استعاد «سوق الحرجة» في البلدة القديمة في رام الله شيئاً من رونقه بعدما نظمت بلدية المدينة فعاليات أسبوعية طوال الشهر الجاري ضمت أمسيات ثقافية وفنية وفولكلورية، ونشاطات مخصصة للأطفال وأخرى ذات طابع تراثي لتسويق المنتجات المحلية. وكانت «رام الله التحتا»، حيث سكن أهل المدينة الأوائل، على موعد مع «سوق الحرجة» مجدداً، ولكن بنكهة عصرية، مع عدم إغفال الهوية التراثية بمختلف أشكالها، سواء عبر المنتجات المعروضة للبيع، والتي في مجملها أعمال يدوية ومأكولات، أم عبر الفقرات الفنية والغنائية التي ارتدت عباءة حديثة، لأغان فلسطينية وشامية وشرقية قديمة، أضافت إلى الفضاء الرحب فضاءات أخرى أكثر رحابة. وتلاقحت في «سوق الحرجة» موسيقى جميل السايح وفرقته «الرحالة»، مع أصوات الأطفال، إضافة إلى رواية قصة وتبادل كتب ونشاطات مختلفة، وجولة بانورامية في المحكمة العثمانية العتيقة وسط البلدة القديمة لمدينة رام الله، والتي توزعت حولها أكشاك بيع المنتجات التراثية والفولكلورية الفلسطينية. ويعود تشكيل «فرقة الرحالة» التي شاركت في فعاليات «سوق الحرجة»، إلى الانتفاضة الأولى عام 1988، عبر جميل السايح ورفيقته ريم اللو. ومنذ ذلك الوقت، قدّمت الفرقة أغاني لا تزال حاضرة في أذهان الأجيال الفلسطينية من كلمات شعراء كبار ومجددين كحسين البرغوثي وخليل توما وفوزي البكري وغيرهم. ومن الأغاني التي اشتهرت آنذاك «القدس» و «بيتي الأسواق» و «كاس المر» و «نذر عليّ» و «اعطي» و «أبو الغلابة» و «رصيف المدينة» التي حملت عنوان أول أسطوانة للفرقة عام 1989، قبل أن يعود السايح لتجديدها بعد توقفها إلى حين. ويقول مؤسس الفرقة جميل السايح من مدينة نابلس، إنها من أوائل الفرق الفلسطينية الغنائية الملتزمة، إذ قدمت ألحاناً وكلمات لأبرز الشعراء الفلسطينيين بينهم: محمود درويش، خليل توما، فوزي البكري ولؤي الجيوسي. وبرز السايح بشكل خاص في تلحينه كمات الشاعر الراحل حسين البرغوثي، ومشاركته في عدد من الأعمال المسرحية، وتلحينه بعض الأعمال المخصصة للأطفال. ومن الألبومات التي أصدرها «رصيف المدينة» و «زرياب الصغير»، إضافة إلى مجموعة أغان ذات نكهة فلسطينية للأطفال، شكلت جميعها خلطته الموسيقية العجيبة. وقالت منسقة «سوق الحرجة» سنا بركة: «تأتي فعاليات هذه السنة لحرص المدينة على تثبيت هويتها، والحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا، حيث تنتظم في السوق القديم، الذي لم يعد له وجود كما كان، إلا من بعض المتاجر القليلة». ولفتت بركة إلى حرص القائمين على التنويع في الفعاليات الثقافية والفنية وما رافقها من تسويق لمنتجات تراثية، ففي الأسبوع الأول تركز التسويق على المطرّزات التي تشتهر بها فلسطين والأكسسوارات التراثية، في حين ركز الأسبوع الثاني على تسويق الصناعات البيتية والمشاريع الصغيرة، وشاركت فيه، الفرقة القومية للموسيقات العسكرية. أما الأسبوع الثالث الذي اختتمت فعالياته أخيراً، فخصص لتسويق التراث بمشاركة مركز الفن الشعبي، وحلقات من الدبكة والموسيقى الشعبية الفلسطينية، في حين استمتع الأطفال بعرض لمسرحية «السيرة». وشددت بركة على أن القائمين على فعاليات «سوق الحرجة... رام الله زمان» يهمهم توفير مكان دائم لمن يصرّون على التمسك بالهوية والتراث من خلال ما ينتجونه ويسعون إلى تسويقه، وتشجيع الفنانين الذي يعيدون إنتاج التراث الموسيقي والفني الفلسطيني بشكل أو بآخر، حيث لا سوق للحرفيين أو الحرفيات أو المطرزات والأكسسوارات الفلسطينية في مدينة رام الله أو غيرها من المدن الفلسطينية. وتكشف منسقة الفعالية عن دراسة معمقة لتطوير «سوق الحرجة» ليشكل المكان الدائم لهؤلاء الفنانين على مدار السنة.
مشاركة :