المشاريع العملاقة والرؤية الطموحة للتنمية في المملكة في إطار الرؤية - 2030م تضع عبئاً كبيراً على عاتق مؤسسات التعليم والتنمية البشرية والتدريب وبصفة خاصة «التدريب». فما أعلن عنه حتى الآن من مشروعات يمثل نوعاً جديداً من مشاريع التنمية يتطلب موارد بشرية مؤهلة ومدربة وإلا سنجد أنفسنا أمام موجة جديدة من استقدام العمالة الوافدة.. - ما مدى استعدادنا لمواجهة هذا التحدي؟و هل نملك ما يكفي من مواعين التدريب والتطور الذي يؤهل لنا كفاءات وطنية قادرة على التعامل مع التكنولوجيا العالية القادمة إلى بلادنا؟ وما المطلوب لضمان إعداد شبابنا للعمل في المشروعات العملاقة التي أعلنت خاصة أن الشركات العالمية التي ستنفذ هذه المشروعات قد تلجأ للاستقدام إذا لم تجد الأيدي العاملة الوطنية المؤهلة؟ إعداد: توفيق محمد نصر الله- سامي التتر طرحنا هذه التساؤلات على على عدد من خبراء الموارد البشرية والتدريب ولنبدأ بمداخلة د. أمل شيرة التي قالت: يجب دائماً قبل أن نعلن عن أي مشاريع أن نمهد في السوق لها خاصة إذا كان التوجه في المرحلة القادمة لعدم الاعتماد على النفط والاعتماد على صناعات بديلة لنغير من توجهنا من شعب مستهلك إلى شعب منتج من المفترض أن نغير من كل برامجنا وكل ترتيباتنا وكل تدريبنا وكل مخرجات تعليمنا في هذا الاتجاه. نحن الآن نتحدث عن طفرة قادمة في التصنيع في الاتجاه إلى مصادر أخرى للطاقة ومدى استعدادنا لها هل نحن مستعدون لها؟ لا أعتقد أننا مستعدون لها لكن الفترة الانتقالية يجب أن تعطى لنا بطريقة محددة لابد أن يعلن المسئولون أن الفترة الانتقالية من هذه المرحلة إلى المرحله الثانية ستستغرق سنة أو سنتين وفي خلال هذه السنه لابد أن نعمل تغييرات في توجهاتنا بالنسبة للتعليم وبالنسبة للتدريب بما يتوافق مع التوجهات الجديدة. التكامل والتنسيق نحن أولاً لا بد أن نحدد الهدف أين سنذهب؟ وبناء على هذا الهدف نستطيع أن نحدد التدريب والتأهيل، دعني أسأل سؤالاً يسبق هذا، نحن نعتمد على الموارد البشرية في وضع هذه الترتيبات وفي وضع هذه التغيرات في القوى البشرية التي في السوق لمواكبة هذه التغييرات فهل الموارد البشرية الموجودين مؤهلين بشكل كاف لقيادة هذه التدريبات وقياده هذه التغيرات، فإذا كان القادة أنفسهم الذين سيقودون هذا التغيير غير مؤهلين فعن أي برامج أنت تتحدث؟ وعن أي توجهات؟ إذا كنت قد أحضرت المركبة ولم تحضر لها سائقاً ماهراً بالتأكيد ستبقى المركبه تراوح مكانها، أنا أرى أنه يجب أن نركز أولاً على صناع التغيير، قادة التغيير هؤلاء قبل أن أركز على التغيير نفسه لأن التغيير هذا مسار لكن من سيمسك هذا المسار؟ هم القادة الذين سيسير وراءهم الناس سواء كانوا مسؤولي التدريب، مسؤولي التطوير، مسؤولي الموارد البشرية، هل نحن مؤهلون لهذه القيادة هذا هو السؤال؟ فأنا لدي صناع القرار أو قادة التغيير لكن كيف أضمن أن لديهم القدرة على النظر إلى معطيات السوق، كيف ينظرون إلى المعطيات ومؤشرات القوى العاملة السعودية الموجودة في السوق؟ وأنا ليس لدي حتى الآن إحصائية للقوى السعودية العاملة الموجودة في السوق تقول لي ما هي المؤهلات الموجودة عندي؟ وما المؤهلات التي تنقصني؟ وزارة العمل لم تقدم لنا طوال عمرها إحصائية تقول لنا أنا لدي نقص في هذا الجانب وليس لدي نقص في هذا الجانب، لم تأتني جهة من الجهات وتقول أنا مكتفية من خريجي الحاسب الآلي ومحتاجون خريجي هندسة صناعية مثلًا، فأنا كيف أستطيع أن انطلق إذا لم تكن لدي هذه الإحصائيات وهذه الأرقام؟ كيف أستطيع أن أواجه كل هذه التحديات القادمة وكل المشاريع القادمة وأنا لا أعرف ماذا عندي؟ كيف أدخل في مضمار التحدي وأنا لا أعرف ماذا عندي أساساً؟ كيف أقود التغيير وأنا لا أعرف هل سيارتي ملأى بالبنزين أو بالوقود أو لا؟ الموضوع كبير جداً فيجب ألا أقدم على فتح مشاريع في السوق بدون أن أعرف أنا ماذا لدي؟ يجب أن أعرف أولاً ما التعليم الذي عندي، ما المؤهلات المطلوبة للمشاريع القادمة؟ هل لدي هذه المؤهلات؟ وهل أنا بحاجة إلى أن أطورها؟ وكيف أطورها؟ وعلى يد من؟ وكم تستغرق الفترة الزمنية؟ هذه كلها يجب أن تكون أول خطوة أو أول واجب نعمل عليه قبل أن نقول يا الله أنا لدي المشروع الفلاني ولابد أن تعمل الوزارات جميعها مع بعضها بعضاً بكثير من الشفافية والتوضيح للناس فنحن لدينا قيادات موارد بشرية جيدة في السوق يجب أن نشركهم في اتخاذ القرار على الوزارات أن تتحدث مع بعضها لأنه لا بد من وجود هذا التكامل فبدون هذا التكامل بين الأطراف المعنية كلها لن نصل وسنظل طوال عمرنا نعتمد على العامل الأجنبي لأنني بدأت مشروعاً بدون أن أعرف أنا ماذا لدي؟ التدريب من الخطوة الأولى و يقول د. علي دقاق: إن التدريب يعتبر الجزء الحيوي والحركي والمهم من العملية التعليمية أياً كان حجم المشروع. فبعد التأهيل العلمي غالباً ينظر لتقييم الخبرات بمدى انخراط الشخص في تطبيق ما حصل عليه من رصيد علمي صفِّي ومن هنا تبدأ أهمية التدريب الذي يبدأ بدورات إعداد قصيرة إلى متوسطة المدى بعدها تدريب على رأس العمل وهكذا تستمر عملية التدريب في أُفُق زمني قد يصل إلى ٤٠ ٪ من العمر العملي المتوقع من الشخص ليصل إلى مستوى مهارة منافس يعود عليه وعلى صاحب العمل سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وحيث إن طرح ملف التدريب عبر اليمامة يركز على مشروعات الرؤية ٢٠٣٠ التي تشكل نوعاً جديداً ومتطوراً من التحديات التي تراهن عليها الرؤية لتحقيق الهدف الإستراتيجي لمرحلة اقتصاد مابعد النفط بعبارة أخرى هي مشروعات تحدي للخروج والتحول من الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط وقرارات سياساته الإنتاجية والسعرية المتذبذبة التي تتوزع بنِسَب ليس فقط بين المنتجين والمستهلكين إنما بين عدد من المنتجين أنفسهم والتحول إلى اقتصاد تنموي يوازن بين الإنتاج والاستهلاك. المشكلة: هذه المقدمة تنقلنا إلى السؤال المباشر المطروح «هل نملك مواعين التدريب والتطوير»؟ حقيقة الإجابة بشكل مباشر تحتمل (نعم ولا) في آن وهذا مايُضفي لغة التحدي الاقتصادي الفنِّي على السّؤال وذلك لصعوبة وربما خطورة التحديد الجزافي في اختيار الجواب بنعم أو لا. وإذا أردنا أن نكون صريحين مع أنفسنا وشخصياً وبحكم التخصص والتجارب والخبرات السابقة فالجواب لا... نحن لا نملك مواعين التدريب والتطوير التي تخدم مرحلة التحول وبالتالي تحقيق الرؤية ولكن نستطيع أن نوجدها بحل المشكلة بقرار عملي محلي وفكر استثماري عالمي. وهذا ينقلنا إلى الخطوات المطلوبة لتأهيل أبناء وبنات المملكة للعمل في مشروعات التحدي العملاقة. الحلول المقترحة: كما أشرت سابقاً أن المدخل للحلول هي بقرار عملي محلي (سعودي) وبفكر استثماري دولي (متعدد المتغيرات) وهنا يبرز إلى السطح مفهوم المشاركة بمعناه الواسع بين المموِل - غالباً المحلي - والشريك الفني - غالباً الأجنبي - مالك التقنية بإثارة السّؤال أو الفكرة التّالية: لماذا لاتكون المشاركة بداية من المشكلة؟ فنياً وعلمياً وعملياً لا توجد مشكلة في ترحيل المشكلة أو جزء منها إلى ملعب الشريك الفني ومالك التكنولوجيا باختلاف أنواعها. وفِي هذا الجانب تفصيل للوقوف على كيف ومتى وأين. ولعل مثال بسيط يوضح ما ترمي إليه هذه الفكرة. لا يخفى أن خريجي الجامعات السعودية من أغلب التخصصات المعروفة والمتعارفة والمعترف بها عالمياً وهذه نقطة مهمة تؤكد القدرة على المنافسة ليس محلياً فقط، بل وعالمياً. وعلى الرغم من القدرة على المنافسة والابتكار والريادة إلا أن «كيف يعمل الاقتصاد؟» لا يخدم الخريج بالشكل المطلوب، بل نسبياً يخدم الشريك الفني أكثر من صاحب وممول المشروع، حيث يظل الصندوق الأسود في عملية الإنتاج تحت سيطرة منتج التقنية، حيث يبيع لنا نتاج التقنية وليس التقنية وهنا نقع في مأزق تعريف مفهوم نقل التقنية ونظل مرتبطين بالفنيين من مهندسين وعمال مهرة من غير السعوديين بدعوى عدم وجود المعرفة العملية الكافية عن التقنية. كيف نتجاوز مثل هذه النقطة السلبية في كيف يعمل الاقتصاد؟ بتعديل بسيط في شروط التقنية العالمية المستوردة وهي أن لا نعتمد بدء التدريب بعد تركيب المعدات والأجهزة، بل يكون التدريب بدءاً بالمشاركة من الخطوط الأولى ومنذ مرحلة مواصفات المشروع وإعداد التصاميم الأولية ومن ثم بدء عملية تصنيع المعدات وإضافة مثل هذا الشرط في شروط المشروع نضمن معه معرفة مجموعة من الشباب مهندسين أو غير ذلك بالتقنية منذ البداية وهؤلاء هم من يقوم بتدريب العامل الوطني ليكتسب مهارة معينة في هذا المشروع وتكون النتيجة هي تحقيق المعرفة الحقيقية لكيف يعمل المشروع وكيف يتم الإنتاج واحتياجات الصيانة وخلافه، ونكون أيضاً حققنا مفهوم نقل التقنية الصحيح وينخفض القلق من غياب مواعين التدريب والتطور، حيث بمثل هذه الخطوات يتدرب الشباب ويدربون آخرين؛ وفي هذا تحقيق حقيقي وعملي للسعودة المنشودة ونكون أكثر استعداداً لمواجهة التحديات في المشروعات العملاقة أو التقنيات الذكية. ونجاح الفكرة يبدأ بخطوة التعديل والإضافة في شروط عقود الشريك الفني والتقني. منطق الفكرة واضح وجاهز للتجربة والتجربة أكبر برهان. إقبال الشباب ويرى د. محمود خان أننا لم نصل بعد إلى مرحلة مواجهة التحدي لأننا لم نهتم بالتدريب في الفترات الماضية، وعندما بدأ التدريب بدأ في الأشياء النظرية قليلًا كالتدريب على الكمبيوتر والتدريب على اللغة، نحن بحاجة للتدريب العملي الذي يتجه أكثر لما تحتاجه الشركات الخاصة والقطاع الخاص خاصة عندما يكون لديك مشاريع كبيرة كمشروع الإسكان أو مشروع مصنع أو مشروع للجوالات أو للاتصالات كل هذا يجب أن يدعم بالتدريب العملي لأن التدريب العملي لم يكن موجوداً في المملكة وإن كان قد بدأ بخطوات بسيطة للغاية وغير متقدمة عندما أصبح هناك ضغط كبير على القطاع الخاص في أنهم يبدلون العمالة التقنية الأجنبية بالعمالة الوطنية، وأكبر مثال على ذلك محال الذهب والمجوهرات والجوالات والتقنية