نسمة، وتحقق أكثر من بليوني يورو سنوياً من المخالفات، لتتفوق بذلك على فرنسا، التي يقطنها ٦٦ مليون نسمة وماتزال تعتمد النظام التقليدي في المخالفات (مساواة المخالفات). يذكر أن المناداة بالعدل في الغرامات لا تنافي أن يكون هناك حد أدنى للغرامة، وأن يعاد النظر في قيمتها بما يناسب الحد الأدنى للأجور. * كاتب من أسرة «الحياة».
مشاركة :