وبرامج الصيانة في الكهرباء كل هذه تحتاج إضافة إلى التدريب النظري الذي كان يعطى في السابق إلى تدريب عملي على جو العمل نفسه، هذا التدريب كي يكون ناجحاً لا بد أن يدعم بالنظريات الأساسية ثم يدعم بالتدريب على رأس العمل بوجود الفني المختص الذي يستطيع أن يتعلم منه الشاب المتخرج حديثاً من الجامعة أو من الكلية التقنية أو الذي جاء من بعثه من أمريكا أو من غيرها وما اكثرهم وكلهم دارسون نظرياً ولا بد أن ندربهم عملياً وهم بحاجه إلى وقت للتدريب، هذا الوقت ليس أسبوعاً أو اسبوعين فأقل مهنة تقنية تحتاج إلى تدريب من ثلاثة إلى ستة شهور ولا أنكر بأن الشباب وحتى الشابات أثبتوا جدارتهم وسرعة تعلمهم كانت عالية جداً وطموحهم كان عالياً، فنظرة الشباب للعمل التقني تغيرت عن الأول هذه العوامل الثلاثة إذا دعمت بحيث إننا ندفع الرواتب التي تساعد على تحفيز الشباب والشابات على الخوض في هذه الأعمال بدلاً من الاكتفاء فقط بالأعمال المكتبية والأعمال التسويقية وأعمال الدعاية والإعلان فإننا بالتأكيد سنسد الثغرة في نحو ثمانٍ إلى عشر سنوات وليس سنة أو سنتين أو ثلاثاً. ونحن نملك ما يكفي من مواعين التدريب والتطور فالفلوس موجودة والأجهزة موجودة، غير الموجود هو إقبال الناس على هذه الأنواع من التدريب؛ لأن الشاب يقول أنا لو تدربت في المبيعات أو في التجارة أو في الدعاية والإعلان سآخذ ضعف أو ثلاثة أضعاف فيما لو تدربت على صيانة الجوال أو صيانة المكيفات، هذه هي المشكلة وهي عدم إقبال الشباب بسبب ضعف الرواتب في هذه الأعمال في حين لا تزال الرواتب عالية جداً في غيرها كالدعايات أو المبيعات كبيع الأراضي والشقق والبيوت، حيث يأخذ له مبلغاً لا يقل عن خمسة وعشرين ألف ريال أو أكثر على كل بيعة بينما لو اتجه لصيانة الجوالات فسيأخذ له ثلاثين أو خمسين ريالًا أو حتى مائة ريال ومثلها لو اتجه لصيانة المكيفات فالناس أصبحت تنظر للأمور المادية.. المطلوب هو أخذ شرط على هذه الشركات بموجب التجربة السابقة التي نجحت في سابك، وأنا كنت في غرفة الشرقية هذا العام وأعرف أن أهم أسباب نجاح أرامكو وسابك هو وجود (التغطية) كل وظيفة يعمل فيها شخص تقني ماهر أضع معه سعودي أو سعودية يتمرن معه قليلاً قليلاً وفي خلال ستة شهور يستطيع أن يدير العمل بدلاً منه وهذه في البداية تكلف كثيراً لأنك تدفع لوظيفة واحدة راتبين راتب الوافد وراتب السعودي، لكن نهايتها تكون مثمرة كما حصل في سابك بدأت في البداية على يد الأمريكان واليابانيين والأجانب بعدها أغمضنا أعيننا وفتحناها فإذا بكل العمالة الهندسية التي في مشاريع سابك خاصة التي في الجبيل أدارها سعوديون بعد التدريب الذي تم على رأس العمل وكان بعضه يستغرق وقتاً يراوح من ستة شهور إلى سنتين أو ثلاثة في بعض الأحيان فإذاً علينا أن نضحي قليلًا بالنسبة للتكلفة في البداية ويجب أن تكون نظرتنا بعيدة المدى كي نحفز الشباب السعودي لأن يعمل في هذه الوظائف وألا يكتفي الواحد منهم بالوظائف النظرية وظائف المبيعات والتسويق هذه هي نظرتي للوظائف التقنية التي تحتاجها المملكة، أنظر كم شخص يستخدم الجوال والمكيف والسيارات وهذه كلها وظائف تقنية تحتاج إلى الدعم المادي ثم التدريب على رأس العمل. من التدريب إلى التيسير أما محمد آل طاوي فيقول: إنه لو استعرضنا تاريخ التدريب في المملكة العربية السعودية منذ عام ١٩٧٠م وحتى الآن، سنجد أن التدريب بدأ معتمداً بنسبة ١٠٠ % على التدريب الخارجي من خلال استقدام المدربين الأجانب سواء من الجنسيات العربية أو مدربين عالميين لتدريب كبريات الشركات فقط مثل أرامكو وسابك.. أو كانت تلك الشركات ترسل متدربيها إلى الخارج لتلقي التدريب في معاهد ومراكز تدريب خارجية. أما في المملكة فكان هناك افتقار للتدريب الاحترافي الذي يعول عليه في تطوير المنشآت والارتقاء بأداء موظفيها، حيث كان التدريب يكاد يقتصر على تدريب الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية. ومع التطور المتسارع للشركات والمنشآت والنمو الاقتصادي واتساع رقعة الشركات وتنوع أنشطتها، ظهرت الحاجة الملحة إلى تطوير الأدوات الكفيلة بسد الاحتياجات التدريبية الفنية والإدارية والهندسية والتقنية، وبدأت المنشآت في إنشاء مراكز تدريب داخلية لعلها تلبي احتياجات موظفيها، ولكنها وجدت نفسها تعيد المعارف والمهارات دون تجديد. وفي عام ١٩٨٠م، أنشئت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لتقوم بتنظيم التدريب ووضعه وفق منهجية تقوم على دراسة الاحتياجات التدريبية والبحث عن المناهج التدريبية الكفيلة بسد تلك الاحتياجات. ومع مطلع عام ٢٠٠٠م ظهرت مرحلة جديدة من الانفتاح العالمي والبحث عن بدائل للتدريب الدولي وظهر عديد من معاهد ومراكز التدريب التي تنقصها تلك الخبرة التي تتمتع بها معاهد ومراكز التدريب العالمية. وإذا جاز لنا أن نقسم حياة التدريب إلى مراحل طفولة ومراهقة.. فنحن اليوم قد دخلنا مرحلة النضج، وهذا عائد إلى تراكم التجارب السابقة والتي نتج عنها نضج في التدريب على مستوى المدربين وعمقهم المعرفي وعلى مستوى المواد التدريبية وكذلك على مستوى تقديم البرامج التدريبية وفق الاحتياج التدريبي. كل هذا يجعلني أقول وبكل ثقة، إننا على استعداد لمواجهة التحدي والخروج بأثر تدريبي نوعي يسد فجوة الأداء ويرفع مستوى مهارات المتدربين. قد نحتاج هنا إلى الاعتراف بأننا رغم نضج العملية التدريبية من مدرب ومادة تدريبية ومنهجية تدريب، إلا أننا لا نزال نحتاج إلى تطوير التجهيزات والإمكانات التقنية التي تسمح لنا بتيسير وتنويع طرق الوصول إلى المستفيدين من العملية التدريبية من خلال توظيف التقنية الحديثة واستثمارها في التواصل والوصول إلى المتدرب وتقديم أفضل الخدمات التدريبية. ففي حين نجد جامعات عالمية ومعاهد ومراكز تدريب قامت بتطويع التقنية وتوفير الخدمات المساندة لدعم العملية التدريبية وتحويلها إلى عملية ممتعة ومفيدة في ذات الوقت، ما زلنا في العالم العربي نقدم التدريب بنمطية ثابتة لاتكاد تتغير، ولا تكاد تختلف كثيراً عن العملية التعليمية. نحن نحتاج إلى أن نتحول من التدريب (training) إلى التيسير (coatching) الذي يعطي للمتدرب مساحة أكبر للمساهمة في العملية التدريبية واكتساب المهارة من خلال الممارسة العملية للأنشطة التدريبية. كما نحتاج إلى أنظمة تدريبية تحاكي الواقع العملي للمتدربين في بيئة العمل (training simulation) بحيث يستطيع المتدرب أن يربط بين المعرفة المجردة والمهارة المجربة وواقع العمل، ويخرج منها بحصيلة ترسخ لديه مفهوم الاحترافية في الأداء. لاشك أننا أمام تحديات، في ظل تسارع التطور على كافة الأصعدة المهنية وفي ظل تدفق المعلومات كزخم كمي دون أن يكون هناك انتقاء نوعي وتصنيف مهني واحترافي للمعلومات في سبيل إيصالها للشباب في مجالات الأعمال بطريقة احترافية نضمن من خلالها حصولهم على المعلومة الصحيحة والاستفادة منها وتحويلها إلى مهارة يمكن توظيفها في الارتقاء بجودة العمل ورفع الانتاجية للأعمال المختلفة. ولعلنا نشير هنا إلى ثلاثة محاور نحتاج إلى توفيرها لضمان إعداد شبابنا للمرحلة القادمة: - تعزيز ثقافة أهمية التدريب كامتداد للتعليم، وذلك ليعمل شبابنا على اسثمار أوقاتهم وجهودهم في سبيل تطوير أنفسهم في المجالات المختلفة، من خلال استثمار فرص توافر المعاهد والمراكز التدريبية المتنوعة، إضافة إلى التنوع الكبير للاختيار بين المدربين، وكثير منهم مارس في حياته العملية أكثر من مجرد المعلومات النظرية، مما يضيف إلى التدريب واقعية وتجربة ثرية بالخبرات والتجارب. - تعزيز الإحساس بالمسؤولية عند معاهد ومراكز التدريب لتضطلع بدورها في نقل المعرفة والمهارة بأمانة وبأعلى معايير الاحترافية مع العمل على قياس الأثر التدريبي لتطوير أنظمتها التدريبية، إضافة إلى دور المدرب في تطوير مهاراته التدريبية والبحث المستمر عن آخر مستجدات التدريب العالمية ليطبقها ويستثمرها في تحسين أساليب نقل المعلومات والمهارات للمتدربين. - العمل على كسب ثقة المنشآت في أبناء الوطن من خلال الاهتمام بهم ومنحهم الثقة وإعطائهم الفرصة لخوض غمار التجربة والعمل مع التوجيه والدعم المادي والمعنوي. ولعلنا نجد الكثير من النماذج المشرقة من أبناء الوطن ممن تمكنوا من منافسة خبراء عالميين على الصدارة في مجالات شتى، وليس هنا مجال لذكر أسماء، فالفضاء الإلكتروني يعج بالأسماء المشرقة من أبناء الوطن. إذا تمكنا من العمل على هذه المحاور الثلاثة فلا محالة أننا سنحقق نتائج مرضية إلى حد ما، ونعمل على التحسين المستمر لها لكسب الثقة بطريقة تراكمية. وقبل أن أختم حديثي هذا أحب أن أؤكد على أهمية التكامل بين منشآت التدريب ومنشآت الأعمال في سبيل تقديم أفضل الخدمات التدريبية ذات الجودة العالية التي تسهم في تطوير الأفراد من العاملين في كافة القطاعات وبما ينعكس على الإنتاجية كماً وكيفاً، وهذا كله يتماشى مع المحور الثاني من محاور رؤية ٢٠٣٠ وهو محور اقتصاد مزدهر. وحين قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان «طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة الدول، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع» كانت الإشارة واضحة لأهمية ركيزة التدريب والتعليم في نهضة الوطن وبناء المواطن. ومن هنا لم تغفل الرؤية على مواصلة الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد أبناء الوطن بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل التي تحتاج إلى مهارات نوعية بكفاءة عالية، وتعزيز الجهود في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص الوظيفية والتدريبية للجميع، والتعاون مع القطاع الخاص والقطاع غير الربحي في تقديم مزيد من البرامج والفعاليات المبتكرة لتعزيز الشراكة التعليمية وتوفير فرص التدريب للخرجين محلياً وعلمياً. وتطرقت الرؤية إلى تأسيس مجالس مهنية خاصة بكل قطاع تنموي تعنى بتحديد الاحتياجات والمهارات التدريبية، وتوسع في التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وإكساب المتدربين القدرات والمهارات التي تمكنهم من التفاعل الحي والإيجابي المتجدد مع التحولات المتسارعة والاتجاهات العالمية الجديدة في مجال التدريب إضافة إلى دور الفلسفة في استشراق المستقبل، وتحقيق النمو الوظيفي داخل إطار مفاهيم التنمية المستدامة، وتعزيز الوعي لدى المتدربين إلى تقبل التغير والاستعداد له، للإسهام في علميتي التجديد والتطوير. إلزام الشركات أما بسام فتيني فيرى أن واقع الحال محبط جداً فخلال سنوات طوال نسمع ولا نرى بمخرجات التدريب المهني والكليات المهنية والتقنية والصناعية، نسمع عن عقود وإنشاء كليات بالمليارات ولا نرى لها أثراً وهو ما يتطلب تدخل الجهات الرقابية وسبر أغوار هذا اللغز! فمن غير المعقول أن تكون ميزانية المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني تتجاوز ال 5 مليارات سنوياً ثم نرى آلاف الورش التي تعج بالعمالة الوافدة ولا نجد سعوديين إلا فيما ندر وهو ما يؤكد فشل هذه المؤسسة وهي المعنية الأولى بهذا الملف ولدينا تجارب رائعة في تكوين أوعية تأهيل وتدريب حقيقي على رأس العمل، ولعل أبرزها كان في سابك وأرامكو وحتى شركة الكهرباء حتى أن مخرجاتهم تتجاوز مخرجات مؤسسة التديب المهني والتقني بمراحل وكذلك لا ننسى بعض شركات الطيران التي تبنت تطوير كوادرها بالابتعاث وتكثيف الدورات الخارجية. إن من المهم وضع تنظيم واضح وصريح يلزم الشركات القادمة بنسبة تدريب وتوظيف وتدرج في توطين الكوادر الوطنية في كل مشروع يتم تشغيله من قبل هذه الشركات ليكون ملزماً لهم قبل اعتماد التنفيذ ويكون مزامنة مع السماح لها باستقدام أيدٍ عاملة من الخارج حتى يتحقق التدريب على رأس العمل. خطط وإستراتيجيات تدريب ويتطرق د.محمد بن مصطفى بياري، للهدف الأسمى من إنشاء هذه المشاريع العملاقة، ومدى مساهمتها في إرساء دعائم التنمية المستدامة في كافة قطاعات الدولة، ودور مؤسسات التدريب الفني والمهني والقطاع الخاص، موضحاً ذلك بقوله: هناك عديد من المشاريع العملاقة والضخمة الواعدة والتي أطلقتها المملكة مؤخراً، والتي تأتي في إطار رؤية المملكة ٢٠٣٠م. هذه المشاريع ستكلف عشرات المليارات من الدولارات، وستكون إما مشتركة مع دول أو شركات رائدة، والمتوقع بإذن الله، أن تدر هذه المشاريع مبالغ ضخمة لخزينة الدولة، ومن المنتظر أيضاً قلب المعادلة من الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيس وعنصر أساس في الميزانية، إلى أن يشكل نسبة صغيرة تتضاءل وتتلاشى مع الوقت؛ ليرتكز اقتصادنا الوطني على مصادر دخل بديلة ومتعددة ولها صفة الديمومة ولا تتأثر بالمتغيرات الإقليمية والدولية. وتستلزم هذه المشاريع الواعدة، وجود إدارات متمرسة وبنى تحتية كبيرة، إضافة إلى طاقة تشغيلية بشرية مدربة غير عادية؛ لتتمكن من الانطلاق بشكل فعال وقوي. وتتهيأ الآن فرصة غير اعتيادية وممتازة لاستثمار طرح تلك المشاريع للقضاء على البطالة وتوفير فرص وظيفية غزيرة لسوق العمل، وبالتالي تشغيل قدر كبير من أبنائنا وبناتنا بهذه المشاريع الكبيرة، بنفس الوقت لا مناص بأنه سيتم استقدام عدد لابأس به من العمالة الأجنبية المدربة والقادرة في ظل عالم كبير ومفتوح وبوجود تباين واضح بين الدول العالمية المختلفة في التقدم العلمي والتقني. إذن نحن أمام تحد كبير وجبار لتأمين فرص العمل لأبنائنا، لذا يجب أن نعدهم من الآن إعداداً قوياً لهذه المرحلة المهمة التي تمر بها دولتنا الفتية والغنية بشبابها، ولتتمكن الدولة من مواكبة بناء وتجهيز وتشغيل مثل هذه المشاريع، فإننا نحتاج خطة تأهيل وتدريب تتضافر فيها جهود عديد من الوزارات والمؤسسات التعليمية والمهنية. ولاشك بأن هذه المشاريع الواعدة ستأخذ سنين ليست بالقليلة لتطرح وتبني وتعمل وتشغل بشكل فاعل لتدر دخلاً بإذن الله، فالإعداد الجيد وبشكل إستراتيجي ليس بالشيء الصعب إطلاقاً. يتحتم على وزارة التعليم وبالذات التعليم العالي التي تخرج أكبر قدر من الكوادر لسوق العمل بأن تنسق من الآن مع الجهات المختصة التي ستطرح المشاريع بحصر أهم التخصصات التي يفتقدها الوطن والتي تحتاجها تلك المشاريع ومن أهم تلك التخصصات صناعات الترفيه والفندقة والعلاقات العامة وتخصصات أخرى ومن ثم يتم التنسيق مع الجامعات وبالذات الكبرى منها لطرح تلك التخصصات بمناهج متطورة يتطلبها سوق العمل في المستقبل. ويشمل ذلك دمج بعض التخصصات الموجودة أو حتى إلغاءها وبالذات التي بها تكدس وممكن التنسيق مع جامعات عالمية متقدمة في المجالات المطلوبة لعمل المطلوب بسرعة كافية وبما يتناسب مع ظروف ومعطيات الوضع الراهن للوطن. يأتي دور المؤسسات العامة للتدريب الفني والمهني الذي لا يقل أبداً عن ماتؤديه وزارة التعليم لتقوم أيضاً بالتنسيق مع الجهات المختصة لمعرفة التخصصات المطلوبة، فإما طرح لتخصصات جديدة أو إعادة صياغة لطرق التدريب أو تكثيفه بما تتطلبه المرحلة المقبلة. ومن حسن الطالع أن المملكة العربية السعودية طرحت بالماضي القريب بعثات خادم الحرمين الشريفين وتم ابتعاث عدد كبير من أبنائها وبناتها يفوق المائة ألف في أفضل الجامعات العالمية لدراسة المرحلة الجامعية ومابعدها فآمل حصرهم قدر الإمكان وتصنيفهم وحصر التخصصات التي يمكن الاستفادة منها بتلك المشاريع بشكل مباشر. أيضاً يمكن الاستفادة من الخريجين الموجودين من خريجي الجامعات الحكومية والأهلية بمختلف التخصصات الموجودة وحتى إن كان بعضها يفيد بتلك المشاريع فيتم تهيئتهم من خلال مراكز التدريب التي يفترض رفع مستواها وطرق تدريبها وبالذات الموجودة بالجامعات والمؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني. وأخيراً ممكن جداً ومن خلال التعاون مع الشركات المختلفة التي سوف تنفذ المشاريع بإضافة شروط بإلزامها بتشغيل نسبة وعدد لابأس به من السعوديين والسعوديات وإمكانية تدريبهم بتنسيق من تلك الشركات مع الجامعات السعودية والكليات الأهلية المنتشرة بإرجاء الوطن. التدريب النوعي أما محمد سعد القرني، فيتطرق لمدى ما يمثله التدريب من أهمية بالغة في المرحلة القادمة في كل تخصص يحتاج إليه سوق العمل، قائلاً: التدريب هاجس كل مواطن غيور، وهاجس كل مسؤول مخلص؛ لما يمثله من أهمية بالغة في نهضة الأمم. ولكننا في المرحلة المقبلة، أمام تحد كبير في مجال التدريب، لأن ظروف المرحلة المقبلة تحتاج إلى تديب نوعي، وليس مخرجات التدريب التقليدية. لذلك، فإن جهات التدريب مطالبة بتلمس حاجة سوق العمل للعشرين سنة القادمة، والتخطيط لها من الآن وليس الغد. وعن المطلوب من مؤسسات الدولة المختلفة؛ للقيام بهذا الدور، يقول القرني: يفترض على وزارة الاقتصاد والتخطيط والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتقني ووزارة التربية ومجلس الغرف السعودية ووزارة العمل، أن تنشئ جهة تنسيق موحدة بينها، برعاية وزارة المالية، وتوجيه التدريب التقني والمتخصص الوجهة الصحيحة، وفق متطلبات سوق العمل. وعن مدى إمكانية تحقق مبدأ (التدريب المنتهي بالتوظيف) في المرحلة القادمة، يقول القرني: هذا الشعار طالما تردد كثيراً، لكن تفعيله ضعيف فيما سبق، والآن نحن بحاجة إلى تفعيله، لأن ظروف المرحلة المقبلة تتطلب تفعيل هذا المبدأ، وتتطلب الاحترافية والمهنية العالية والمتخصصة في كل مجال وفن من فنون التدريب. من ذلك مثلاً، تخصص الكمبيوتر لم يعد بالتخصص النادر، بل تفرع عنه تخصصات دقيقة مثل تقنية أمن المعلومات، وعلوم النانو تكنولوجي وغيرها، مما تتطلبه ظروف المرحلة المقبلة. كذلك تخصص المحاسبة، لم يعد بالتخصص النادر في ظل البرمجة الحاسوبية لعلوم المحاسبة التقليدية، ومتطلبات المرحلة المقبلة في علم المحاسبة، والتي تتطلب التركيز على محاسبة التكاليف الدقيقة، ومحاسبة الضريبة، والقيمة المضافة، وغيرها من فروع المحاسبة الدقيقة، ومثلها علم النفس الإداري، وعلم النفس الصناعي، وإدارة الموارد البشرية تحت ضغوط العمل وغيرها. إن الشعار الذي يفترض إبرازه والتمسك به في المرحلة المقبلة، هو (البقاء للأفضل)، إذ إن التاريخ يخبرنا عن نهضة اليابان، وأن مرتكزها كان الإنسان ذا الحس الوطني، الذي قاد زمام المبادرة للنهضة في اليابان، بل وأيضاً في كل من الصين وسنغافورة وغيرها. إن اليابان والصين من أكثر الدول استيراداً للمواد الخام، وهي أكثر الدول تصديراً لمنتجات تلك المواد الخام، ومنها مثلاً الحديد الذي تستورده اليابان والصين إسكراب أو خردة، ومن ثم تعيد تصديره سيارات وغيرها بما يعادل قيمته خردة عشرات الأضعاف وغيرها. لذلك، فإن الاستثمار في الإنسان هو استثمار طويل الأجل، ومردوده ليس آنياً، بل على المدى الطويل، وهذا المردود يصعب قياسه بمعيار الوحدة الواحدة، لأن مردوده إجمالي وكلي على مستوى الوطن، ويندمج مردوده في كل عائد ملموس بشكل مباشر أو غير مباشر على الوطن، والتدريب مطلب في كل قطاع، سواء كان قطاعاً أمنياً أو اجتماعياً، أو مصرفياً، أو تربوياً، أو حتى في المستوى الأدنى للمهن والوظائف. ويجب أن يعزز مع التدريب، الحس الوطني، والواجب الدينى الذي ينبثق من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وعما هو مطلوب من جهات التدريب المختلفة، تجاه الشباب؛ ليكونوا وفق متطلبات سوق العمل في المرحلة القادمة، يقول القرني: جهات التدريب مطالبة بإعادة النظر في لائحة التعليم الأهلي بالمملكة وتطويرها بما يوافق متطلبات المرحلة المقبلة، وتخفيف القيود المحيطة بتراخيص التدريب التي يتعامل معها أكثر من جهة. كما أن لائحة التدريب الأهلي يجب أن يعاد النظر في ضوابطها للتدريب في القرى والهجر والمناطق النائية، وتخفيف قيودها، بل تعقيداتها إن صحت العبارة. إن المستقبل سيكون لذوي التخصصات النادرة، ولذوي المهارات العالية، فالمهندس اليوم مطالب بمهارات إضافية لعمله كمهندس، وكذلك الإداري والمحاسب والمبرمج والطبيب والمعلم والمدرب وغيرهم. ويختم القرني قائلاً: أنصح الشباب بالعناية بكسب مزيد من المهارات التقنية واليدوية الحرفية، وفي كل المجالات، وتعلم اللغات، فالمستقبل لذوي المهارات المتعددة والنادرة والعالية، وما يعرف بالبرامج العليا. اختيار التخصصات من جهته، يتطرق د.فهد عرب، لمدى إمكانية استعدادنا لتحقيق الرؤية ومواكبة تحديات العصر، ودور قطاع التدريب التقني والمهني، قائلاً: منذ عام 1400ه ومع قرار إنشاء المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني واكبت المملكة حراك العالم في تدريب الكوادر المختلفة لتلبية احتياجات التنمية بتركيز الاهتمام بالتدريب من خلال جهة واحدة تضع إستراتيجيته وخططه وتستجيب باقي القطاعات لنظرة عامة تحقق بها كل جهة احتياجاتها في القطاع. إن تزايد الحاجة إلى تأهيل الشباب السعودي في المجالات المختلفة وتطوير برامج التدريب لينسجم مع حاجة الوطن في تحقيق متطلبات خطط التنمية الطموحة وفتح مسارات عصرية تضخ للأعمال أيدي قادرة على مواكبة المتطلبات الفنية والتقنية ولديهم النزعة على تحليل واقع الحال وتطوير ما يحيط بهم ويخدم مجالهم. وهذا يستدعي أن نبرز أهمية مناقشة ما نواجهه حالياً ونضعه في سياقه الصحيح لنتمكن من تحقيق الأهداف ونحن نقف على أرض صلبة. فماذا نواجه حالياً في مجال التدريب. أولاً: وضع التعليم أو التدريب التقني والمهني حالياً، حيث نحتاج إلى وضعه في مكانه الصحيح لتحقيق تنمية مستدامة. وهذا يكمن في استيعاب أعداد أكبر بالتسويق الجاذب وسلالم العمل المحفزة على الانخراط في المجال المهني برغبة داخلية لا قسرية أو إجبارية. ثانياً: آلية القبول في حاجة إلى مراجعة وتقييم من البداية فليس من المعقول أن كل متقدم يبرع فيما يراه مناسباً له من تخصصات في حين أنه يملك من المهارة والقدرة على تنفيذ أعمال أخرى بجودة أفضل ويؤديها بأريحية أكبر. ثالثاً: اختيار التخصصات والمجالات في التدريب هل هو نابع من احتياجنا أم تسجيل تبعية لدول خارجية أخذناها قدوة من الممكن جداً أن لا ننجح في تنفيذ أكثر من 50 في المائة من متطلباتنا المحلية. رابعاً: الحاجة إلى تطوير آلية تقييم المدربين سنوياً وتحديد قدراتهم واحتياجاتهم المهارية، حيث بذلك يمكن أن يغير نوع من التراخيص أو يدمج تخصص لبعض الرخص أو يعطل تصريح لحين اكتمال الحصول على الشهادات المتخصصة علماً أو درجة علمية أو مهنية. خامساً: اعتماد مؤشرات تكافؤ الفرص وتطبيقها حتى نكرس لوضع الثقة في كافة المتدربين وإنجاح مشاريع التدريب وغرس روح التنافس لتخريج كوادر أفضل. سادساً: التوازن بين المدخلات والمخرجات لا يمكن أن يكون ثابتاً على مر السنين فجغرافية المملكة ونموها السريع وإمكاناتها المالية وتعداد سكانها وتوافر مؤهلين من أنحاء العالم في تخصصات تقليدية وحديثة وغيرها من العوامل تحتم علينا أن تكون خططنا قابلة للتطبيق في كل الظروف ومرنة بحيث تكون تلبية الاحتياج عملية سهلة ومحدثة سنوياً. سابعاً: التنافسية مسألة تحتاج إلى وضع خطط تضمن تطبيقها باحترافية عالية ولا بد هنا من تحديث الرؤية والرسالة لأننا لا بد أن نحدد هل نسعى للعالمية أم المحلية؟ ثامناً: الثورة المعلوماتية وتقنياتها غيرت سياسات وإجراءات أعمال كثيرة كما أصبحت أساسية وليست تكميلية وهي تتقدم في العالم بسرعة عالية ابتكاراً وتصنيعاً وتشغيلاً ومواكبتنا لهذا المجال ما زالت غير مقيمة وبالنظر للقطاع الصحي فقط نرى أن أمامنا عملاً كبيراً لنكون في المكان المناسب في الوقت المناسب. تاسعاً: الجودة في كافة المراحل التي يمر بها التدريب من بداية التخطيط والإعداد له وحتى التدريب على رأس العمل تكاد تكون في مرحلة البحث ومحاولة التطبيق على الرغم من مرور أكثر من 3 عقود على بداية تخريج متدربين في بعض المجالات. عاشراً: نتناسى كثيراً مسألة تعدد واختلاف بيئات العمل، حيث يمكن أن تكون محفزاً على التدريب والترقي في المستويات وقد تكون أحد أهم عوامل التاخر والتخلف عن مسايرة العالمية في مستوى المخرجات ونوعية البرامج. فلا بد من الخروج من التقليدية عند وضع المناهج التدريبية للتخصصات المختلفة والاعتبار للبيئات التعليمية مختلفة المستويات وبيئات العمل الميداني وأخرى مكتبية وهناك الفكرية... إلخ. هذا يؤطر نوع المحتوى المفترض تلقيه المتدرب ويحدد ماهية المدرب المفترض أن يقود عملية التدريب ويحسن منهجية التدريب والتقييم أيضاً. الحادي عشر: لا بد أن نهتم بما يسمى «القيم والمبادئ» فبدونها لن نتوقع أن تكون هناك نتائج إيجابية لهذه الصناعة فالتعلم والابتكار والإيجابية وغيرها من قيم لا بد أن تكرس في محتوى المادة التدريبية وقبل ذلك التعليمية في مراحل التعليم المختلفة. إهمال هذا الجانب لم يولد لدينا مبتكرين ومخترعين ومطورين في كافة المجالات وعلى مدى العقود الماضية. --------------- على الجامعات والمؤسسة العامة للتدريب المهني تنسيق براج تدريب حديثة تناسب سوق العمل وبسؤالنا ل د.عبدالله بن أحمد المغلوث، عن مدى أهمية إحلال الكفاءات الوطنية في المشاريع العملاقة التي تقوم بها الدولة، بدلاً من العمالة الوافدة، أجابنا قائلاً: في ظل رؤية 2030 يحتاج سوق العمل إلى تنويع الوظائف من خلال التعليم والتدريب، خاصة بعد ما أصبح التوطين ضرورة مهمة يستوجب إعادة تأهيل وتدريب الجنسين كون هناك كفاءة وطنية قادرة على أن تعمل وبكل جدارة، إلا أن التخصصات ونوعية العمل يحتاج إلى كوادر متدربة في مختلف المهن، ومنها التسويق والمبيعات والجودة والصيانة وغيرها، بهدف إحلال المواطنين بدلاً من الوافدين، وهذا يتطلب تنسيقاً مع المؤسسة العامة للتدريب المهني والجامعات، بإحداث برامج تهم سوق العمل. إن عديداً من المشاريع التي يجري العمل عليها في المملكة تجذب الكثير من الاهتمام مثل مشروع (نيوم) ومشروع (القدية الترفيهي) ومشروع (البحر الأحمر)، ويبقى دور الشباب للأخذ بأسباب هذا التحدي، والاستعداد له، ومن ثم التغلب عليه، بتوظيف أكبر عدد ممكن منهم، وفي أدق تخصصات ومجالات العمل المختلفة. ------------------ لا بد من إلزام الشركات بدمج شبابنا في خطوط الإنتاج الأمامية عند سؤالنا لعبدالله الأحمري عن مدى ما تمثله المشاريع العملاقة والرؤية الطموحة للتنمية في المملكة في إطار الرؤية - 2030م من تحديات، ومدى استعدادنا لمواجهة هذه التحديات، أجابنا قائلاً: نحن على استعداد لمواجهة التحديات حينما تفرض علينا، حيث إن الحاجة أم الاختراع، وليس لنا خيار عن ذلك، فقط نحتاج إلى التشجيع والتأهيل من قبل معاهد وطنية متقدمة في التقنية والتكنولوجيا، التي يفترض أن تأخذ على عاتقها تدريب الشباب، وتأهيلهم لمرحلة العصر الجديد، وثورته المعلوماتية، وتقنيته الحديثة. وإذا ما طلبنا من الشركات العالمية التي تقوم بمشروعاتنا العملاقة، دمج شبابنا معهم في الخطوط الأمامية للأنتاج لكسب الخبرة من الواقع العملي، فأنا على يقين أن الشباب السعودي سوف يثبت جدارته، إذ لا يمكن أن تجد من يحرص على الوطن، أكثر من أبنائه. ------------------ لا بد من حوافز ومزايا تواكب أهمية التدريب وعند سؤالنا ل د.فيصل بن عبدالله العتيبي، عما إذا كنا مستعدين بهذا الوضع الذي نعيشه اليوم، لمواجهة تحديات العصر، أجابنا قائلاً: ما زلنا نحتاج إلى الكثير من العمل الدؤوب حتى نرضى نحن قبل أن نصبح في موقع مقارنة مع الغير من أقطار العالم. هذا يعني ابتداءً وضع الثقة في المخرجات التي قننا تصميم برامجها ووضعنا آلية تقييمها وتابعنا عن قرب أساليب تنفيذها لأن في ذلك الوقت سنضع الثقة في كافة من تم الاستفادة منهم في هذا البرنامج أو ذاك وسيقومون بتحمل المسؤوليات لأنهم واثقون من مخرجاتهم التي حققت فعلًا ما خططنا من أجله». وبخصوص ما إذا كنا نملك ما يكفي من مواعين التدريب المواكبة لمتطلبات المرحلة، قال د.العتيبى: نعم ولا. إذا اعتبرنا أن الأولى يقصد بها الكم وما يجري حالياً يؤكد أن معدل ضخ المراكز التدريبية للسوق يكاد يصل لمستوى أقل من المطلوب، ولكن الثانية هي ما تجعلنا نتريث في الإجابة، حيث إن الكيفية هي ما يعطل المسيرة فمجرد نشر أخبار إغلاق مراكز أو إيقاف برامج أو سحب رخص وتصاريح أو تجميدها أو التحكم في سعة وإلخ، ويكون هذا النشر متكرر سنوياً وفي مجالات حساسة كالتعليم والصحة والإدارة فإن الخلل ليس فقط في هذه الجهات، بل أيضاً في باقي مكونات دورة حياة برنامج التدريب الوطني. وعند سؤالنا ل د.العتيبي، عما هو مطلوب عمله إذا ما أردنا أن نستفيد من مواردنا المالية الداعمة وطاقات وسواعد أبنائنا في حراكنا التنموي وبما يكفل حصر الاستعانة بالسواعد الخارجية إلا للمشورة أو المشاركة الفكرية، أجابنا قائلاً: في الواقع نحن نحتاج إلى الاهتمام بما بدأت به، ثم نحتاج إلى إرادة قوية، وإدارة احترافية بقيادات تتحمل المسؤولية، وتأخذ بيد أبناء الوطن (ونضع الثقة فيهم) من المرحلة الأولى في دورة حياة البرنامج التدريبي الوطني عند تحليل الاحتياج وحتى قياس التأثير بعد التدريب والتأهيل. لا بد من أخذ الوقت الكافي لتحليل واقع الحال والاحتياج والقيام بعملية التحليل خلال وبعد تنفيذ البرامج بشكل علمي ممنهج. ولابد من طرح مزايا وحوافز تواكب حجم أهمية التدريب في تطور الأمم. وتطوير برامج التدريب على رأس العمل وجعلها أساساً في تقييم العامل أو الموظف وفرصه في الترقية وتحسين وضعه واكتساب مهارات التميز في المجال. وربط المخرجات بالسلوكيات وردود الأفعال يحتاج إلى توظيف أهل الاختصاص في العلاج النفسي عند تصميم البرامج. والحد من التوسع في القبول في الجامعات وإعادة توجيه الأعداد المؤلفة من الخريجين للتدريب المهني والتقني. وتكثيف الاستفادة من القطاع الخاص في مراحل التطوير والتحسين فمواعين التدريب الحقيقية في القطاع الخاص. وبالمثابرة والجدية لن يقف أمامنا أي حجر يجعلنا نتعثر لتحقيق الرؤية فقد تأهل أبناؤنا واتسعت مجالات أعمالنا وتحدثت إجراءاتنا ووصلنا لمراكز متقدمة جداً على المستوى الدولي في كثير من المجالات وهذا ليس وليد لحظة أو نتاج ساعات ولكن علينا الحفاظ على هذه المكتسبات.
مشاركة :